ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كانت تجربة «إيلاف» ممتعة ومرهقة توليت خلالها إدارة طاقم صحافي في أربع قارات
تردد أنني سألتحق بمجموعة «ماروك سوار» بعد أن اشتراها العمير.. لكن لا هو اقترح ولا أنا طلبت
نشر في المساء يوم 25 - 09 - 2010


الحلقة 40 :
عندما غادرت صحيفة «الجمهور» في 12 يونيو 2002 مطروداً، وعلى الرغم من المرارة التي كنت أشعر بها، ألحت على خاطري فكرة هذا الكتاب
كتاب يروي بالتفاصيل والوقائع، والأهم بالوثائق، تجربة العمل رئيساً لتحرير أربع صحف يومية، خاصة أنه بدا لي الكثير مما ألقي على الناس في وقت لاحق كان مجافياً لما عشته ورأيته بعيني وسمعته بأذني في زمانه ومكانه. وضعت تصوراً ذهنياً للكتاب، واخترت له عنواناً يقول «صحافة تأكل أبناءها». خلال تلك الرحلة المهنية وجدت أن معظم الذين تعاملت معهم لا يحبون الخسارة وليسوا جاهزين لها. ولا أزعم أو أدعي بأنني أحب الخسارة، لكنني كنت دائماً جاهزاً لها. بقيت فكرة الكتاب في مكانها، وفي كل مرة كانت تشغلني عنها مشاريع أخرى، ومشاغل لا تهدأ مع الحياة وتفاصيلها، والزمن وتصاريفه.
من 12 يونيو2002 حتى 22 أبريل 2010، مرت حوالي ثمان سنوات. في ذلك اليوم وفي الخامسة مساء سألتقي بالأخ رشيد نيني، ناشر ورئيس تحرير «المساء» ورئيس مجلس إدارة المجموعة التي تصدرها. تواعدنا أن يكون اللقاء في أحد فنادق الدار البيضاء، على فنجان قهوة، لإغلاق صفحة وفتح صفحة جديدة. وأشهد الله أنه كان كريماً حيث طرح عدة اقتراحات على الطاولة، ثم اقترح إجراء حوار مطول ينشر في حلقات. وافقت من حيث المبدأ، إذ بدا لي أن كتاب «صحافة تأكل أبناءها» يمكن أن يخرج عبر هذه الصيغة المعدلة. كان الأخ رشيد نيني سخياً مرة أخرى، وهو يطلب تحديد المبلغ الذي ستدفعه الصحيفة لقاء هذه الحلقات.
اقترح من جانبه أن يجري الحوار الزميل مصطفى الفن، وأن تتم الصياغة النهائية بالتراضي. هكذا شرعنا في العمل في مكتبي الشخصي بالرباط، وتحمل الأخ مصطفى الفن عناء التنقل من الدار البيضاء إلى الرباط مرتين في الأسبوع وأحياناً أكثر، إلى أن اكتمل هذا العمل.
في هذه الحلقات لم أركن إلى ما تستطيع الذاكرة أن تستدعيه، وإنما إلى أوراق مكتوبة في أوانها، تستعيد الوقائع كما جرت وبتفاصيلها. وأقول مجدداً إن مشكلتي مع بعض الناس ومشكلة بعض الناس معي أنني لا أعتمد على الذاكرة. لم أرغب أن يكون هذا الكتاب نوعاً من كتابة «مذكرات» مع أني عشت الوقائع، إذ حرصت قدر الإمكان أن تكون هناك مسافة بين الوقائع والحياد المطلوب في روايتها. الثابت أنه عندما يقترب صحافي من عملية صنع الأخبار، يصبح ليس شاهداً على وقائعها، وإنما يتحول في بعض الأحيان إلى طرف في صنعها. لم أقصد أن أكتب عن «حق» أو «باطل». وفي اعتقادي، عندما نكون على حق، لا يستوجب ذلك أن يكون رأينا مكتوباً أو صوتنا مرتفعاً. بقيت مسألة. يجب أن ينظر إلى هذه الحلقات باعتبارها مواضيع لملمها خيط ذاكرة متشعب مثل غصن استناداً إلى وثائق مكتوبة وصور موجودة وصوت مسجل.
طلحة جبريل
(صحافي سوداني مقيم في المغرب)
[email protected]

لنتوقف عند قصة انتقالك إلى الاشتغال في الجريدة الإلكترونية «إيلاف». ما هي الملابسات التي رافقت هذا الانتقال؟
- قبل أن أفكر في الانسحاب من «الشرق الأوسط»، اتصل بي عثمان العمير، ناشر صحيفة «إيلاف»، كان ذلك في خريف 2003، وطرح علي فكرة الانضمام إلى طاقم الصحيفة الإلكترونية. إذ بعد أن غادرت في أكتوبر من تلك السنة «الشرق الأوسط»، برغبتي هذه المرة، اتصل بي العمير، وكان وقتها في الرياض، وقال لدي اقتراح. سألته: «ما هو»؟، فقال: «أفكر في ثلاثة مراكز تحرير لصحيفة «إيلاف»: مركز تحرير في لندن وآخر في بيروت والثالث في المغرب العربي، على أن تكون أنت مسؤول تحرير مركز المغرب العربي». وأضاف قائلا: «يمكنك أن تعين من تشاء وتتصرف كما تشاء، ولك صلاحيات مطلقة». كانت فكرة عثمان العمير مدهشة حقا ومبتكرة. وأتذكر أنه شرح لي الأمر قائلا: «مثلا، عندما ينام الناس في بيروت تكونون أنتم مستيقظين في المغرب، والعكس صحيح». وعلى طريقة عثمان العمير في اختزال الأمور، قال لي على الهاتف: «إذن أنت موافق، وعليك أن تبدأ فورا ولا تسألني عن شروط ورواتب وهذه التفاهات... مع السلامة». هكذا بدأت تجربتي مع «إيلاف». وهي تجربة متميزة جدا، لأني، بعد فترة وجيزة، سأصبح مديرا للتحرير، أتولى الإشراف على فريق عمل يتكون من 73 محررا ومراسلا منتشرين في جميع أنحاء العالم وفي أربع قارات.
وهل عينت فريقا صحافياً كما اقترح عليك العمير؟
- بالطبع. كان هناك مراسلان مغربيان يعملان مع «إيلاف» قبل أن ألتحق بها، وهما طارق السعدي، الذي كان يعمل من مراكش، وأحمد نجيم، الذي كان يعمل من الدارالبيضاء. وكما هو الشأن في جميع تجاربي السابقة، أحتفظ دائما بالعناصر التي أجدها في الصحيفة، وأسعى تدريجيا نحو تعزيز نقاط التفاهم.
لم يكن الأمر سهلا، لأن نجيم والسعدي كانا يتمتعان بحرية في عملهما، وينشران أي مادة كما يريدان. طلب مني العمير الحرص على «مراعاة الجوانب المهنية» في المواد الصحافية، وفي الوقت نفسه سرعة النشر لأنها صحيفة إلكترونية يجب أن تنتج عملها على مدار الثانية، وهي معادلة صعبة. وما زاد الأمر تعقيدا أن الصحيفة الإليكترونية تلغي دور التقنيين، لأن المحرر ينجز مادته ويتولى هو بنفسه نشرها. ليس ذلك فحسب، بل ينشر معها الصور التي يرغب وربما الرسوم، وهو الذي يختار حتى التصميم المناسب للمادة.
ألم تكن هناك مشاكل مع نجيم والسعدي؟
- على الإطلاق. طارق السعدي كان عمله سهلا، لكنه مضنٍ، إذ كان عليه البقاء أحيانا أمام الكومبيوتر زهاء ثماني ساعات، وكان دوره مطالعة جميع الوكالات ونشر أي خبر أو تقرير يعتقد أنه يستحق النشر، مع إعادة صياغته بطبيعة الحال. في حين كان دور نجيم هو دور المخبر الصحافي، وهو بكل موضوعية مخبر جيد، لكن كانت له مشاكل مع الصياغة.
ماهي الأسماء الصحافية الجديدة التي استعنت بها؟
- عمل معي كل من عبد الله الدامون وخديجة العامودي وعبد اللطيف الصيباري، الذي بذل جهدا كبيرا في تحسين نشر الصور في «إيلاف»، ثم انضم في وقت لاحق إلى الطاقم كل من عمر جاري ومحمد بوخزار، إضافة بالطبع إلى طارق السعدي وأحمد نجيم.
وهل وجدت صعوبة في عملية الانتقال من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإليكترونية؟
- إطلاقا. معرفتي أصلا بالكومبيوتر وببرامج النشر الصحافي قديمة، وتعود إلى الثمانينيات، حيث تلقيت دورة تدريبية في لندن عام 1986. كما تلقيت تدريبا آخر في لندن مع شركة «ديوان» عام 1987، وكانت تلك الشركة أطلقت أول برامج النشر الصحافي، هما «الناشر المكتبي» و«الناشر الصحافي»، قبل أن يأتي الجيل الحالي من برامج النشر، حيث يعمل التقنيون الآن على برنامج «إندزاين»، وحتى اليوم لدي ولع بمعرفة الجديد في هذا الجانب، وعندما كنت في الولايات المتحدة استفدت من دورة أكاديمية وتدريبية على برامج النشر في مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا. وأقول لك بصدق إن تجربة «إيلاف» جعلتني أعشق الصحافة الإلكترونية، وأعتقد أنها صحافة المستقبل، وأمنيتي أن أعود اليها. هي قطعا لن تلغي الصحافة الورقية.
وكيف أصبحت مديرا لتحرير «إيلاف»؟
- في الفترة التي بدأت فيها العمل في «إيلاف»، كان رئيس التحرير هو الزميل محمد التونسي، الذي سبق له أن عمل نائبا لرئيس تحرير «الشرق الأوسط». تعرفت عليه عن كثب خلال تلك الفترة، وبعد مدة قصيرة من التحاقي ب«إيلاف»، قرر التونسي مغادرة الصحيفة ليتولى منصب مدير قناة «الإخبارية» السعودية، وارتأى عثمان العمير تعييني مديرا للتحرير بصلاحيات رئيس تحرير، ذلك أن «إيلاف»، وعلى الرغم من أنها صحيفة مستقلة، كانت محسوبة على الإعلام السعودي، وبالتالي كان لابد أن يكون رئيس التحرير سعوديا.
هل كان محمد التونسي سعوديا؟
- بالتأكيد.
كيف إذن عينت بصلاحيات رئيس تحرير وأنت لست سعوديا؟
- دعني أشرح لك. عندما قرر العمير ترقيتي إلى مدير تحرير، أصبح هو شخصيا «الناشر ورئيس التحرير»، أي أنه أضاف إلى مهامه كناشر مسؤولية التحرير، لكنه في الواقع فوض لي عمليا رئاسة التحرير. كان هناك نائب رئيس تحرير هو الراحل محمود عطا الله، لكن العمير، ولمنع «صراع المواقع»، الذي يمكن أن يحدث في مثل هذه الحالات، كلف عطا الله بتولي مهمة «ترقية الأداء والجودة»، أي أن يكون مسؤولا عن رفع مستوى المادة التحريرية، في حين توليت أنا مسؤولية إدارة التحرير بصلاحيات رئيس تحرير، أي أن أقرر ما ينشر وما لا ينشر، وأقترح المواضيع على المحررين والمراسلين، في حين يقع على مسؤوليتي اختيار الخبر الرئيسي، وأخبار الصفحة الأولى، وكل الأمور الأخرى التي يتولاها رئيس التحرير في الصحف.
بمعنى أن كل أفراد الطاقم الصحفي كانوا تحت إشرافك؟
- نعم، كل الطاقم كان تابعا لي مباشرة. لكن العمير نفسه كان حاضرا باستمرار وفي كل وقت، وكان يوجه ويقترح ويتابع كل صغيرة وكبيرة. وكنا نعقد اجتماع تحرير في الصباح الباكر بتوقيت لندن، هو الذي يديره.
كيف كنتم تعقدون اجتماعا للتحرير وأنتم لا توجدون في المكان نفسه؟
- استفدنا كثيرا من التكنولوجيا. كان الجميع يشترك في الاجتماع عبر «الماسنجر» ويتولى العمير شخصيا إدارة ذلك الاجتماع الصباحي، ويقترح فيه ما يقترح ويبدي ملاحظات حول ما نشر، وقبل أن أترك «إيلاف» بدأت تجارب عقد اجتماعات التحرير عن طريق تقنية «الفيديو كونفرنس»، أي أن يشارك المحررون في الاجتماع ويتحدثون وهم يشاهدون بعضهم بعضا، على الرغم من وجودهم في قارات مختلفة.
وكيف كنت تدير التحرير من المغرب؟
- الأمر سهل وصعب في الوقت نفسه. كان محررو الديسك (المطبخ) يوجدون في بيروت ولندن. أتواصل معهم بجميع أنواع التواصل. كان هناك رؤساء أقسام، يعني قسم سياسي، وقسم تحقيقات واستطلاعات، وقسم رياضي، وقسم ثقافي، وما إلى ذلك. على سبيل المثال كان رئيس قسم التحقيقات في هولندا هو الأخ عبد الرحمن الماجدي، وهو ما يزال يشتغل في «إيلاف»، ورئيس القسم الثقافي يوجد في باريس، وهو عبد القادر الجنابي، في حين أن مسؤولة الأخبار هي سمر عبد المالك، التي توجد في بيروت. كنت على اتصال مستمر برؤساء الأقسام، الذين يحول إليهم المحررون والمراسلون، عبر الإيميل، جميع المواد، كل حسب مسؤولياته. وهذا بالطبع يفترض أن تكون للمراسل أو المحرر دراية بطبيعة المادة، ومن حق رئيس القسم نشرها مباشرة في الموقع أو أن يقترح نشرها خبرا رئيسيا مثلا. هذا التقسيم يسهل العمل، لكن تكمن الصعوبة أحيانا عندما تقع أحداث مهمة، ومع فارق التوقيت بين القارات تضطر أن توقظ مراسلا في وقت متأخر من الليل، وتطلب منه إعداد مادة سريعة للنشر حول الحدث، أو حين يكون هناك ضغط في العمل، كأن تكون هناك عدة أحداث.
كم كان راتبك؟
- كان في حدود ثلاثة آلاف دولار، إضافة إلى مصاريف الاتصالات والتنقل والنثريات.
وكيف سارت الأمور بعد توليك مهمة مدير تحرير؟
- كان العمل شاقا إلى حد لا يطاق أحيانا، إضافة إلى التعقيدات الإدارية. مثلا يتصل بك مراسل في غزة أو عدن أو إسلام أباد أو فنزويلا أو روما حول راتب أو تعويضات تنقل لم يتوصل بها. في كل الأحوال، لم يكن الأمر سهلا، على الرغم من وجود إدارة مالية للصحيفة كان مقرها في الرياض. في المغرب، استطعنا الحصول على بطاقات صحافة معتمدة في يناير 2004، وكانت مبادرة جريئة من نبيل بنعبد الله وزير الاتصال آنذاك، أن يمنح بطاقات صحافية لصحافيين يعملون في الصحافة الإلكترونية.
كان العمل شاقًا كما أسلفت. على سبيل المثال، كان على محرر زاوية «جريدة الجرايد»، التي تولاها بالتناوب كل من عمر جاري ومحمد بوخزار، المرور على مواقع جميع الصحف العربية قبل صدورها كنسخة ورقية، لأن معظمها يضع نسخة اليوم التالي في الليلة التي تسبق يوم الصدور، ويختار منها أهم الأخبار والمقالات، وينشرها في «إيلاف» قبل وصول النسخة الورقية الى القراء. وكان علي متابعة كل ذلك.
وهل استمر الأمر على هذا المنوال؟
- بالتأكيد لا. حدث أمران، الأول أن عثمان العمير قرر إصدار نسخة ورقية من «إيلاف»، أي أن تصدر كصحيفة يومية على غرار «الشرق الأوسط» و«الحياة»، وكلفني بإعداد ماكيط وتبويب للصحيفة الورقية، على أن يتم ذلك في تكتم كامل. وفعلا انتقلت إلى مراكش حيث يمتلك فيلا فاخرة هناك، وعملت على مدى أيام مع شقيقي طارق وناصر في إعداد ذلك الماكيط. كان عملا مضنيا، لكن النتيجة كانت باهرة، إذ أعجب العمير بالماكيط، وقد كانت له بالطبع بصماته وأفكاره الواضحة على ذلك التصميم، فالعمير صحافي يمتلك جرأة مهنية استثنائية. والأمر الثاني كان شراء العمير مجموعة «ماروك سوار»، حيث أصبح الرئيس المدير العام للمجموعة.
قبل أن ننتقل إلى موضوع «ماروك سوار». لماذا تعثر مشروع إصدار «إيلاف» في شكل صحيفة ورقية؟
- بكل موضوعية لا أدري. كان العمير متحمسا وفجأة توقف كل شيء، وأخبرني أن المشروع تجمد.
هل صحيح أن العمير واجه بعض الضغوطات من جهات سعودية لتجميد هذا المشروع الذي كان منتظرا أن ينافس «الشرق الأوسط»؟
- ليست لدي أي معلومة مؤكدة في هذا السياق.
طيب، وماهي قصة صفقة تفويت «ماروك سوار» إلى العمير؟
- لن أشبع فضولك في هذا الجانب. لكن سأقول لك ما أعرف. أبلغني عثمان العمير في مارس 2004 أنه ذهب إلى أكادير حيث حظي باستقبال ملكي، لكن لم يقل لي مطلقا ماذا دار في ذلك اللقاء بينه وبين الملك، بيد أن خبرا انتشر مفاده أن العمير سيشتري مجموعة «ماروك سوار»، وكنت أتلقى اتصالات عديدة بشأن الموضوع، وكان جوابي مطابقا للحقيقة: «لا أدري شيئاً»، ثم نشرت وكالة الأنباء الفرنسية الخبر في مارس 2004. وفي 27 من ذلك الشهر ستعلن مجموعة «ماروك سوار» أن شركة يديرها عثمان العمير اشترت المجموعة المغربية، التي يديرها عثمان بنجلون، رئيس مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية. ونسب إلى بنجلون، وقتها قوله «إن قرار شركته التخلي عن نشاطها الصحافي يأتي في إطار «سياسة إعادة التركيز على مهنته الأساسية التي هي أعمال المصارف والتأمين». وقال بنجلون إن القرار اتخذ «بالتشاور التام مع السلطات» المغربية، دون أن يحدد قيمة الصفقة. بعد ذلك طلب مني العمير أمرين: أولهما أن أخبر طاقم تحرير «إيلاف» بخبر الصفقة، وثانيهما حضور ندوة صحافية عقدها في فندق «شيراتون» بالدار البيضاء، تحدث خلالها عن بعض تفاصيل الصفقة، وعن خططه لتطوير إصدارات المجموعة.
ولماذا لم تنتقل مع العمير إلى مجموعة «ماروك سوار»؟
- وماذا أفعل هناك؟
لتتولى رئاسة تحرير صحيفة «الصحراء المغربية» التي تصدرها المجموعة مثلاً?
- بحكم علاقتي بعثمان العمير، سيبدو السؤال منطقيا، لكنه لم يقترح علي أي شيء، وأنا لم أطلب.
لكن كانت هناك تكهنات وشائعات رشحتك لتولي مسؤولية التحرير في «ماروك سوار» بعد تفويتها لعثمان العمير؟
- دعني أقول لك، بكل وضوح دون أن أخل بقاعدة «المجالس بالأمانات»، إن هناك ثلاثة أمور حدثت بعد شراء العمير مجموعة «ماروك سوار».
الأمر الأول، أن العمير استدعاني ذات يوم بعد شرائه المجموعة، وطلب مني أن ألتقي به في فندق «لانفتريت» بالصخيرات، وشدد علي ألا أقول ذلك لأي أحد، وخمنت أن هناك أمرا مهما ينتظرني، وفي الطريق من الرباط إلى الصخيرات، رجحت أنه سيعرض علي رئاسة تحرير صحيفة «الصباحية» التي أراد لها أن تكون بديلة لصحيفة «الصحراء المغربية». وعندما وصلت إلى هناك فوجئت به يتحدث عن أمور عادية تتعلق بالعمل اليومي في «إيلاف»، فأيقنت أن العمير كان سيتحدث عن موضوع آخر، لكن طرأ طارئ جعله يعدل عن خططه.
هل أفهم من كلامك أن جهة ما اعترضت على تعيينك رئيس تحرير في مجموعة «ماروك سوار»؟
- ليس لدي أي معلومة مؤكدة.
وأنت في طريقك للقاء بالعمير، هل ترجح أنه تحدث في أمرك مع جهة ما مثلا؟
- ربما تلقى اتصالا هاتفيا.
وماهو الأمر الثاني؟
- الأمر الثاني أن العمير اقترح علي أن تشتري مجموعة «ماروك سوار» كتابي «وصايا محمد شكري». وبالفعل ذهبت إلى الدارالبيضاء حيث سلمني هشام السنوسي، المدير العام للمجموعة آنذاك، عقدا لشراء الكتاب، لكن وجدت هذا العقد في غاية الإجحاف.
وماذا كان ردك؟
- استلمت العقد ولم أرد عليهم حتى اليوم، ذلك أن هذا الكتاب بالنسبة لي له أهمية خاصة، أولا لأن لدي رسائل متبادلة مع شكري، رحمه الله، لا تقدر بثمن، ثم إن شكري اختار أن يقول لي من دون كل الناس الذين يعرفهم قبل مرضه وهو على فراش المرض ما لم يقله لأحد. وكل شيء مثبت وموثق، وفوجئت بأن المجموعة تعاملت مع الكتاب كأنه كتاب كتبه أحد الهواة حول صيد سمك الشابل في واد سبو، أو شيء من هذا القبيل.
وماذا عن الأمر الثالث؟
- الواقعة الثالثة حدثت في واشنطن، وكان ذلك يوم الجمعة 29 نوفمبر 2008، حيث التقيت في فندق «كروان بلازا» بولاية فرجينيا شخصا من المقربين من صنع القرار في المغرب، وكان معي ابني امرؤ القيس، فروى لي ذلك الشخص أن اسمي طرح خلال لقاء، من الأهمية بمكان، لتولي مسؤولية تحرير الإصدارات العربية في مجموعة «مارك سوار»، بيد أن عثمان العمير لم يبد حماسا، وبالتالي تقرر إغلاق الأمر عند ذلك الحد.
وهل استفسرت عثمان العمير عن ذلك؟
- أبدا، لكن هناك من تطوع ونقل له هذه المعلومات، ثم إني أصلا، وبعد انتقالي إلى واشنطن، لم أتحدث مع العمير إلا مرة واحدة لتهنئته بنيله جائزة من دبي، و قد استفسرني يومها قائلا: «هل أنت الآن في المكسيك؟»، فكان جوابي «أنا في غواتيمالا». كان هو يعبر عن استيائه لأنني غادرت «إيلاف» وعدت إلى «الشرق الأوسط». سألني سؤالاً تهكمياً، وأجبت بدوري بالأسلوب نفسه.
معنى هذا أن علاقتك الآن بالعمير متوترة؟
- الأمر ليس كذلك، لكن تأكد لي بعد حكاية التهنئة أن علاقتنا انتقلت إلى خانة الذكريات.
لماذا استقلت من «إيلاف»؟
- تعبت. تعبت من عمل مضن كان يجعلني أبقى في مكتبي أحيانا حتى الفجر. عمل يبدأ بعد الظهر ويتواصل 14 ساعة إلى حد كدت أطبخ وجبتي الغداء والعشاء بنفسي. وكان يعمل معي في كثير من الأحيان الأخ عبد اللطيف الصيباري لأنه مسؤول عن التصوير، سواء تعلق الأمر بمسألة النشر أو البحث في الأرشيف. بعد ذلك كتبت رسالة إلى عثمان العمير أستأذنه بالانصراف، لكنه لم يقبل، وحاول إقناعي بالبقاء، بيد أني تشبثت بموقفي، وغادرت بالفعل «إيلاف» في 13 أبريل 2005.
وماذا فعلت بعد استقالتك من «إيلاف»؟
- كان يفترض أصلاً أن أعود إلى «الشرق الأوسط» من جديد قبل ذلك بسنة، وتم تداول اقتراح بهذا الشأن عندما تولى حاتم البطيوي مسؤولية التحرير وإدارة المكتب في المغرب. كنت متحمسا أن يتولى البطيوي هذا الموقع، بل دفعت بقوة بأن تناط له المسؤولية الإدارية، إضافة إلى مسؤولية التحرير، لأن علاقاتي مع الصحيفة في لندن لم تنقطع أبدا، فاستجابوا لذلك بالفعل، وعندما طرحت مسألة عودتي إلى الصحيفة، ضمن طاقم المكتب لأعمل صحافيا فقط، بعد أن زهدت في المواقع والمناصب، راح البطيوي يلح على إجراءات مالية يجب أن تطبق على الراتب الذي يفترض أن أتقاضاه، وأصر على أن يخضع هذا الراتب للاقتطاعات الضريبية، لذلك قررت أن أطوي الاقتراح، خاصة بعد أن تيقنت أن المواقع تؤثر كثيرا في سلوك بعض الناس. المهم أنني عدت فعلاً للصحيفة في ماي 2005 لكن دون جديد ودون أن تربطني أي علاقة مع مكتب 
المغرب .
معنى أن هذا أن علاقتك الآن بالبطيوي ليست على ما يرام؟
- المؤكد أن ستارة قد نزلت.
ماذا تقصد؟
- دعني أقول لك إن علاقاتي بقيت في صعود وهبوط مع بعض من افترضت أنهم في موقع «الأصدقاء»، حتى عندما انتقلت إلى واشنطن، لكن بعد أن عدت من جديد إلى المغرب، كنت أتلقى من هؤلاء «الأصدقاء» سيلا من النصائح وحتى الإساءات في بعض الأحيان. أيقنت آنذاك أن بعض العلاقات لديها عمر افتراضي، كما هي الحالات التي تستعصي على الطب. والمؤكد أن مثل هذا النوع من العلاقات يذهب إلى الأجزاء المعتمة من الذاكرة، وفي كل الأحوال لست حفيا بهذا الجزء من الذاكرة، لذلك وجدت من الأفضل إنزال الستارة، وهذا ما فعلته.
تقصد هنا حاتم البطيوي؟
- كلامي واضح.
طيب، كيف عدت إلى «الشرق الأوسط» من جديد؟
- اقترحت علي «الشرق الأوسط» الإشراف على موقعها الإلكتروني، وسرعان ما تلاحقت الأحداث، وإذا بي أجد نفسي أحمل حقيبة واحدة، فيها بعض الملابس والكتب وحاسوب صغير، وغادرت المغرب في رحلة لم تكن مقررة أو مقدرة، ووجدت نفسي في مطار «دالاس» بواشنطن، ثم تبعني أبنائي إلى هناك. كان إحساسنا جميعا أننا غادرنا المغرب دون رغبة منا. كان الأمر بالنسبة إليهم موجعا، وبالنسبة إلي محزنا للغاية. ولا أزيد.


[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.