رغم أن المغرب أقدم على مجموعة من الخطوات في طريق السعي نحو ضمان استقلالية القضاء، ومنها إلغاء محكمة العدل الخاصة، التي كانت تمكن الدولة من مراقبة وتوجيه مسار ملفات من طينة خاصة ترتبط بفساد المسؤولين، وكذا إحداث المحاكم الإدارية للبت في قرارات السلطة في حالة تجاوزها لحدود اختصاصها، إلا أن هذه الخطوات بقيت غير قادرة على ترسيخ مفهوم الاستقلالية الذي يعد ركيزة أساسية لبناء الدول الديمقراطية. فالقضاء المغربي عانى ولعقود طويلة من تراكمات سلبية تحولت لدى البعض إلى عرف قائم الذات، ما جعل رقعة الفساد تستشري في دواليبه، الأمر الذي جعل المواطن يفقد ثقته في هذا الجهاز الذي من المفترض فيه أن يضمن المساواة بين المواطنين ويقف سدا منيعا أمام أي تجاوز للقانون. كما أن تداعيات الفساد في جهاز القضاء أثرت على المغرب بطريقة كارثية سواء من حيث مؤشرات التنمية أو من خلال نفور عدد من المستثمرين الأجانب، إضافة إلى أن التساهل في تطبيق القانون سمح أيضا بحدوث نهب للمال العام، ما جعل عددا من المؤسسات التابعة للدولة على وشك الإفلاس، وهو ما ترجمته عدة محاكمات وتقارير دولية وجهت من خلالها انتقادات شديدة للقضاء المغربي الذي وصف بأنه لا يزال يخضع للتعليمات، ويوظف من أجل تصفية الحسابات، وغير قادر على ضمان الاستقلالية التي تقتضي أن تكون القرارات القضائية غير خاضعة للتأثير المادي أو المعنوي في إطار مبدأ الفصل بين السلط، وهو ما تم التنصيص عليه في مجموعة من المواثيق والمعاهدات الدولية منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة العاشرة التي أشارت إلى أن : «لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وأي تهمة جنائية توجه إليه». حاليا هناك إجماع في المغرب على أن جهاز القضاء أصبح بحاجة إلى إصلاح جذري وهو ما عبرت عنه العديد من الخطب الملكية التي شرع في ترجمتها على أرض الواقع من خلال عدة تدابير لتفعيل هذه الاستقلالية التي تمر عبر توفير الشروط الموضوعية المتعلقة بالإطار القانوني المنظم للمهنة، إضافة إلى شروط شخصية تتعلق بشخصية القاضي، وهو الأمر الذي شرعت وزارة العدل في السعي إلى تحقيقه من خلال مجموعة من الإجراءات التي أعلن عنها وزير العدل أمام مجلس المستشارين، والتي ركزت على إيلاء عناية لتدبير المسار المهني للقضاة من خلال الحصيلة التي خرج بها المجلس الأعلى بعد دورة استمرت لأربعة أشهر، حيث تم تعيين 37 مسؤولا قضائيا، والرفع من حصة الترقيات التي شملت 931 ترقية، منها 467 في الدرجة الاستثنائية و344 في الدرجة الأولى، و120 بالنسبة إلى الدرجة الثانية، إضافة إلى 27 تكليفا بالترقية. هذه الإجراءات شملت أيضا عددا من القرارات التأديبية في حق بعض القضاة بعد ارتكابهم لتجاوزات حيث بلغ عدد المتابعات التأديبية 22 حالة، تضمنت عزل حالتين، وإحالة اثنين على التقاعد التلقائي، والإقصاء المؤقت عن العمل في حق أربعة قضاة، وتأخير الترقي بالنسبة لقاض واحد، فيما تم إنذار 7 قضاة، وتبرئة ست حالات. إلى جانب ذلك، تم اللجوء إلى تمديد سن الإحالة على التقاعد بالنسبة ل145 حالة، وإعداد مشروع النص المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء الذي سيمكن هذا الأخير من ميزانية خاصة ومقر خاص، إضافة إلى مشروع النظام الأساسي للقضاة الذي يتضمن مجموعة من الإجراءات المرتبطة بمرونة الترقية، وضمانات مهنة القضاء، كما تم تفويض اعتمادات للتسيير لفائدة المجلس الأعلى للقضاء بلغت 16245427.76 درهما كميزانية للتسيير فيما خصص غلاف مالي بلغ 300.000 درهم لفائدة مركز النشر.