شهادة رواتب خيالية في «مازاكان» كلنا مغاربة وخريجو مدارس عليا وطنية ودولية أو جامعات ولنا تجارب مهمة، ومع ذلك، فمعاملتهم لنا هي الأسوأ وأجورنا هي الأقل، مقارنة مع أولئك المغتربين الذين يكتسحون بلادنا. نحن نعاني كل يوم من الميز العنصري والتهميش والاحتقار، وهذا شيء لا يمكننا أن نتغاضى عنه. إنهم لا يفيدوننا بأي شيء، بل على العكس، يستفيدون من تجاربنا ويجبروننا على تكوينهم لكي ينتهي بنا المطاف في الآخر مطرودين، مع عقوبات تأديبية. إن رواتبهم ثلاثة أو أربعة أضعاف رواتبنا، مع العلم أن تجاربنا وكفاءاتنا على المستوى الدولي تفوق 50 مرة كفاءاتهم... أما داخل أسوار «مازاكان»، فتجد إروان، المدير المالي الأوربي، الذي يستفيد من راتب 110.000 درهم + الفوائد الاجتماعية. أما مساعِدته شرين، وهي لبنانية الأصل فراتبها الشهري يصل إلى 55000 درهم + الفوائد الاجتماعية، بالإضافة إلى مسئولة إدارية أوربية أتت لتحتل منصب مغربية تم تسريحها... ولا ننسى أن هذه الأوربية ليس لديها أدنى فكرة عن إداراتنا المغربية. نحن نعاني مشاكل مع المالية وندفع غرامات، جراء تأخير تسديد مختلف الضرائب، أما المستشارون الماليون فمهامهم لا تنتهي؟ أوليڤيي، وهو مستشار مالي فرنسي يتقاضى 15000 درهم في اليوم الواحد، مضى على تواجده هنا أكثر من 6 أشهر دون أي جدوى، بالإضافة إلى مستشارة مالية هي الأخرى فرنسية تتقاضى راتب 7000 درهم في اليوم الواحد. أما بالنسبة إلى الخدمات الأخرى، فنجد سائق شاحنة فرنسي يتنقل داخل مساحة 2 كيلومتر داخل المركب، مقابل راتب شهري يناهز 50000 درهم شهريا ونفس الراتب يتقاضاه أمين مخزن الأواني، وهو فرنسي بطبيعة الحال بالإضافة إلى مسؤولين آخرين ومنسقي مشاريع كلهم أوربيون تربطهم صلة قرابة بالمدير العام لكن ما هي مهامهم؟ ومع ذلك، فكلهم يملكون سيارات فاخرة ورواتب خيالية. المساعدات التنفيذيات لا يملكن الكفاءة المطلوبة ولكنهن فرنسيات وهذا كاف لكي يمتلكن سيارات الخدمة... باستثناء مغربيتين، والذي يبدو أن كفاءتهن العالية لا تخول لهن هذا الامتياز. أما المستشارون فتم استيرادهم خصيصا لتصفية الموظفين المغاربة الذين هم، حسب قولهم، غير أمناء، بالإضافة إلى العديد من المسؤولين الذين أتوا من جميع أنحاء العالم ليتقاضوا رواتب خيالية، بغض النظر عن كفاءاتهم، تطبيقا لمبدأ الكم بدل الكيف. كما نجد زوجات وأزواجا يلتحقون بذويهم ليجدوا مناصب شغل «خُلقت» خصيصا لهم. أما رؤساء الطهاة -الأوربيون بالطبع- فرواتبهم تناهز 320000 درهم في الشهر. شطط في الاستهلاك، دون أي حسيب أو رقيب، أما العمال فتقدم لهم الأطعمة والمواد القديمة. السؤال الملح هنا هو: كيف تقبل ملفات هؤلاء المستثمرين من طرف وزارة الشغل؟ والجواب يكمن في» بزنيس ديڤلوبمت كونسلتين»، التي تهتم بكل هذا، بواسطة ميزانية يسيل لها اللعاب... لقد تعرضنا جميعا للطرد! نحن لا نطالب برواتب مثل رواتبهم، كل ما نطلبه هو أن يتوقفوا عن اضطهادنا واستفزازنا في عقر دارنا، ليدفعوننا لإلى الرحيل، في الوقت الذي يحسبون فيه أنفسهم هم الأجمل والأذكى...
الجمعة. تشير الساعة إلى منتصف الليل. على الساحل الأطلسي ما بين الجديدة وأزمور، يمكن أن ترى منتجع «مازاكان» يلمع كعقد مضيء لكنْ، ليس كل ما يلمع ذهبا. كالفراشات التي تجذبها الأضواء، تجد المغاربة يحومون حول «مازاكان»، مقامرين بكل ما لديهم من أموال. بمجرد دخول هذا المنتجع، ينتابك شعور بما ينتظرك في الداخل. أما أصحاب سيارات «فيراري» و«بوغاتي» الفاخرة، فيحظون بمعاملة خاصة، فهم لا يركنون سياراتهم بعيدا، لكي لا تتعب أقدامهم الذهبية للوسول إلى الكازينو، فسياراتهم تُركَن مباشرة أمام الباب. هم أناس لا يجد أي منهم صعوبة في إرشاء شرطي مرور بمبلغ 6000 درهم، في حال ضبطه يقود في حالة سكر وهو عائد أدراجه من الكازينو. مرحبا بكم في عالم سول كرزنير، الذي عرف كيف يستثمر أمواله في الوقت والمكان المناسبين!... حارسا أمن يقظان يقفان في مدخل الكازينو، يسهران على حسن سير الأمور على البساط الأحمر المؤدي إلى الداخل. وعكس كل كازينوهات العالم، لا يسألونك عن بطاقتك الشخصية أو يفرضون عليك زيا خاصا، وعليه بإمكانك أن ترتدي سروال جينز أو أحذية رياضية، بل أكثر من ذلك، فأبواب «مازاغان» مفتوحة حتى أمام القاصرين... هذا الكازينو ،بكل بساطة، لا يهتم بالمظاهر بقدر ما يهتم برصيد بطاقات زبنائه البنكية، فالكازينو لن يضيع عليه الفرصة بمنع فلاح ثري من الدخول، فقط لأنه يرتدي جلبابا. أما بالنسبة إلى القاصرين، فإذا كانوا سيذرون عليه أرباحا إضافية، فلِمَ يحرمونهم من ولوج الكازينو؟ تقتصر المسألة على المال فقط ويمكنك أن تلاحظ هذا حتى قبل دخولك صالة القمار. فعلى يسارك، تجد المصارف الآلية التي يديرها الكازينو والتي وُضعت عمدا لتزويد المقامرين غير المحظوظين بالمال عند استنزاف محفظاتهم، فما دام الزبون لديه المال، فسيخسره في القمار ،لا محالة. لا يهم إذا كان هذا المال في الأساس هو لتغطية المصاريف الدراسية لأبنائه أو مالا ورثه عن والديه... يحكى أن أحد الموثقين العقاريين خسر كل مال زبنائه، لينتهي به الأمر في السجن لمدة أربع سنوات، دون أن ننسى العديد من أصحاب الشركات الذين أفلسوا، بوضع كل أموالهم على طاولة القمار. داخل الكازينو، أغلب الزبناء مغاربة يتحدرون من طبقات مختلفة، فالمال لا طعم له ولا رائحة! الكازينو مجهز بطريقة تشد الزوار وتغريهم بمواصلة اللعب، أي صرف أكبر قدر ممكن من المال، لأن الكازينو -كأي شركة أخرى- له خطة عمل واحتمالات ربح الزبناء في ما عدا البوكر لا تتعدى 10 %. والواقع أنه بتزايد اللعب، تتزايد فرص خسارة اللاعب /الزبون، فكيف يا ترى يتم الإبقاء على الزبناء داخل الكازينو؟ على طول البساط الأخضر، هناك مضيفة تقدم مشروبات غير كحولية مجانا: قهوة، عصير، كوكاكولا... وبين طاولات القمار، تتجول نادلات يوزعن سندوتشات تقدم هي الأخرى مجانا. أما الأضواء فتبقى مشتعلة، ليل نهار. لا توجد أي منافذ أو ساعة تشير إلى الوقت، كل شيء مسخر لكي ينسى من بداخل الكازينو دوران عقارب الساعة. هناك موسيقى خلفية تختلط بضجيج آلات القمار والأجراس التي تشير إلى أنه حان دور مجموعة جديدة من المقامرين. وأهم «قاعدة» يعتمدها الكازينو هي ألا يتم «إزعاج» أي زبون خسر كل ماله في القمار... ألعاب القمار المتواجدة موجهة لجميع فئات المجتمع، حتى أصحاب الدخل المتوسط. بالنسبة إلى آلات القمار، فأدنى ورقة نقدية يمكن اللعب بها هي 20 درهما. أما بالنسبة إلى طاولات القمار فتكون المراهنات ابتداء من 100 درهم. أما «البوكر»، فابتداء من 1000 درهم. هذا التدرج مدروس بشكل جيد، لكي يعطي للأثرياء ذلك الإحساس بالتميز عن باقي الزبائن. هناك «قاعة خاصة» محجوزة لعشاق القمار تقام فيها دورات لعب للمقامرين الكبار الذين لا يتقيدون بسقف المراهنات المحدد على طاولة القمار. سواء بأقراص البوكر أو بالسيولة، تعد المبالغ التي تربح وتخسر يوميا بالملايين. يُخرج بعض الزبائن من جيوبهم مبالغ لا تعد ولا تحصى، ورغم كل هذه السيولة الهائلة، فالمقامرون متكتمون ومحادثاتهم لا يكاد يسمع لها صوت. يروي لنا نادل يسقي الزبائن بالخمر أن هناك زبونا يأتي يوميا ليفتح قنينة شمبانيا 10 لترات تساوي 80 ألف درهم، يكتفي بشرب بعض الكؤوس منها ويرحل... تلعب المظاهر دورا كبيرا داخل الكازينو ويظهر ذلك جليا في ظاهرة المقامرين الذين يتحدرون من فئة «الأغنياء الجدد»، فهم يجدون راحتهم في تلك الطاولات ذات الرهان المحدود، كي يتظاهروا بأنهم لا يأبهون بالربح أو الخسارة. وهناك مكان آخر مخصص لطاولات «البوكر» لا يسمح لغير المقامرين بدخوله، ويشكو بعض رواده من هؤلاء «الأثرياء الجدد» أثناء جولات اللعب، حيث إن الطاولات ليس لها سقف محدد للمراهنات، وبالتالي تجد كبار المقامرين يصرفون أموالا طائلة دون أي قلق، الشيء الذي يستعصي على هؤلاء اللاعبين المتطفلين الذين ينسحبون جراء عدم قدرتهم على مجاراة المقامرين الكبار في مصاريفهم الخيالية... ويحكي أحد رواد الكازينو أن أحد الزبناء خسر ما يزيد عن 1.8 مليون درهم في ليلة واحدة! وفي المقابل، إذا حدث وربح أحدهم الجائزة الكبرى للكازينو، فيفضل هذا الأخير، عوض أن تذهب أمواله بعيدا، أن يقترح على الفائز أن يقضي ليلة في أحد أجنحة الفندق على حساب الكازينو، طبعا، لكي تتاح له الفرصة لاكتشاف كل خدماته ،كي يعود في اليوم الموالي، ليقامر بكل ما ربحه مجددا، على أمل أن يستعيد الكازينو أمواله بل وأكثر.
الوجه الظاهر ل«مازاكان» ثاني محطة سياحية من المخطط الأزرق «أزور» ترى النور. تكمن وراء هذا الشعار حقيقة مخفية: مشروع عقاري وسياحي استفاد من العديد من التفويتات، علما أن اتفاقية الاستثمار التي تم توقيعها في 2004 بين كرزنير والسلطات المغربية كانت تحت إشراف الوزير الأول آنذاك ادريس جطو ،غير أن ورشات البناء لم تنطلق إلا في يونيو 2007. ويُعزى هذا التأخير إلى عدة أسباب، منها أولا الحالة القانونية للوعاء العقاري الذي سيقام عليه المشروع (280 هكتارا تابعة لمجال الغابات). وقد تطلب كسر هذا الجمود تدخُّلَ الوزير الأول آنذاك بشكل شخصي، زيادة على تدخل عادل الدويري، وزير السياحة السابق. لكن المشكل الحقيقي يكمن في الخلاف بين السلطات المغربية وسول كرزنير، الملياردير الجنوب إفريقي، الذي هيأ لهذا المشروع، إذ أصر هذا الأخير على أن يتم منحه مساحة 130 هكتارا على مشارف الدارالبيضاء، ليشيد فيها الكازينو، وهو الطلب الذي كان يعتبر آنذاك مبالَغا فيه، إلا أن سول استطاع في نهاية المطاف الحسول على مطلبه، بعد أن هدد في عدة مناسبات بأن يسحب استثماره. عندما يتوافق عالم المال والجنس في الكازينو، بائعات الهوى يتحدرن من جميع أنحاء المملكة، ومن السهل على أي زبون أن يميزهن. يكفي أن تلامس إحداهن كتفك لكي تُعْلمك بأنها «رهن الإشارة».. ويبقى الزبون له كامل الحرية في قبول أو رفض «العرض». وإذا كان الزبون راضيا، تقوم الآنسة باستدراجه إلى زاوية المشروبات، حيث يصرف بعضا من أمواله، قبل المرور إلى المرحلة الموالية. وإذا اتفق الطرفان، يتم حجز طاولة في الملهى الليلي «صانكتواري»، الذي يوجد أمام الكازينو. كل هذا، بالطبع، بهدف دفع الزبون إلى صرف أكبر قدر من المال. أما الزبناء الذين يحجزون غرفا في المنتجع، فتسهر الإدارة المسيرة على ألا تتم مطالبتهم بعقد الزواج، في حال اصطحابهم إحدى الحوريات، وهذا «امتياز» يحظى به فقط رواد الكازينو. يقول أحد الزبائن الدائمين إن أميرا سعوديا يرتاد الكازينو باستمرار وهذا يغري الكثير من الفتيات الحالمات بالذهاب إلى دول الخليج. «صفاء»، مثال حي على هؤلاء الحالمات، وهي فتاة في ال24 من عمرها، تتحدر من حي «الولفة»، دخلت عالم الدعارة تدريجيا، فهي تتستر في «العباية» بالنهار وتمتهن الدعارة في الليل. كانت صفاء تحتك مع فتيات من حيها كن يجنين أموالا طائلة من علاقتهن مع رواد الكازينو الخليجيين. وجدت هذه الشابة نفسها «تغرق»، شيئا فشيئا، في شباك الرذيلة، خصوصا أنها كانت تجني حوالي 3000 درهم في الليلة الواحدة. تقول صفاء إنها تود أن تجمع المال الكافي لكي تغادر المغرب «كل ما يهمني الآن هو المال، لا أستطيع الرجوع إلى الوراء، لم يبق لي شرف أعتز به ولا اسم عائلي وازن... أتمنى أن يعجب بي أحد أمراء الخليج ويتزوجني»، تقول «صفاء»، وهي تتنهد بكل حسرة، وما زالت تنتظر... الغضب الصامت ليست «صفاء» الشخص الوحيد الذي يتوقف مصيره على «مازاكان». تشير الساعة إلى الثانية عشرة زوالا: شمس حارقة تشع في سماء مدينة مولاي بوشعيب الرداد، خرير واد أم الربيع يكسر الهدوء القاتل لهذه المدينة، أما عقارب الساعة فلها وتيرتها الخاصة، إذ تتحدى جميع قوانين الطبيعة. وكأي مدينة صغيرة، تزخر الجديدة بالعديد من الناس المميزين الذين اكتسب بعضهم شهرة واسعة بفضل الكازينو. هؤلاء الضحايا الجدد ليسوا ِولم يكونوا يوما مؤهلين لخوض غمار عالم القمار، ومع ذلك، فحياتهم استنزفتها طاولات «مازاكان». في أزقة المدينة، نصادف رجلا يرتدي ملابس رثة، أصبح حديث كل المارة، يبدو أنه كان رجلا محترَما يمتلك العديد من القطع الأرضية، إلا أن حياته انقلبت رأسا على عقب، عندما قرر سول كرزنير الاستقرار بالمنطقة. كان كل خطأ هذا الفلاح أنه لبى، في يوم من الأيام، دعوة أحد أصدقائه للذهاب إلى الكازينو. وعندما اكتشف رجل البادية هذا ذلك العالم المبهر لكرزنير، لم يستطع تمالك نفسه. اعتاد على ارتياد الكازينو، حيث يلقى معاملة «الأمراء»، الكل يبتسم في وجهه، خاصة الفتيات الجميلات، وسرعان ما فهم صاحبنا أن هذه المعاملة الخاصة تزداد مع تزايد إنفاقه. ولكي يحافظ على صورته، لم يكن يتوانى في إنفاق كل درهم في جيبه. أصبح هذا الفلاح من الزبناء الدائمين للكازينو، وكانت صحبته مرغوبا فيها وكان الكل ينادونه «مسيو»، الشيء الذي جعله يحس بأنه شخص «مهمّ». وبالفعل، استطاع هذا الفلاح أن يواصل وتيرة الإنفاق هذه لعدة أسابيع كانت هي الأجمل في حياته. إلا أن هذا العالم الخرافي والشاعري لم يدم طويلا، فمع مرور الأيام، بدأت أوراقه الزرقاء تقل. وتزامن ذلك مع تدهور حالة أراضيه الفلاحية، جراء الإهمال، الشيء الذي أدى إلى محاصيل كارثية. اضطر، في بادئ الأمر، إلى بيع قطعة من أراضيه، ثم باع الثانية، فالثالثة... لينتهي به الأمر خالي الوفاض. ما نفع الأراضي بدون محصول؟ أما مشاكله فكان يجد خلاصا منها في ابتسامة جميلات الكازينو. ورغم جهله بقواعد اللعب، فهو يستمر في مجاراة الكبار. وعلى أي حال، فقد فات الأوان ليتراجع إلى الوراء، خصوصا أن إغراءات حوريات الكازينو لا تقاوَم. دفعه هذا الإدمان إلى بيع كل ممتلكاته ورهن ما تبقى منها، كما تمادى في تجاهل كل الإنذارات التي يرسلها إليه البنك، والتي تشير إلى أن رصيده البنكي يُستنزَف تدريجيا. كل هذا لا يهم، فبريقه ما زال يلمع في ليل الكازينو.. وفي أحد الأيام، بينما انقطع تماما عن عالمه الحقيقي، نزل عليه خبر كالصاعقة: إذا لم يسو وضعيته المالية مع البنك، سيتم الحجز على ما تبقى من ممتلكاته في أجل لا يتعدى 30 يوما!... ها هو يبحث، بيأس، عن مخرج لهذا المأزق دون جدوى، فلا أحد يود المجازفة بأمواله وإقراضها لمُقامر، لأن هذا هو ما أصبح عليه هذا الفلاح، بكل بساطة ، فحتى عشيقاته لم يعدن في خدمته. تم الحجز على ممتلكاته وانتهى به الأمر في الحضيض وأدار له «أصدقاء الأمس» ظهرهم وتحول من ذلك الفلاح الثري إلى رجل معدم تتداول قصتَه المأساويةَ كلُّ الألسن... مدينة الفساد «المقامرون الحقيقيون نجدهم فقط في الليل، لأنهم في الصباح يكونون وراء مكاتبهم، فمعظمهم موظفون».. يؤكد رشيد عبار، أحد الناشطين الاجتماعيين في أزمور. صرح لنا هذا الأخير بأن الكازينو له سياسة مدروسة يتبعها في استقطاب زبنائه: يبدأ الاستدراج بإهداء بطاقات دعوة أو بإرسال رسائل هاتفية إلى أشخاص معينين. يتم تقديم العشاء والمشروبات لهم بالمجان، لأن الإدارة متيقنة من أنه بمجرد دخولهم هذا الكازينو، من الصعب على هؤلاء الموظفين مقاومة «حورياته». يمكن أن تلعب حتى بخمسين سنتيما لينتهي بك الأمر كبعض المقامرين الذين اضطروا لبيع منازلهم لتسديد ديونهم، دون أن ننسى العائلات التي تم تشتيتها بسبب لعبة الشياطين هذه. إنه إدمان من نوع آخر، يتحول في نهاية المطاف إلى كابوس مرعب، فبعض الموظفين انتهى بهم الحال إلى دفع زوجاتهم إلى ممارسة الدعارة لتسديد ديونهم المتراكمة... إن الهدوء الظاهري الذي يخيم على «مازاكان» يخفي -في الحقيقة- غليانا واحتقانا اجتماعيا ترجع جذوره إلى عدة آفات تنخر جسد هذه المدينة الصغيرة، منها البطالة وغياب شبه تام للوحدات الصناعية وظاهرة الاختلاسات، بجميع أنواعها. منذ تشييد هذا المنتجع، يحس الزموريون بأنهم مهمَّشون، والسبب؟ «علقوا كل آمالهم على هذا المشروع الذي تحول بالنسبة إليهم إلى خيبة أمل كبرى وغضب عارم»، يقول موسى نجاح الإدريسي، رئيس القسم المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان. ويرجع سبب هذا الغضب، حسب الإدريسي، إلى التمييز الذي يعاني منه بعض الشبان في الحصول على فرص العمل، أما المحظوظون منهم، الذين يحصلون على عمل، فهو لا يعدو أن يكون بستانيا أو سائقا أو عامل صيانة... دون أن ننسى الفساد الذي انتشر انتشار النار في الهشيم في أوساط القاصرين في المدينة. كل ما يتذكره سكان أزمور هو وعد سول كرزنير بضخ مبلغ 15 مليون درهم للنهوض بالمدينة. يحكي أحد سائقي المحطة السياحية، لم يرغب في الإدلاء بهويته، أن هناك جهات أعطته تعليمات بأن يتجنب أزمور عندما يقل السياح من مطار الدارالبيضاء. والسبب، حسب هذا السائق، هو أن الفرق مهول بين فخامة المنتجع السياحي والحالة المزرية للمدينة... هذا هو رأي كل سكان أزمور، الذين لا ينفكون يختلقون قصصا خيالية عن «مازاكان» إلى درجة أن بعضهم يظن أن المكان «مسكون»، بسبب موت العديد من العمال أثناء تشييده... وحتى نتأكد من صحة أقوالهم، قررنا أن نبحث عن بعض هؤلاء العمال ليشرحوا لنا حقيقة الأمر. لم نجد صعوبة في إيجادهم، بل كانت الصعوبة الحقيقية هي أن نقنع أحدهم بالتكلم، فمعظمهم فضلوا الصمت، خوفا من أن تتم «متابعتهم»، حسب قول أحدهم. ومع ذلك، كانت لدى بعضهم الشجاعة الكافية لكسر هذا الصمت!... ضحايا منسيون «لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي وجود الأشباح في «مازاكان»، لكن الأكيد هو أن عملية البناء خلفت العديد من الضحايا، فقد صُعق عامل بالكهرباء، حتى تفحم جسمه بالكامل، أما آخر فسقطت عليه نخلة أودت بحياته.. والحقيقة أن العديد من الحوادث وقعت دون أن يتم تعويض العمال أو ذويهم». يعرف «يوسف ك.» جيدا عما يتحدث، فأول الضحايا سقطوا عند بداية تشييد قصر «ألف ليلة و ليلة»، نتيجة ظروف العمل التي لا تحترم معايير السلامة المعمول بها. وإذا كان هذا النوع من الحوادث شائعا في مواقع البناء (على الأقل في المغرب) فإنه من المؤسف أن إدارة منتجع «مازاكان» تعاقدت مع شركات لا تسعى إلا وراء المال، دون مراعاة مصلحة المستخدَمين. مجرد شركات منتفعة، لأنها تذهب إلى حد حرمان العاملين فيها في حالة وقوع حوادث شغل من التعويضات القانونية، بل إنها تقتطع حتى مساهمات الصناديق الاجتماعية من رواتبهم نهاية كل شهر. وجدت هذه الشركات في أزمور «مشتلا» ليد عاملة تستغلها بشتى الأشكال... تعج أزقة مدينة أزمور المزرية بهؤلاء المنبوذين الذين بنوا آمالا كبيرة على هذا المنتجع السياحي، إذ راهنوا على انخفاض نسبة البطالة وتحسن مستوى العيش ومستقبل زاهر لشباب المدينة... وتدريجيا، تبخرت كل هذه المتمنيات وعوضتها خيبة أمل خيمت على كل سكان المنطقة وأصبح شعار الزموريين هو: «لم ولن يتغير شيء في مدينتنا»، فهم يحسون بغضب عارم لرؤية مدينتهم تتحول إلى جحيم. ويتذمر «حسن»، أحد عمال البناء الذين ساهموا في تشييد المنتجع، قائلا: «هناك من يصرف في الليلة الواحدة في الكازينو أكثر مما أستطيع جنيه طيلة حياتي!»... وفي مواجهة هذا الإقصاء، وجد الزموريون أنفسهم مجبَرين على التكيف مع الأوضاع، ونظرا إلى فشلهم في إيجاد عمل في المنتجع، فهم يحاولون، جاهدين، استغلال قربهم منه. وكأي محطة سياحية، تجد فيه أشكالا وأنماطا بشرية مختلفة، فالمدينة أصبحت مكتسَحة من طرف بائعات الهوى اللواتي أتين من جميع ربوع المملكة، والواقع أنهن خلقن نوعا من «النشاط» الاقتصادي، فالعديد من الزموريين حولوا قلب المدينة القديمة إلى «فنادق» تؤوي هؤلاء الفتيات، حيث إن العديد من الأسر تقتات على أجرة الكراء هذه. يقول أحد الزموريين: «أنا ضد الدعارة، إلا أن أجور الكراء هذه تعيلني أنا وأسرتي. لا أملك خيارا آخر».. وإذا كان هذا الواقع ينبع من وضع اقتصادي مُزْرٍ، فإن التشييء التدريجي لظاهرة الدعارة ستكون له آثار وخيمة على سكان المدينة. وهروبا من الفقر المدقع، تختار هؤلاء الفتيات المتاجرة بأجسادهن، والمؤسف أن بعضهن تلميذات تركن قاعات المدارس ليزاولن مهنة الدعارة. تقول إحداهن: «لا أملك المال الكافي لأتابع دراستي، فلماذا إذن أحرم نفسي وأنا بإمكاني أن أجني في ليلة واحدة قدرا محترما من المال، وفي بعض الأوقات، بدون مقابل». هذا منطق عقيم ومجحف يسكن مدينة أصبح فيها أهم شيء هو ضمان العيش، مهما كانت الوسائل والطرق. لكن هذه الظاهرة أصبحت تشكل خطرا حقيقيا، لأنها تخطف فتيات في ريعان شبابهن، معظمهن قاصرات وتدخلهن عالما يتهافت فيه الشهوانيون على أجسادهن اليافعة. مصائب قوم... عادة ما يمر السائقون على شاطئ أزمور الجديدة للوصول إلى «مازاكان»، لكننا فوجئنا، ونحن في طريقنا إلى الكازينو المذكور، بطريق معبدة تؤدي إلى طريق مسدود بشكل جزئي. يظهر لك عدد لا نهاية له من الحفر تكاد تبدو كحفر نيازك فضائية. ولدى استفسارنا أحد المتواجدين بعين المكان، أخبرنا أن الأمر يتعلق بأشغال الحفر، تمهيدا لبناء فيلات فاخرة تابعة للمنتجع السياحي. لم تحرم هذه الأشغال سكان أزمور من الوصول مباشرة إلى الجديدة فقط، بل تسببت كذلك في تخريب غابة بكاملها، لكي تحل محلها بنايات إسمنتية لفائدة كبار الأثرياء... ويبقى السؤال المحير هنا هو: لماذا هذه الطريق مغلقة فقط بشكل جزئي إذا كانت بدون مخرج؟ أخبرنا نفس الشخص أن الرمال التي تستعمل في البناء يتم نقلها ليلا عبر شاحنات تقدر قيمة حمولتها الدنيا ب3000 درهم. ويبدو أن أحدهم يغني رصيده البنكي ليشتري في يوم من الأيام ربما فيلا، شأنه شأن كبار الأثرياء. ونحن عائدين أدراجنا لإيجاد طريق آخر نسلك منه نحو «مازاكان»، قابلنا العديد من السيارات المركونة إلى جانب الطريق. وقد عبر لنا أحد سكان أزمور عن استيائه جراء تخريب هذه الغابة: «اعتدنا، منذ صغرنا، أن نسلك هذه الطريق لنصل إلى الجديدة وكانت عائلات بأكملها تنظم نزهات في هذه الغابة. ليس لهم الحق في تخريب مدينتنا هكذا»، يقول لنا وهو عائد أدراجه. وبالمثل، فعلنا نفس الأمر لنصل إلى «مازاكان». عند «قوم» فوائده... عند مدخل المنتجع، صادفنا مجموعة شبان يتحدثون ويدخنون. هل يا ترى يبحثون عن عمل؟ لا يبدو الأمر كذلك، فهم أنيقون وبعضهم يملك دراجات نارية من آخر طراز. ماذا يفعلون إذن؟ يخبرنا «رشيد»، وهو دليلنا، أنهم يبحثون عن زبائن أثرياء... لهم ميولات جنسية مثلية... حاولنا الاقتراب منهم، للدردشة، إلا أنهم لم يبدوا أي تجاوب وتصرفوا بعدوانية. يبدو أنه من المستحيل محادثتهم، لهذا واصلنا طريقنا نحو «عالم العجائب والغرائب»... يستضيفنا موظفون بابتسامة عريضة. تشير الساعة إلى الخامسة، الكازينو لم يمتلئ بعد بالزبائن، نرى فقط حوالي عشرين شخصا، من بينهم فتيات وجوههن يافعة (أمن الممكن أن تكن قاصرات؟) نظراتهن «جريئة»، تترجم جيدا سبب تواجدهن داخل الكازينو. وبجولة بسيطة حول الطاولات، تأكد لنا ما سمعناه في أزقة أزمور، فالزبائن عاديو،ن لا يبدون كمقامرين، فملابسهم بسيطة ومنهم من يدخن سيجارة «ماركيز» تلو الأخرى، مع مواصلة اللعب في ماكينات القمار بدون انقطاع. هؤلاء «الضحايا» الجدد من نوع آخر، من بينهم أساتذة وموظفون لهم رواتب هزيلة وجدوا أنفسهم، بين ليلة وضحاها، مثقلين بالديون. فصورة ذلك المقامر الذي يتأبط حقيبة مليئة بالنقود لا تعدو أن تكون كليشيات. «مازاكان»، وإن لم تكن ظاهريا تشبه جهنم، إلا أنها باطنيا أقرب منها...
أزمور أصبحت وكر الأفعال غير المشروعة - ما هو رأي سكان أزمور في المنتجع السياحي «مازاكان»؟ إن هذا النوع من المشاريع يؤرقهم، فهم بحاجة أكثر إلى المشاريع التي ستوفر لهم مناصب شغل لكي تحسن من ظروف عيشهم اليومية، إلا أنهم صدموا بواقع مغاير، وعوض محاولة تغيير الأوضاع فهم يفضلون الانزواء. الكل يعرف أن مدينة أزمور ساحلية، والحال أن هذه الميزة لا تفيد ساكنتها في شيء. وعلى المستوى الإداري، فشاطئ أزمور تابع لجماعة الحوزية، وتزداد المفارقة عند مدخل المدينة ،إذ تجدون لوحة تذكارية نقش عليها مقتطف من خطاب الراحل الحسن الثاني لسنة 1986، حيث يصف مدينة أزمور كمدينة ساحلية. - ألا ترون أن المنتجع السياحي يوفر مع ذلك مناصب شغل للزموريين؟ إن مشروع «مازاكان» ليس له أي تأثير لا على مدينة أزمور ولا على ساكنتها. فعند بناء هذا المنتجع، اشتغل العديد منهم لصالحه ولكن فقط بشكل مؤقت. اليوم، عندما يتقدم أحد الزموريين لطلب عمل محترم، فإن ترشيحه يُرفَض، رغم شهاداته وكفاءاته. أما القلة القليلة من الزموريين الذين نجحوا في الحصول على مناصب شغل، فالمحظوظ فيهم يعمل كبستاني أو سائق. أما الجنس اللطيف فحدث ولا حرج.. وأسوأ ما في الأمر هو الطريقة التي تستعملها إدارة الكازينو لجذب زبائنها. شخصيا، أعرف موظفين ذوي دخل متوسط، يتركون كل رواتبهم في الكازينو في ظرف أقل من أسبوع. يتبعون أسلوبا مخادعا وماكرا، إذ يعرضون بطاقات مجانية تخول لهؤلاء الموظفين وجبة عشاء مجانية، بغية استدراجهم إلى طاولات القمار، أما العواقب فلا يمكن وصفها بأقل من وخيمة، فهناك من شرد أسرته، وهناك من باع كل ممتلكاته، لتسديد الديون. - ألم يُبدِ المسئولون أي ردة فعل إزاء هذا الواقع؟ ليس بالشكل المتوقَّع، فالمدينة تعاني العديد من الاختلاسات على المستوى الإداري. فالباشا السابق للمدينة لم يكن شخصا سوى مصطفى اضريص، مدير الأمن السابق. وقد تورط في العديد من الأعمال المشبوهة. إن سكان أزمور لا يستوعبون كيف أصبحت مدينتهم وكرا للأعمال غير المشروعة. * نور الدين هبولي الكاتب العام لفرع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في أزمور