الصدمة هي أول ما تشعر به الأم والأب حين يعلمان أن طفلهما مصاب بأحد أمراض الإعاقة الجسدية أو الذهنية، لتأتي بعدها ردة الفعل، فالبعض قد يتقبل قضاء الله وقدره ويكون سندا لزوجته، والبعض الآخر قد يتخلى عن صوت ضميره الأبوي إلى درجة التخلي عن فلذة كبده وعن زوجته. بدون مقدمات أصبحت «فاطمة» تحمل لقب مطلقة لمجرد ولادة طفل معاق، وتسرد قصتها قائلة: «كانت صدمتي كبيرة حين أخبرني الطبيب أن رضيعي ذا الثلاثة أشهر لن يكون طفلا عاديا لأنه يحمل إعاقة ذهنية، احتضنت طفلي بقوة وبكيت وقبلت قضاء الله وقدره، لكن طليقي سامحه الله بمجرد ما أبلغته الخبر حتى بدأ يغير معاملته لي ولطفلنا، وبدأ يعايرني ويحملني المسؤولية وحدي، قبل أن يرمي بورقة الطلاق في وجهي ويتركني وحيدة مع طفلنا المعاق وآخر أكبر منه سليم في مواجهة زمن قاس أواجهه بصبر وجلد». ولا تختلف قصة «سعاد» عن قصة «فاطمة» إلا في بعض التفاصيل الصغيرة، فبدورها تخلى زوجها عنها بعد ولادة طفلتهما فاقدة لنعمة البصر، وتستطرد قائلة:«بعد أن كشف لي الطبيب أن طفلتي محرومة كليا من نعمة البصر، مادت الأرض تحت قدمي ولكنني سرعان ما تمالكت نفسي وسلمت أمري لله، وكنت أتمنى أن يشاركني زوجي في مصابي، لكنه وبكل بساطة رفض طفلتنا وبدأ يشتمني «ويشتم اليوم الذي تزوجني فيه» وتنصل من جميع مسؤولياته نحونا قبل أن يطردني من بيت الزوجية ويطالبني بالعودة إلى بيت أهلي بضواحي الدار البيضاء، فلم أجد بدا من ترك ابنتي في حضانة والدتي والعودة صوب مدينة الدارالبيضاء للعمل كخادمة أعتني بشؤون المنزل وبرعاية أطفال في سن ابنتي التي تبلغ حاليا 3 سنوات في الوقت الذي تحتاج فيه ابنتي لحناني، ولأن زوجي غير قادر على مصاريف الطلاق والنفقة وغيرها فقد أجبرني بالقوة على توقيع وثيقة تسمح له بالزواج من أخرى حتى ينجب على حد قوله أطفالا أصحاء». أما معاناة «الزوهرة» فهي مزدوجة تسردها قائلة: «أنا أم لأربع إناث، الوسطى والصغرى تعانيان من إعاقة ذهنية وأعاني من ضيق ذات اليد. ورغم أن زوجي رضي بقضاء الله وقدره، إلا أنه لا يتحمل مسؤولياته كاملة تجاه طفلتينا ويتركها على عاتقي وحدي، حيث تكبدت معاناة «الطلوع والهبوط» حتى تم قبول، بعد انتظار طويل جدا، الصغرى بجمعية آباء وأصدقاء الأطفال المعاقين ذهنيا، في حين تم رفض الكبرى، لأن سنها تجاوز السن القانوني المسموح به والتي تتفاقم حالتها النفسية، لأنني أضطر إلى إغلاق باب الغرفة عليها خلال فترة غيابي للعمل كخادمة، خوفا عليها في حين يفضل والدها الجلوس بالمقهى ولعب الورق إن لم يكن لديه عمل على العناية بها». قد تكون «مليكة» محظوظة لأن زوجها كان خير سند لها حين علم بإعاقة طفلهما الجسدية، ولم يتخل عن دوره كأب ومارسه على أحسن ما يكون، حيث لم يبخل بوقته وماله في سبيل الحصول على الاستشارات الطبية والنفسية ومساعدتها في أعباء المنزل والعناية بطفلهما، وتسترسل قائلة: «كان وقع الصدمة علي حين علمت بإعاقة طفلنا كبيرا لم يخففه سوى وجود زوجي الذي كان أكثر قوة مني في مواجهة الأمر، وكان أول ما قام به هو عيادة الطبيب وزيارة المختصين في شؤون الأطفال المعاقين وطلب استشارة الأطباء النفسانيين في سبيل توفير أحسن رعاية نفسية وطبية لطفلنا، وحمدت الله على وجود مثل هذا الأب في حياتي الذي يمارس مسؤولياته، خصوصا وأن صالة الانتظار التي تجمعني ببعض السيدات ألمس خلالها معاناتهن بعد أن تخلى الأزواج عنهن وتركوهن يتحملن عبء هؤلاء الأطفال وحدهن».