«الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم»، الشاعر العربي العملاق أبو الطيب المتنبي، الذي عاش أزهى أيامه في حلب ببلاط سيف الدولة الحمداني... لمن لازال يذكرهما !! تكاد الفروسية تكون هي الهواية والرياضة الوحيدة المشتركة بين الأثرياء والبسطاء من المغاربة،... وفي زمان غير بعيد، حتى عهد الحماية، كان للمغاربة ممن يمتلكون بغلة فقط، شأن ووزن اجتماعي كبير... تماما كأيامنا هذه، التي تمر علينا في شوارع كًيليز وكورنيش البيضاء وشوارع العاصمة الرباط، طينة خاصة من المغاربة ممن يمتطون بغال الوقت الحاضر مشخصة في سيارات «البورش والمازاراتي والأستون مارتن». كان المغاربة، سواء منهم المنتمين إلى القبائل العربية أو الأمازيغية، يتسلحون فيما مضى ليس بالمدرعات وطيارات «الميغ 1» الروسية وغواصاتها وصواريخ أرض جو، كما تتسلح الجزائر اليوم،... المغاربة كان سلاحهم هو بطولاتهم وقتالهم على سروج خيولهم الأصيلة، لا يحملون معهم سوى السيوف والرماح وبنادق «بوحبة»، وفي أحزمتهم نسخ مكتوبة بمائي الذهب والزعفران من كتاب «دلائل الخيرات» للعلامة الصوفي الشيخ سيدي محمد بن سليمان الجزولي. اليوم، ومن خلال معرض الفرس بالجديدة، يعيد المغاربة التحامهم بتاريخ أجدادهم من خلال عروض الفروسية الراقية التي أعادت إلى أذهان الكثير منا مشاهد الطفولة في المواسم القروية والأعياد، وصححت الصورة للكثير من أبناء الجيل الحالي الذين فتحوا أعينهم على الأنترنيت والمراكز التجارية الضخمة في مدن المملكة مع الطرق السيارة وهواتف «تاكتيل»، حيث أوضحت لهم أن تاريخ المغرب والمغاربة كان دائما على سروج الخيول التي لولاها لما حافظ المغاربة الأولون على هذه الأرض، سواء في معركة بوغافر بقيادة البطل عسو وباسلام أو في معركة أنوال بقيادة البطل الأسطورة عبد الكريم الخطابي أو في المعارك التي خاضوها على مر القرون ضد الاحتلال البرتغالي. في تاريخ المغرب، الذي لم يعد أحد في أيامنا يهتم به سواء في المدرسة أو الجامعة أو في التلفزيون ووسائل الإعلام، كان الفرس يعتبر بمثابة فرد من أفراد العائلة ومفخرة اجتماعية وضرورة بشرية في التنقل والاتصال والدفاع ... حتى إن الاعتناء به فاق عند الأعيان المغاربة في نهاية القرن التاسع عشر كل التوقعات، وفي أزجال فن «العيطة» كان الشيوخ يمتدحون خيول عيسى بن عمر العبدي، قائد عبدة القوي ووزير الخارجية في حكومة مخزن السلطان مولاي حفيظ، بجانب المدني الكلاوي وزيرا للدفاع،... وكان الناس وقتها ينشدون قائلين: «ما شفتو خيل بنعيسى كحلين وغوريين في العلفة متساويين... ما تقول غير عولاما أو حافظين اللامة». وفي المزاد العلني الخاص بالخيول في مدينة «دوفيل» الفرنسية لهذه السنة، حققت أرقام مبيعات الخيول قرابة 42 مليون أورو خلال دقائق معدودة، تهافت فيها الأثرياء من المربين على أجود الخيول العربية والأمازيغية والإنجليزية والهولندية، وهو الرقم الذي عاكس كل التوقعات بفعل مخاوف الظرفية المالية العالمية،... عندنا الخيول يقربها «الباردية» الذين يقودون «السربات» في المهرجانات والأعياد الوطنية والاحتفالات القروية بالمواسم، مع قلة من أطفال نوادي الفروسية بمدن المملكة التي تنتهي كل سنة بأسبوع الفرس.. احتفال المغرب برموز تراثه الشفوي والمادي، كما صنعت الجديدة من خلال معرض الفرس، مسألة استراتيجية في غاية الأهمية، في بناء وتكوين الشعور بالانتماء الوطني وربط الأجيال الجديدة بتاريخ المغرب الذي أدخلوه إلى الثلاجة وراهنوا على صناعة تاريخ جديد يغني «الهيب هوب» ويحفظ سخافة مسلسلات الدبلجة.