استبدلت السيناتور هيلاري كلينتون معجم الكلمات الذي كانت تنتقي منه مفرداتها الجافة أيام تنافسها مع باراك أوباما على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة، بقاموس أكثر مودة وحنانا. فقد ظهرت السيناتور الشقراء إلى جانب باراك أوباما في بلدة «يونيتي» بولاية نيوهامبشر مؤخرا، وألقت خطابا مؤثرا أمام الآلاف من أتباع الحزب الديمقراطي، استعملت فيه الكثير من كلمات الإطراء في حق منافسها السابق، وركزت كثيرا على حنكته السياسية وشخصيته القيادية، والكثير من المزايا الأخرى التي لم تقلها في حقه حتى زوجته ميشيل أوباما! هيلاري كلينتون دعت في خطابها الديمقراطيين إلى التجند خلف باراك أوباما وتعبيد الطريق أمامه للوصول إلى البيت الأبيض، داعية النساء الديمقراطيات على الخصوص إلى التخلي عن غضبهن من المرشح الأسود كونه «خطف» منها شرف تمثيل الحزب في انتخابات الرئاسة، والعمل معه من أجل تنظيف تركة جورج بوش الابن الثقيلة في واشنطن. بعد موجة من التصفيقات الحارة، وجّهت كلينتون الدعوة إلى غريمها السابق من أجل موافاتها إلى المنصة وإلقاء كلمة رسمية، ومباشرة بعد ذلك قفز أوباما، الذي كان مبتسما كعادته إلى المنصة، وقَبَّلَ كلينتون على خدها فيما اختارت هي ضمه وعناقه بابتسامة واسعة تحولت إلى ضحكة مجلجلة بعدما همس أوباما بكلام في أذنها. صورة الغريمين السابقين وهما يحضنان بعضهما البعض ويبتسمان في وجه بعضهما البعض احتلت الصفحات الرئيسية للصحف داخل الولاياتالمتحدة، واختارها زعماء الحزب الديمقراطي بعناية لكي تزين الصفحة الرسمية لموقع أوباما على الأنترنت بهدف تسويق صورة الحزب المتماسك والقوي بعد أشهر من المنافسة الشرسة بين المرشحين الديمقراطيين استُخدمت فيها أحدث تقنيات الماركوتينغ السياسي المُدمرة والكثير من عبارات النقد والهجوم القاسية. هيلاري كلينتون كانت قد وصفت أوباما في أحد تصريحاتها الصحفية بأنه «مجرد طفل يحبو في عالم السياسة بدون خبرة تذكر»، لكنها اليوم تحضنه وتثني على مؤهلاته وحكمته، بل وتدعو أنصارها إلى التجند خلفه والعمل على انتخابه رئيسا للبلاد. لكن، وبما أن لا شيء يكون مجانيا في عالم السياسة فإن السر في العشق المفاجئ الذي بدأت كلينتون تكنه لغريمها السابق يكمن في المشاورات المكثفة التي جرت بين كبار المسؤولين في فريق حملتها الانتخابية ونظرائهم في حملة أوباما، حيث خلصت تلك المشاورات إلى اتفاق يقضي بأن تتراجع كلينتون عن عدائها السابق لغريمها، وأن تقوم بالمشاركة في حملته الانتخابية وحشد الدعم له، مقابل أن يقوم هو بمساعدتها على دفع الديون المتراكمة عليها والبالغة خمسة عشر مليون دولار. لكن أوباما بدا سعيدا جدا بخطوة هيلاري كلينتون، ويبدو أنه لا يمانع في دفع ديون غريمته السابقة حتى لو كانت تقدر بالملايين، فالمسؤولون عن حملته الانتخابية قالوا إنهم نجحوا في جمع أكثر من مائتين وسبعين مليون دولار خلال الأشهر الأخيرة فقط. ويبدو أن الثمن الذي دفعه أوباما كان قليلا مقارنة بالنتائج التي سيحصدها بعد استرضاء هيلاري كلينتون، فنساء الحزب الديمقراطي الغاضبات عليه لأنه حرمهن من الاحتفاء بوصول أول امرأة إلى البيت الأبيض، قد يتراجعن عن مقاطعته إذا رأين كيف هبّ لتسديد ديون كلينتون كأي جنتلمان حقيقي مقابل مجرد سماحها له بتقبيل خدّها أمام الملأ وأخذ صور تذكارية لعناقهما الحار..