تحولت منطقة صناعية بضواحي فاس قدمت على أنها ستكون أحد الأحياء الصناعية النموذجية بالجهة إلى «فوضى» تهدد المشروع الذي انطلق منذ حوالي ست سنوات ب«سكتة قلبية». فقد فضل عدد من «المستثمرين»، الذين حصلوا على بقع في «الحي الصناعي عين الشقف «اعتمادا على مشاريع «وهمية» قدمت إلى لجنة تترأسها ولاية جهة فاس بولمان، الاكتفاء بتسييج قطع حصلوا عليها بثمن رمزي قدر بحوالي 255 درهما، في انتظار ما وصفه بلاغ لجمعية هذه المنطقة الصناعية «فرصة المضاربات العقارية» لإعادة بيع بقعهم بأضعاف مضاعفة لثمنها الرمزي. فيما عمد آخرون إلى فرض شروطهم لكراء قطعهم الأرضية «في السوق السوداء» لمستثمرين آخرين لم «يسعفهم الحظ» في الحصول على بقعة، مع الاحتفاظ بالسير العادي لمعاملهم في مناطق صناعية أخرى بالمدينة. وفضل آخرون التريث في تجهيز قطعهم وإحداث مشاريعهم بها في انتظار ربط الحي بحافلات للنقل الحضري، حتى يتمكن العمال والعاملات من الوصول إلى مقرات العمل، واعتماد دوريات أمنية في منطقة يعمد الجانحون إلى إعلان حالة استنفار بها في الصباح الباكر وخلال فترات متأخرة من الليل، خصوصا في آخر الشهر حيث تسلم الرواتب نقدا للعمال، من خلال إشهار أسلحتهم البيضاء في وجوههم لسلبهم المال الهزيل الذي يتقاضونه جزاء الساعات الطويلة من العمل. ووصل عدد البقع التي فوتت في هذا الحي الصناعي، الذي تصل مساحته الإجمالية إلى حوالي 18 هكتارا، لحد الآن، ما يقرب من 162 بقعة، أغلبها سيج من قبل أصحابها دون إحداث أي وحدات صناعية طبقا لما ينص عليه دفتر التحملات. ولم تحدث بالمنطقة سوى حوالي 62 وحدة تشتغل في قطاعات التغذية والنسيج والجلد والطبع والحديد...وتعيش هذه الوحدات معضلة انقطاع التيار الكهربائي ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل، مما يلحق بآلاتها وتجهيزاتها ومعداتها أضرارا يصفها المستثمرون بالكبيرة. وإلى جانب هذه الانقطاعات، فإن المنطقة، في مجملها، تعاني من غياب الإنارة العمومية، ومن مشاكل في الاتصالات. وترفض عدد من الأبناك تأمين المخاطر التي تواجه وحدات هذا الحي، بسبب غموض تقول إنه يلف مستقبله الحي الصناعي. ويعيش هذا الحي الصناعي في شبه عزلة أثناء كل تساقطات مطرية بسبب الأوحال والمياه التي تمنع مرور الحافلات والشاحنات إلى هذه الوحدات الإنتاجية. وتقول جمعية الحي الصناعي إن مشكل الطريق، الذي لم تنته أشغاله بعد إلى هذا الحي، تعرقل حركة الدخول إليه والخروج منه، فيما عبر أحد أصحاب الوحدات الموجودة به عن شعوره بالخجل في كل مرة يلتقي فيها أجانب يعيشون محنة الوصول إلى الحي بغرض عقد اتفاقيات أو شراء سلع. وعجزت لجنة تترأسها ولاية جهة فاس بولمان، وتضم كلا من مؤسسة العمران ووزارة التجارة والصناعة وغرفة التجارة والصناعة ووزارة التعمير والوكالة الحضرية والمركز الجهوي للاستثمار، عن مواجهة هذه الأوضاع التي تهدد ب«فشل» مشروع قدم على أنه سيكون حيا صناعيا نموذجيا يساهم في تشجيع الاستثمار بالجهة، ويستقطب رؤوس أموال وطنية وأجنبية لتجاوز الركود الذي يعيشه اقتصاد الجهة في العقود الأخيرة، بعدما كانت مدينة فاس، في السابق، تعتبر جزءا من القلب النابض لاقتصاد المملكة. وتكاثرت مشاريع «وهمية» حصل أصحابها على بقع دون أن ترى مشاريعهم النور. كما تناسلت الأكرية في «السوق السوداء»، بالرغم من أن دفتر التحملات يمنع أي بيع أو كراء لهذه البقع. وسبق لوالي الجهة، منذ سنة 2006، أن منح مهلة 24 شهرا للمستفيدين من هذه البقع ل«تفعيل» مشاريعهم، لكن وضع الحي ازداد قتامة، يقول أحد العاملين فيه. فيما لا زال المركز الذي سيدبر شؤون هذه المنطقة الصناعية يعاني من بطء في معالجة ملفه وتحفيظه من قبل مؤسسة العمران، بعدما قررت ولاية الجهة تفويته إلى غرفة التجارة والصناعة بدرهم رمزي، على أن تدبر هذه الأخيرة، بتعاون مع جمعية الحي، أموره. وطبقا للتصميم، فإن هذا الفضاء سيضم محلين تجاريين ومطعما وقاعة للعروض. ويعود تدشين هذا المشروع إلى شتنبر من سنة 2004، بعدما أعطى الملك محمد السادس أشغال انطلاقته. وبعد مرور سنتين من انطلاقه، لم يبدأ في البناء سوى 13 وحدة من أصل 154 مستفيدا. وكان من المقرر أن يخلق المشروع حوالي 6000 منصب شغل وقيمة استثمار تناهز حوالي 1,2 مليار درهم. وكلف إحداث المشروع، الذي استمر سنتين، مبلغ 44 مليون درهم، منها 26 مليون درهم للمستفيدين، وما تبقى تكفل به صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.