يشرح الكثير من المغاربة ظاهرة تجمع الحركات الاحتجاجية في ساحة شارع محمد الخامس، في الرباط أمام البرلمان، بكونها عملية احتجاج على البرلمان وعمل البرلمانيين، فالكثير لا ينتبه إلى الشعارات الرائجة داخل التجمعات والتي، وإن كانت موجهة إلى الحكومة، فإن الموقع الجغرافي للاحتجاج يوحي بأنه في مواجهة المؤسسة البرلمانية. وتضاف ظاهرة الاحتجاج أمام البرلمان إلى طابور من الانتقادات توجه إلى هذه المؤسسة التي تعد أكبر مؤسسة تتخذ موضوعا للانتقاد في تاريخ المغرب . وتنفرد المؤسسة البرلمانية بحالة غريبة في النقاش حولها، إذ إن أغلب الباحثين ليست لهم معلومات داخلية حول ما يجري داخل البرلمان، باستثناء معارف حول النصوص القانونية، وحتى الموظفون داخل البرلمان، في نقاشهم حول المؤسسة، يحملون إما نقاشا خارجيا يبحث عن المقارنة بتجارب أخرى في التدبير أو عاطفيا يدافع عن المؤسسة بدون حجج، وكلاهما يحس بأنه غير معني بالانتقادات لكونها موجهة إلى النواب والمستشارين . ويلاحظ أن موضوع إصلاح البرلمان، وإن كان يشكل قضية جوهرية ومركزية في مسلسل النقاش الذي يواكب الخروج من السلطوية، فإنه يفتقر إلى حدث أو أحداث مضبوطة يمكن اعتبارها «نقطة الصفر» التي ينطلق منها النقاش حول مداخل الإصلاح. إن أول ظاهرة يعاني منها البرلمان هي عقدة عدم الإحساس ب«نفسية المؤسسة»، فحالات «الغياب» و«الترحال» و»العود إلى الترحال» واستعمال الهواتف لملء القاعات في آخر لحظة من لحظات صراع الأغلبية والمعارضة حول التصويت على قانون معين... تبين أن هناك عقدة تتمثل في عدم الإحساس ب«نفسية المؤسسة». كما أن طريقة إجابة الوزراء عن أسئلة النواب والمستشارين -التي يبدو، من خلال تحليل مضامينها أو طريقة صياغتها من طرف الموظفين الإداريين، أنها جمل ذات حمولة لغوية جمالية موجهة إلى المستقبل وبدون معلومات- تكرس نفس ظاهرة عقدة الإحساس ب»نفسية المؤسسة». أضف إلى ذلك أن لغة «الصواب المغربي» المبالغ فيها، والمتمثلة في مقولات «السيد الرئيس المحترم» و«السيد المستشار» أو «النائب المحترم»، لها دلالات وأبعاد نفسية أكثر منها بروتوكولية تخفي الإحساس بضعف المؤسسة. ويزداد عبء عقدة عدم الإحساس ب«نفسية المؤسسة» في حالة لجان تقصي الحقائق التي تمثل ديناميكية برلمانية لا تنتج إلا الفراغ، إلى درجة أن نتائج عمل لجن التقصي تثير التساؤل حول ما تنتجه، هل هو قرارات أم مجرد عناصر ومعلومات تستعمل لفائدة المؤسسة البرلمانية داخليا؟ ويبدو أن البرلمان، وإن كان جهة تشريعية في المغرب، فإنه لا يمارس دوره الاستطلاعي في تتبع وتقييم القوانين التي يصادق عليها، وكأن مهمته تنتهي بمجرد التصويت على القانون دون قياس أثره. كما أنه لا يمارس عملية إعادة برمجة ودراسة النصوص المصادق عليها والتي تحيل على مراسيم تطبيقة. ولعل حالة نص «مدونة السير» لازالت موجودة أمامنا، إذ لم يعمد البرلمان بواسطة لجنته المختصة إلى استدعاء الوزير المعني ومساءلته عن المراسيم وتحديد أجندة زمنية لإصدارها. والبرلمانيون، الذين هم رؤساء للمجالس الجماعية، يعرفون جيدا الاختلالات التي تركها عدم صدور المراسيم التطبيقية نهائيا في الميثاق الجماعي القديم، واختلالات عدم صدور بعض المراسيم المشار إليها في الميثاق الجديد إلى حدود اليوم. وتبدو حالة الأسئلة ممارسة ل«سرك برلماني»، فكل سؤال يحمل هندسة: مقدمة وعرض وخاتمة، كما أن بعض الأسئلة تكون حاملة لأجوبتها، لكن الثابت هو أن قاعدة السؤال البرلماني المبني على الانطلاق من معلومة لدى النائب أو المستشار موجهة إلى الحكومة بهدف تأكيدها أو تكملتها أو توضيحها تظل غير موجودة . ويمكن لتقنية «الإحاطة علما»، بالشكل الذي تمارس به، أن تنقلنا إلى حالات البرلمان الروسي -الذي حوله أعضاؤه إلى حلبة ملاكمة في العديد من المرات- إذا لم تضبط، فإلى حد الآن يبدو استعمالها انفعاليا وهوائيا، بمعنى أن كل فريق، وهو يتوجه إلى مجلس المستشارين، يبحث عما يمكن أن يسميه «إحاطة علما». وتبقى أهم ظاهرة في البرلمان المغربي هي خرقه للدستور في طريقة اشتغاله المؤسساتي، مادامت الوثيقة تنص على برلمان بغرفتين وواضعو الأنظمة الداخلية للغرفتين شرعوا نظامين لغرفتين، إلى درجة أنهم، في حالة اللجوء إلى تشكيل لجنة مختلطة، حددوا بدقة ما هي الشروط المكانية التي يجب أن تنعقد فيها اللجنة ومن يجب أن يرأسها، وقننوا حتى نظام النيابة داخلها بين النواب والمستشارين. ولد البرلمان في التاريخ المؤسساتي المغربي وهو حامل لبصمات الصراع السياسي، وتناوبت النخب داخله وتغير الأعيان فيه من «بورزة» إلى أعيان يلبسون بذلات عصرية وسراويل «جينز» أوربية وأمريكية، لكن «نفسية المؤسسة» لم تتغير. ويبدو أن ما يجب أن يتم الانتباه إليه ليس هو النقاش حول الرحيل أو العود إلى الرحيل، وإنما هو المعادلة التالية: أيها المشرعون لقد أصبحتم تنتجون الاحتجاج على القانون في الفضاءات العامة، وبالتالي يجب الانتباه إلى مخاطر الأمن القانوني في المغرب وتكلفة أثر القانون في المجتمع .