تصنف الجرائم في تركيا ضمن مجموعتين وفقا لتشريعات الجرائم: الأولى تضم الجرائم المتعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال، المخدرات وتسهيل استخدام العقاقير المنشطة، المتاجرة وتوفير المواد الخطيرة على الصحة، الدعارة، القمار، وما يدخل ضمن هذا النوع من الجرائم. أما المجموعة الثانية فهي الجرائم المرتكبة ضد أتاتورك من إهانات لشخصيته. وهذه الأخيرة كانت السبب في حجب موقع ال«يوتيوب» في تركيا، وليس ال«يوتيوت» فقط، بل العديد من المواقع غيره. أول مرة تم فيها إعلان قرار منع ال«يوتيوب» كانت عام2007، في شهر مارس، بسبب مقاطع فيديو، يقال إنها مست «بأتاتورك وباقي مقدسات الدولة». ومن أجل التوصل فقط إلى قرار لحجب موقع ال«يوتيوب»، قامت المحاكم في تركيا من فترة شهر مارس 2007 إلى يونيو 2008 باتخاذ 17 قرارا . فجاء القرار النهائي بحجب الموقع بتاريخ 5 مايو2008 ، من المحكمة الجنائية بأنقرة، بسبب 4 مقاطع فيديو يضمها ال«يوتيوب»، محتواها يهين شخصية مصطفى كمال أتاتورك، الذي يمثل رمزا مقدسا للجيش والعلمانيين، بصفته البطل القومي ومؤسس الجمهورية التركية الجديدة. إذا أغلقتم الأبواب.. قسم كبير من الشعب التركي لم يقف ساكنا أمام هذا المنع واعتبره مسا بالحريات، فاحتج على هذا القرار ونظم العديد من المسيرات عبر منظمات المجتمع المدني، كما قام أكاديميون بجمع تواقيع أملا في إلغاء القرار، ووزعوا العديد من المنشورات تستنكر هذا المنع، وجعلت بعض المواقع التركية شاشاتها سوداء تعبيرا عن احتجاجها على قرار الحظر، حتى إن المحتجين الأتراك قاموا بتقديم شكواهم إلى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. لكن، يبدو أن أصواتهم لم تسمع، ليظل قرار الحجب قائما. إلا أن عناد وتصميم الأتراك ليست له حدود على ما يبدو، فقد طوروا العديد من الأساليب لفتح الموقع، بشكل غير مباشر، وبدؤوا يتبادلونها مع بعضهم البعض. ورغم أن استخدام ال«يوتيوب» بشكل غير مباشر يزعج الكثيرين، إلا أنه حل ناجع لإثبات فكرة أن قرار الحجب ليس موضوعيا ولا صائبا، إذ لا فائدة من القرارات التعسفية، ففي الأخير يستطيع الناس الدخول إليه بشكل أو بآخر، حتى إن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أعلن أنه يدخل الموقع ويستعمله رغم الحجب، فخلال حديث له مع مجموعة من الصحفيين، في إحدى المرات، بينما كان يستقل طائرته في طريقه إلى الهند، طرح مثالا عن مقطع فيديو شاهده على موقع ال«يوتيوب»، عندما كان يجيب عن سؤال يتعلق بموضوع سياسي طرحه الصحفيون، ليفاجئه أحدهم سائلا باستغراب: «لكن ال«يوتيوب» محجوب في تركيا؟!»، فأجابه أردوغان قائلا: «أنا أدخل إليه.. أنتم أيضا يمكنكم الدخول..!». جواب أضحك الكثيرين، وأكد لهم أنه حتى رئيس حكومتهم يقوم بدخول الموقع بنفس الأساليب التي يستعملها العديد من أفراد الشعب التركي. المطالبة بقوانين واضحة رحمة أوزدوغان، طالبة التصاميم الغرافيكية، تعلق على الموضوع قائلة: «بحكم تخصصي الدراسي، فأنا أحتاج كثيرا إلى استخدام مواقع مثل «يوتيوب» و«فيميو»، ففي العديد من الأحيان يطلب أو يقترح علينا المدرسون مشاهدة بعض مقاطع الفيديو من أجل بعض الدروس، وأحيانا أخرى يرسل إلينا بعض الزملاء الأجانب روابط فيديوهات تكون على ال»يوتيوب» لمشاهدتها في سياق نفس التخصص، أشعر بالخجل عندما أضطر إلى إخبارهم بأنني لا أستطيع مشاهدتها، لأن الموقع محجوب في بلادي، ودائما أتلقى نفس ردة الفعل التي تستهجن هذا، مثل عبارات: «ماذا؟! ال»يوتيوب» محجوب في تركيا... هل تعيشون في غابة أم ماذا؟!». والعثور على تفسير منطقي لمثل ممارسات المنع هذه -في رأيي- صعب للغاية، فكل فرد له الحق في التعبير بحرية عن آرائه. أن تقوم دولة بحظر موقع، فقط لأن بعضا من محتواه لم يعجبها، شيء سخيف للغاية، فحتى لو كان محتوى مقاطع الفيديو تلك ليس مناسبا، فالشعب من عليه أن يقرر ذلك وليس الدولة، فالشعب يمكنه مقاطعة الموقع مثلا، أو عدم استخدامه ببساطة. لكن فرض هذا الحظر عليهم، وإجبارهم على قبوله ليس أسلوبا مناسبا، ففي الأخير يدفعهم الحظر إلى ابتكار وسائل وطرق جديدة، حتى لو لم تكن شرعية، وهذا ما حدث فعلا». وعن قرار رفع الحظر تتابع قائلة: «لقد رفعت الدولة الحظر عن الموقع في الوقت الراهن، لكن هذا -بالنسبة إلي- وهم، ففي الأخير، الدولة لم تغير رأيها في هذا الموضوع، وفي القريب العاجل ستقوم بمنعه ثانية، ما إن تبرز مقاطع فيديو جديدة لا تناسب عقليتها. يجب تصحيح مثل هذه الأخطاء من الجذور، وبشكل جدي، حتى لا نضطر إلى الشعور بالإحراج بسبب قرارات المنع التي تنتهجها دولتنا في حق العديد من المواقع الإلكترونية». ويشاطر العديد من الأتراك رحمة رأيها، ويطالبون بقوانين واضحة تقدم تحذيرات وتعليمات منطقية وواقعية بخصوص المواقع الإلكترونية ومحتواها، كما أنه أصبح من اللازم صياغة تعريف قانوني للجريمة الإلكترونية، فدائما هناك خط رفيع ما بين الجريمة والممنوع، وخاصة في عالم الشبكة العنكبوتية. كيف تم رفع الحظر؟ قامت شركة تركية، مقرها في ألمانيا وتعمل في مجال حقوق الطبع والنشر، بشراء وكالة حقوق الطبع والنشر الخاصة بالفيديوهات الأربعة التي كانت السبب في حظر الموقع بتركيا، لتزيلها نهائيا من موقع ال«يوتيوب». فقام المدعي العام بأنقرة بالخطوات اللازمة، على ضوء المستجدات، لتسمح بعد ذلك وزارة الاتصالات السلكية واللاسلكية بإعادة فتح الموقع بشكل طبيعي. يشار إلى أن ال«يوتيوب» هو أكبر موقع على شبكة الأنترنيت يسمح للمستخدمين برفع ومشاهدة مقاطع الفيديو بشكل مجاني. وقد ولد على أيدي ثلاثة موظفين سابقين في موقع PayPal، عندما كانوا في حفلة لأحد الأصدقاء، والتقطوا مقاطع فيديو، لكن عندما أرادوا نشرها بين زملائهم لم يجدوا طريقة ملائمة، خصوصا وأن البريد الإلكتروني لا يقبل الملفات كبيرة الحجم. فبدأت فكرة إحداث موقع لرفع أفلام الفيديو تتبلور، لتتحول إلى موقع يعتبر من أنجح المواقع العالمية. وتم حجب موقع ال«يوتيوب» في بدايته بعدة دول لأسباب سياسية، من ضمنها البرازيل وإيران والمغرب وتايلند وتركيا والإمارات والسعودية. بعض هذه الدول رفعت الحجب الكامل عن الموقع وأصبحت تحجب مقاطع معينة.