ما من تعبير لحال البلبلة التي تشهدها مؤسسات الصحافة في فرنسا -وهي التي تعيش تراجع الانتشار بشكل مخيف- مثل الإجراء الأخير الذي اتخذته جريدة «ليبراسيون»، الماوية سابقا، بتفضيلها منح إدارة رأسمالها للمصرفي إدوارد دي روتشيلد... ومنذ فترة وجيزة، آلت بدورها مجموعة «سوكبرس»، التي تصدر حوالي سبعين منشورا، منها «لوفيغارو» و«إكسبريس» و«إكسبانسيون» وعشرات الصحف المحلية إلى أحد أصحاب صناعات الأسلحة، سيرج داسو. ومن المعلوم أن شخصا آخر من مصنعي الأسلحة، أرنو لاغاردير، بات يملك أساسا مجموعة «هاشيت» وداخل مجموعة «لوموند إس- أ»، وصار المساهم الرئيسي في مجلة «لوموند ديبلوماتيك»، «إس. أ» (بحوالي 51 في المائة)... وإذا ما استمر تقهقر عمليات النشر، فإن الصحافة المكتوبة المستقلة قد تقع، شيئا فشيئا، تحت سيطرة عدد قليل من الصناعيين، مثل «بويغ» و«داسو» و«لاغاردير» و«بينو واورنو»... الذين يقسمون في ما بينهم مختلفَ أشكال التحالفات، ما يشكل خطرا على التعددية. وقد بات هذا التراجع يطال الصحافة المرجعية أيضا، فللمرة الأولى ومند ما يزيد على 15 عاما، لم تعرف Le Monde Diplomatique نظيرا لهذا الانحسار والتراجع. فهذه الصحيفة التي عرفت منذ 1990 تزايدا منتظما في انتشارها والتي حققت، حتى ما بين 2001 و2003، ارتفاعا قياسيا في مبيعاتها فاق في مجموعه 25 %، بدأت تتراجع سنة 2004 بنسبة 12 %. وهذا حال معظم كبريات الصحف اليومية... وعلى رأس الأسباب الخارجية لحالة التأزم هذه، هناك «الهجمة» المدمِّرة للصحف المجانية، والسبب الآخر هو، بالتأكيد، الأنترنت، التي تستمر في توسعها الهائل، وهناك أيضا ظاهرة «البلوغ» (Blog) أو المذكرات الشخصية اليومية المنشورة على الشبكة، والتي تفجّرت تماما في كل مكان، وهي على غرار النشرة الخاصة، تمزج ما بين المعلومات والرأي، الوقائع الأكيدة والشائعات، التحليلات الموثقة والانطباعات الخيالية. لكنّ لهذه الأزمة أيضا أسبابا داخلية تعود في الدرجة الأولى إلى مصداقية الصحافة المكتوبة. أولا، لأن هذه الصحف أصبحت كما رأينا أكثر فأكثر ملكا لمجموعات صناعية تسيطر على القوة الاقتصادية ومتواطئة مع السلطة السياسية. وأيضا، لأن الانحياز والنقص في الموضوعية والأكاذيب والتلاعبات وحتى الخُدَع ما تزال تتزايد.. ومهما يُقَلْ إنه لم يكن هناك قط عصر ذهبي للإعلام، فإن هذه الانحرافات قد أصابت الآن صحفا يومية موصوفة. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية، كان من شأن قضية جايسون بلير -هذا الصحافي المزور المنتحل للمقالات المنقولة من الأنترنت ومختلق عشرات القصص- أن تسببت في أضرار كبيرة لصحيفة New York Times، التي طالما نشرت مقالاته المركَّبة في صفحاتها الأولى... وفي هذه المناسبة، عاشت هذه الصحيفة، المعتبرة مرجعا للمحترفين، «زلزالا» حقيقيا، ما اضطر رئيسي التحرير هويل رينس وبويد جيرالد لتقديم ااستقالتهما. وبعد هذه الأزمة، تم ابتداع منصب إعلامي جديد للوساطة والافتحاص (إمبادسمان) للمرة الأولى أوكل إلى دانييل أوكرانت، وهو باحث مرموق ورئيس تحرير سابق لمجلة «Time». Ignacio Ramonet – Les Médias en crise. Le monde Diplomatique Août 2004