لا يمكن لأحد أن ينكر التأثير الكبير لتركيا على المغرب، فهي حاضرة في المجال الاقتصادي والسياسي والثقافي وكذلك الفني. فما السر الكامن وراء هذه الظاهرة؟ وما هو الخفي والجلي فيها؟ قلق «الكماليين» أنقرة، الأحد 4 أكتوبر : تشير الساعة إلى الحادية عشرة صباحا. يخاطب طيب أردوغان أطر حزبه بنبرة حادة: لن يخضع حزب العدالة والتنمية التركي لا لأوامر أوروبا ولا لأوامر الولاياتالمتحدة... أما في ما يخص الملف الإيراني، فأكد المتحدث دعمَه للمشروع النووي وأنه لا مجال للمناقشة بهذا الخصوص... «إذا كانت تركيا جزءا لا يتجزأ من أوربا، فلها كذلك واجبات اتجاه العالم العربي والإسلامي» يصرح أردوغان بشدة. وعلى الطرف الآخر، في حي «فاتح»، أحد أكبر الأحياء في إسطنبول، يجلس نيزار، في ال48 من عمره، يحتسي الشاي ويداه مشغولتان: إحداهما تمسك بعصا الشيشة والأخرى تُسبِّح!... عيناه تحملقان في شاشة البلازما المثبتة في جدار المقهى، فهو يتشبع بكل ما يقوله أردوغان ويومئ برأسه، تعبيرا عن رضاه. نزار تاجر ثري، استثمر في مصنع للألبسة ورثه عن والده. يصنع فيه ملابس نسائية تقتني معظمَها زبونات إيرانيات وسوريات. في 2004، حين ورث نيران هذا المعمل، لم تكن الأمور على ما يرام، فقرر آنذاك أن يقترض من البنك مليون ليرا، (ما يعادل 5 ملايين درهم) لتجديد هذا الورش. ومنذ ذلك الحين، تضاعفت أرباحه بدون انقطاع. ويرى نزار أن وضعيته تحسنت بفضل حزب العدالة والتنمية. يذهب مرة في كل شهرين إلى طهران ودمشق، ليوزع سلعته. في هذين البلدين، استرجعت تركيا مكانتها، فالإمبراطورية العثمانية كانت بمثابة الأخ الأكبر الراعي. ولا شك في أن خطابات أردوغان تُخلّف صدى واسعا خارج الحدود. يعترف نزار بأنه صوَّت -هو وعائلته- لصالح حزب العدالة والتنمية، زد على هذا، فهو استأنف أداء واجب الصلاة، ففي كل جمعة، يذهب إلى مسجد «السلطان أحمد»، الذي يوجد على ضفاف البوسفور. قطع هذا المشوار لا ينبع فقط من الإيمان، بل من الحنين إلى هذه الإمبراطورية التي لم يبق لها وجود إلا في كتب التاريخ وفي «رؤوس مسيري العدالة والتنمية».. توغيت، أحد المتقاعدين، في السبعين من عمره. يرتاد هذا العجوز كل يوم سبت حانة شعبية هو ورفاقه في شارع الاستقلال. يحتسون الجعة ويرددون الأغاني الوطنية القديمة. يقول تورغيت: «هنا معبد العلمانية التي يود استئصالَها حزب العدالة والتنمية».. بالنسبة إلى تورغيت، الذي يجد صعوبة في إنكار النهوض الاقتصادي الذي شهدته البلاد منذ 2002 وكذا صعود الحكومة الإسلامية، فإن أردوغان يريد إحياء نظام الخليفة، حيث تحكَّم في البرلمان وقمَع العدالة والآن يستعد لزعزعة الدستور. يتذمر تورغيت قائلا: «لن يسمح له الجيش بفعل ذلك، فهو مسانَد من طرف أوربا والولاياتالمتحدة الليين لن تسمحا بقيام دولة إسلامية على ضفاف البوسفور»... يُقلق حزبُ العدالة والتنمية، حاليا، راحةَ النخبة «الكمالية» وكذلك أولئك الذين يحنّون إلى تركيا علمانية محضة. يقول نزار: «لم نتوقف يوما عن كوننا مسلمين، فأبي كان يصلي خمس مرات في اليوم وزار بيت الحج الحرام مرتين». لا تدير تركيا ظهرها للعلمانية ولإرث مصطفى كمال أتاتورك، فهي فقط تتصالح مع تاريخها الحديث. في بداية القرن الماضي، كانت تركيا دائما هي منارة الإسلام، مع السماح بتنوع إثني وديني داخل مجتمعها. في قلب السوق التجاري «جواهر»، أحد أكبر الأسواق في المنطقة، نجد شابا وشابة محجبة متعانقين.. لا يبدو أن هذه الشابة، التي يغطي شعرَها وشاحٌ ملون، تشعر بأي إحراج، وهذا بالضبط ما يصنع سحر تركيا، فهي تزاوج بين التقاليد والليبرالية. وإذا نجح حزب العدالة والتنمية في تركيا في المزاوجة بين هذين المعطيَيْن، فإن حزب العدالة والتنمية المغربي بعيد كل البعد عن ذلك.
الشركات التركية تتوغل في السوق المغربية تستثمر الشركات التركية، بشكل متزايد، في قطاعات مختلفة في بلادنا. ويتنافس بعضها على أسواق تقدر بملايير الدراهم، وبعضعها الآخر يعرف نموا متواصلا يخول لها أن تحتل مراتب الصدارة في عدة قطاعات. من بين هذه الشركات التركية، نذكر سلسلة الأسواق الممتازة «بيم»، فحتى الأطفال الصغار في المغرب أصبحوا من عشاق «البسكويت» التركي. والواقع، أننا أصبحنا نشهد اكتساح هذه الشركات التركية للسوق المغربي، بشكل تدريجي، دون إحداث أي ضجة ،فإنجازاتها تتحدث عنها. وفي مواجهة المنافسة التي تشهدها السوق (أكثر من 60 شركة تركية تستقر ببلادنا) ارتأينا مبدئيا أن نسلط الضوء على أهم ثلاث شركات تركية، والتي يبدو مسارها في المغرب حافلا بالتجارب.
خطوط أنابيب الفوسفاط تذهب لصالح شركة «تيكفن» التركية انتزعت شركة «تيكفن» التركية صفقة خطوط أنابيب الفوسفاط في المغرب، وتمتد على مساحة 235 كيلومترا وخُصصت لها ميزانية 4 ملايين درهم. يتطلع هذا المشروع الضخم والطموح، الذي راهن عليه المكتب الشريف للفوسفاط، إلى مضاعفة القدرة الإنتاجية في أفق 2018، حيث يهدف إلى رفع إنتاجه من 28 مليون طن حاليا إلى 50 مليون طن في أفق 2018. سيخفض إنجاز هذا المشروع من التكلفة الباهظة لنقل الفوسفاط، إذ يكلف نقل الطن الواحد حاليا 8 دولارات وينتظر أن يكلف دولارا واحدا فقط على المدى البعيد... والسؤال الآن هو: هل يتوجب علينا أن نعرف بهذه الشركة ! تتحدث هذه الأخيرة، بكل بساطة، عن نفسها في المغرب من خلال مشاركتها في تكرير البترول مع شركة «لاسامير» في مدينة المحمدية، إلا أن انجازها الأهمَّ سيبقى تحت جناح الفوسفاط. تسع خطوط الأنابيب هذه ل38 مليون طن وسيسمح هذا بنقل 60 % من إنتاج المناجم في خريبكة إلى المركب الصناعي في «الجرف الأصفر».
حزب العدالة والتنمية التركي نموذج سياسي؟ في العالم العربي -الإسلامي، هناك حزبان إسلاميان فقط يحملان اسم العدالة والتنمية، أولهما حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي تأسس سنة 1998، تحت قيادة عبد الكريم الخطيب، وهو صناعة مخزنية صرفة. أما في تركيا، فلم يتأسس حزب العدالة والتنمية إلا سنة 2001، على يد طيب أردوغان. ربما يتشارك هذان الحزبان نفس التسمية ونفس المرجعية، إلا أن أوجه الشبه تقف عند هذا الحد، فالاختلاف واضح على مستوى الممارسة والمسار السياسيين لكلا الحزبين. رغم أن حزب العدالة والتنمية جاء متأخرا بأربع سنوات عن نظيره المغربي، فقد استطاع أن يصبح حزب الحكومة بامتياز. فالفرق شاسع بين الحزبين. وبالفعل، فإسلاميو الحزب المغربي أنفسهم لا يميلون إلى إجراء هذه المقارنة مع أشقائهم الأتراك. فالحزب التركي عرف كيف يتأقلم مع قوة السلطة، ليصنع آلة سياسية قادرة على اكتساح صناديق الاقتراع وعلى تسيير بلاد بأكملها، الشيء الذي لا ينطبق على حزب العدالة والتنمية المغربي.
مقاولون «إسلاميون» إن اختيار حزب العدالة والتنمية واضح، فهو يريد أن ترسي تركيا دعائمها في اقتصاد السوق وأن تدمج في الاتحاد الأوربي. وفجأة، نجد حكومة أردوغان تغير سياستها الاقتصادية، فالتسيير صارم والاختيارات حكيمة. لاقى هذا التصور الجديد لتركيا استحسانا كبيرا من طرف الفاعلين الاقتصاديين، الذين ضاعفوا استثماراتهم في تركيا. وأصبح هذا البلد أحدَ أكثر البلدان استقبالا للسياح وأصبحت شركات المقاولات الأناضولية تكتسح الأسواق الدولية. وعندما تدير أوربا ظهرها لأردوغان، فهو يلجأ إلى العالم الإسلامي. وفي ظرف عشر سنوا ت، احتل اقتصاد تركيا المرتبة الخامسة عشرة عالميا، فالمقاولون الإسلاميون في إسطنبول وكايسيري اكتسحوا أسواق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. نجح حزب العدالة و التنمية كذلك في التحالف مع عدد كبير من رؤساء المقاولات الصغرى والمتوسطة، الممثلة في«التوسياد» (الاتحاد العام للمقاولات التركي). وبشكل عام، يتمتع الإسلاميون الأتراك بعلاقات جيدة مع رجال الأعمال والمقاولين الأتراك، فهم مصدر دعم هام. أما حزب العدالة والتنمية المغربي، فوضعه مغاير كليا، فنحن لم نسمع قط عن أطراف اقتصادية فاعلة تتعاطف معه، وهذه إعاقة سيبقى الحزب يعاني منها، إذا لم يغير خطابه الاقتصادي. وعلى كل حال، وباستثناء بعض الاحتكاك بعبد الرحيم الحجوجي، المدير السابق لاتحاد مقاولات المغرب، فعلاقات الإسلاميين المغاربة مع العالم الاقتصادي تبقى متكتمة وجد هشة، مما لا يجعلها تحظى بالدعم اللازم.
المسلسلات التركية.. اكتساح موفق منذ أن طفت ظاهرة «مهند» على السطح، انهمرت «سيول» من المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية، لتحتل شاشاتنا، والواقع أن أبطال هذه المسلسلات الذين يتمتعون بقدر عال من الوسامة والأناقة، أصبحوا مرآة تعكس صورة تركيا في البلدان العربية، بعد أن اعتادت تركيا على جذبنا بالمعالم السياحية. تشبه هذه المسلسلات التركية، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا، كثيرا نظيراتها المكسيكية، التي كانت تعرف نجاحا واسعا في تسعينيات القرن الماضي، والتي كانت تشد انتباه جمهور عريض من سن السابعة حتى سن السابعة والسبعين. ومن الناحية النقدية، يتفق كل المحللون على أنه عندما يكون هناك شيء جديد، وخاصة تلك المسلسلات العاطفية، فهي تلقى استحسان الجميع، باعتبارها مجرد «موضة». وكان يتعين على المرأة المغربية أن تكون في غاية السذاجة والرومانسية لكي تنضاف إلى قائمة المولعات بهذا النوع من القصص المسلية. وأمام هذا الواقع، ينهال وابل من التساؤلات حول سبب نجاح «ظاهرة مهند»... وقد حان الوقت لنتساءل ما إذا كانت مسلسلات أخرى آتية ستسحب البساط من تحت رجل مهند ولميس ونور والآخرين... ومع ذلك، وبخلاف المسلسلات اللاتينية، فإن الإنتاجات التركية استطاعت أن تمزج بين عدة جوانب ثقافية للعرب والمسلمين، رغم اختلافها. هذا المزج شيء ضروري لجذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين، الذين يتأثرون ويتعلقون بهذه المسلسلات عاطفيا، لأن الثقافة المنتجة لهذه المسلسلات تتشارك وإيانا في العديد من الجوانب الاجتماعية والثقافية، لكنها تقدمها في قالب ساحر وجذاب. إلا أن هذا «السحر» كانت له بعض الآثار السلبية، حيث إن العديد من الأزواج يعانون من غيرة زوجاتهن اللواتي لا يلقَيْن تلك المعاملة الرومانسية التي يشاهدنها على شاشة التلفزة.. والحق يقال إن تلك الأدوار تؤدى بإتقان لا نظير له، إلى درجة تبدو كأنها حقيقية، ولهذا فهي تزرع الرغبة داخل بعض المغربيات في أن يَحظيْن بمعاملة مماثلة...
حق امتياز الأعمال التجارية: خرق اتفاقيات التبادل الحر إذا اختارت شركة «دوكيس» الاعتماد على إمكانياتها الخاصة لتجد مكانا لها في السوق المغربية، فإن شركات أخرى اختارت طرقا أكثر أمانا، وهذا حال شركة «استقبال»، المتخصصة في الأثاث، والتي اختارت اعتماد عقود التراخيص التجارية، لكي تتوسع في جميع أنحاء العالم. تملك هذه الشركة حاليا أكثر من 2500 نقطة بيع، إلى درجة أصبحت فيها تنافس شركة «إيكيا» العملاقة. ولكي تستثمر أموالها في المغرب، اعتمدت «استقبال» على دعم «ياديكو»، مانح حق امتياز العلامة التركية. ويصرح لنا عمر الصقلي، المسؤول عن شبكة «استقبال» عن تطور الشركة قائلا: «كان الأتراك هم مزودنا الرئيسي حتى قبل أن يستقروا بالمغرب، ومن هنا جاءت فكرة أن نعقد هذه الشراكة لصالح الطرفين». ويرجع رضا عمر هذه الشراكة إلى تزايد الإيرادات والتي تجاوزت نسبة 100 % منذ إنشائها سنة 2008. وبعد أربع نقط بيع في كل من الدارالبيضاء والقنيطرة والرباط وطنجة، ستكون علامة «استقبال»، في أفق 2011، متواجدة في كل من مراكش وفاس ووجدة. فما هو، يا ترى، سر هذا النمو؟ إنه التشبث بمبدأ يقوم على تقديم «أعلى جودة بأفضل سعر»، ولكن يبقى التموقع الذكي واستهداف الطبقة المتوسطة العليا هما نقطتا قوة هذه الشركة. ويضيف الصقلي: «إننا على وشك أن نصبح المزود الأول للأثاث في المغرب». زد على هذا اعتمادهم إستراتيجية تسويق ناجحة تذر نسبة %20 من عائدات هذا الامتياز التجاري. هذه هي العناصر التي صنعت قصة نجاح «إيكيا»، التي تضع نصب عينيها اكتساح جميع التراب الوطني، في أفق قريب. لكن لِمِ لا الآن؟ يكمن الجواب في ثلاث كلمات هي «اتفاقية التبادل الحر»، والواقع أن مانح حق الامتياز والمستفيد منه ينتظران أن تصبح مقتضيات اتفاقية التبادل الحر بين تركيا والمغرب لصالحهما. ومع أن هذه الأحكام تقتضي بأن يتم التسويق بشكل تدريجي، فإن الرسوم الجمركية على الأثاث المستورد من تركيا تتراوح فقط ما بين 25 و30 %. كيف سيصبح السوق المغربي، إذن، عندما ستنخفض هذه النسبة إلى 10 % أو عندما تلغى نهائيا! سنشهد «سيلا» من الأثاث التركي يكتسح أسواقنا، نظرا إلى القدرة الإنتاجية الكبيرة لمصنع «استقبال» بتركيا. مقر هذه الشركة متواجد حاليا في مدينة كايسيري وتتجاوز مساحته مليون متر مربع ويصنع أكثر من 15000 فراش و5000 صالون في اليوم الواحد، مع التطلع إلى مضاعفة هذه الإنتاجية في أفق 2015 !
مشاريع هيكلية إذا كنتم من الذين يسافرون عبر الطريق السيار، فهناك احتمال كبير بأن تكونوا قد مررتم ببعض المقاطع التي أنجزتْها شركة «دوكيس إنسات». ساهمت هذه الشركة التركية في إنجاز مشاريع هيكلية في بلادنا، بعد فوزها بصفقات حيوية، كالطرق السيارة. وكمثال على هذه الإنجازات، نذكر الطريق السيار الرابطة بين أصيلة وطنجة وبين «أركانة» و«أمسكرود» (مراكشأكادير). يشرح لنا أحد المسؤولين في هذه الشركة قائلا: «في إطار استراتيجينا التنموية في المغرب، نحرص على أن نزايد على أسواق تتجاوز قيمتها 500 مليون درهم». فأين تكمن قوتهم يا تُرى؟ الجواب واضح: يملكون دراية واسعة استمدوا جذورها من تجربة فاقت 60 سنة في مجال الهندسة المدنية (على الصعيد الدولي). كما يمتلكون لوجستيكية رفيعة تخول لهم التوفر على تجهيزات في المستوى. يقول علي، وهو إطار في شركة «دوكيس إنسات» وأحد المسؤولين على مقطع في منطقة سوس: «إن تكامل الكفاءات البشرية والتقنية تخول لنا أن نقدم خدمات ذات جودة عالية». أفادت هذه الخبرة المغربَ كثيرا، ففي الوقت الذي تعثر إنجاز الطريق السيار الرابط بين مراكشوأكادير، بسبب تأخر الشركة الصينية المكلفة بالطريق الرابطة بين إمنتانوت وأركانة وأمسكرود، تمكنت هذه الشركة التركية من إنجاز موقع أركانة وأمسكرود في الوقت المحدد، مع العلم أن هذا الموقع كان من بين أصعب المحطات التي تم إنجازها، نظرا إلى طبيعة التضاريس بفي المنطقة، بل إن «العجيب» في الأمر هو أن شركة الطرق السيارة في المغرب خصصت ميزانية 2.1 مليون درهم لإنجاز هذا الموقع، في حين أن «دوكيس إنسات» أنجزته ب1.9 مليون درهم فقط! وبهذا، يبدو أن «شعلة» هذه الشركة متعددة الجنسيات لن «يطفئها» أحد. وفي الوقت الذي كانت هذه الشركة الأم العملاقة (ما يزيد عن 77 فرعا في قطاعات المالية والسيارات والبناء والسياحة والإعلام) تنوي توسيع نشاطاتها واستثماراتها في المملكة، وجدت نفسها محبَطة أمام «الخطر الأصفر»! ومع أن هذه الشركات، أثناء مزايدتها على الأسواق، تعتمد سياسة ربح مدروسة (حوالي 2 3 %) فإنها تحس أنه يتم تجاوزها من طرف الشركات الصينية. ويضيف علي: «إنهم يتفوقون علينا بمسألتين في غاية الأهمية، أولا ثمن شراء المواد الأولية وثانيا اليد العاملة»، ويقر علي بأنه بالنسبة إلى اليد العاملة، فالصين تركيا لا تعتمدان نفس الإستراتيجية، فشركة «دوكيس» كانت تعطي الأسبقية للعمال المغاربة، عن طريق عقود عمل محددة سارية طيلة مدة إنجاز أشغال البناء، وفي النهاية تجد أن أقل من 10% من مستخدَمي الشركة هم أتراك، في حين أن ما يناهز 2000 مغربي يشتغلون في مختلف ورشات البناء في جميع أنحاء المملكة. وبالإضافة إلى الأثر الاقتصادي والاجتماعي على سوق الشغل المحلي، فالربح الأكبر يكمن في تبادل الكفاءات بين تركيا والمغرب. كما صرّح لنا مسؤول في نفس الشركة -فضل عدم الكشف عن اسمه- قائلا: «نحن نعاني من منافسة غير منصفة، بمعنى أن كل شركة أجنبية تنجز مشروعا في المغرب فهي مجبرة على تشغيل اليد العاملة المحلية، في حين أن الصينيين يستعينون بمواطنيهم، وحتى في أبسط المهام... وقد حدث أن عاينّا بعض السائقين الصينيين هنا في المغرب! هذا شيء غير مقبول». يستغرب نفس المسؤول كيف أن السلطات المغربية لا تحرك ساكنا إزاء هذه الظاهرة. وإذا كان المنطق يقول إنه عند طلب العروض، يتم اختيار الجهة التي تقدم الخدمة بأقل تكلفة، فإنه سيكون من الأفضل للمغرب أن يختار الجهة التي تقدم خدمات أفضل، من حيث احترام الآجال المتفق عليها وإتقان العمل، وخاصة خلق فرص شغل للمغاربة. وفي الوقت الذي كانت هذه المجموعة تعقد آمالا كبيرة على صفقة جسر أبي رقراق، وجد الأتراك أنفسهم خارج المنافسة، إذ سحبت الصين البساط من تحت أرجلهم مرة أخرى! ومع ذلك، يبقى الأمل معقودا على مشروعين ضخمين تتنافس عليهما هذه الشركة: يتعلق الأول بالطريق السيار في الدارالبيضاء وتحديدا المقطع الرابط بين برشيد وطيط مليل، والذي خُصِّصت له ميزانية 1.4 مليون درهم، والثاني مشروع هيكلي يخص الخطوط السريعة،و الذي يدخل في إطار إنشاء القطارات فائقة السرعة في المغرب. هذا المشروع مدعم بميزانية 20 مليون درهم، وستشكل نتيجة هذه المنافسة نقطة تحول جوهرية في مسار شركة «دوكيس» في المملكة الشريفة.
اليد العاملة وتحصيل الديون.. نقط الضعف يبدو أن الطموح هو القاسم المشترك الذي يدفع المستثمرين الأتراك إلى المجيء إلى المغرب. وكمثال حي على هذا، نجد شركة «أنطولي» للنجارة، التي تخصصت في تجهيز المشاريع العقارية المتوسطة والفاخرة في جميع أنحاء المغرب بتعاون مع أهم المنعشين العقاريين المحليين. فتحت هذه الشركة أبوابها في المغرب سنة 1999، بفضل يحيى سليك، ابن صاحب العلامة التجارية الشهيرة للأجهزة الكهرومنزلية، باستثمار يقدر ب2 مليون درهم. وبطبيعة الحال، اعتمدت هذه الشركة، في بادئ الأمر، استيراد هذه الأجهزة من تركيا وكان كل شيء على ما يرام، إلى أن دخل الصينيون مجددا على الخط. كان هذا المعطى نقطة تحول محورية في مسار هذه الشركة التركية، التي رأت في ازدهار سوق العقار في المغرب فرصة سانحة. وبهذا، قامت «أنطولي» بتنويع نشاطاتها وفتحت مصنعا خاصا بها في المغرب، لتضبط أسعار الإنتاج. ورغم أن إيراداتها تعرف نموا يتراوح ما بين 15 و20 %، فإن الشركة، مع ذلك، تواجه بعض الصعوبات التي تهدد توازنها، ومنها نقص اليد العاملة المؤهلة والمنضبطة ومشكل تحصيل الديون. ويعبر يحيى سليك عن شكواه من ذلك قائلا: «إن 60 % من مستحقاتنا لم تُسدَّد بعدُ بالكامل». كما صرح -ولو بشكل ضمني- أنه منذ بضع سنوات مضت، كان المستثمر المغربي يتجنب الدخول في الصفقات العمومية، نظرا إلى تخلف الدولة عن تسديد ديونها. ويتابع سليك قائلا في هذا الإطار: «منذ سنتين، رأينا أن الآية انقلبت وأصبح الاستثمار في القطاع العام أكثر أمانا من نظيره الخاص الذي أصبح يقلق الجميع !». وما زال سليك ينتظر أن يسدد أحد المنعشين العقاريين مبلغ مليون درهم، مع العلم أن المشروع تم إنجازه بالكامل. ويبقى أكثر ما يخشاه المستثمرون الأتراك هو أن يلقَوا نفس مصير عبد الرحمن كاملولو، صاحب شركة «بوغاتو»، فبعد أن تعب هذا المستثمر من المطالبة بدفع مستحقاته التي تقدر بثلاثة ملايين درهم، قرر أن يغير وجهته ويستثمر في بلغاريا. هذا مؤشر خطير بالنسبة إلى المستثمرين الذين يفضلون المغرب والذين سيشهد عددهم تزايدا ملحوظا، إذا تم تهييئ المناخ المناسب لاستثماراتهم، وتحديدا إطارها القانوني.