طبع بعضهم الساجة الصحافية في السنوات الماضية ببيسمه، ليبتعد عن الأضواء اختياريا أو إجباريا. المغربية نتفرد بنشر حوارةات مع صحافيين اعتزلوا الميدان، بعد أن أناروا الطريق للجيل الجديد في المهنة، ليبتاعوا العطاء في قطاعات أخرى، بينما ابتعد البعض لالآخر لأسباب أخرى، او احتراما لأخلاقيات المهنة، وهناك من تنكر له الجميع، خاثة الذين يعيشون أ وضاعا احجتماعية صعبة، استحيى العديد منهم الخوض فيها.متى بدأتم العمل الصحفي؟ بدأت العمل الصحفي عمليا في سنة، إذ كنت 1973، في مراكش أكتب في الثقافة كمراسل في جريدة العلم، واشتغلت في هيئة تحرير الاختيار، التي كانت شهرية، وسياسية وعامة. وبعد تجربة الاعتقال، سنة 1974 التي دامت 6 أشهر، خرجت واشتغلت مع العلم، وفي سنة 1975 حصلت على الباكلوريا، واشتغلت مع العلم الثقافي كمراسل أيضا، لكن في سنة 1976 دخلت العلم في القسم الثقافي، إذ كنا نعد ملحقا. وفي سنة 1975، دخلت المعهد العالي للصحافة، بعد الباكلوريا، إذ بقيت سنة قبل أن أدخل المعهد، الذي كانت الدراسة فيه من اجل الدراسة فقط، وليست هي التي أدت إلى اشتغالي بالعمل الصحفي، فاشتغالي بالصحافة كان قبل أن التحق بالمعهد، وأثناء دراستي فيه. وبعد تجربة العلم، التحقت، سنة 1979 بأنوال، التي كانت اسبوعية، ثم يومية. ولما تخرجت، سنة 1981، من المعهد التحقت بوزارة الاتصال، في إطار الخدمة المدنية، وحتى في هذه الفترة، كنت مسؤولا عن أنوال، ثم طلبت مني وزارة الاتصال أن أستمر بالعمل معها، فرفضت والتحقت بأنوال. كيف كان لقاؤك الأول مع الجريدة؟ أنا متأثرا بالصحافة منذ صغري، إذ كان أحد أفراد العائلة، وهو عمي الحبيب الفرقاني صحفيا، وهو مثلي ونموذجي، وكنت متأثرا جدا به، إضافة إلى والدي، الذي كان يجلب جريدتي المحرر، والعلم دائما إلى البيت، ما ساعدني على الاستئناس بالجرائد، من صغري، وبالتالي، فلقائي الأول مع الجريدة حصل وأنا صغير، وفي الإعدادي، بدأت أنجز مجلة في المنزل، كان والدي يجلب لي الورق الإداري والورق الناسخ، وكانت مجلة شهرية تعنى بشؤون الفكر والثقافة آنذاك. و كنت أكتب افتتاحية ومقالات وروبورتاجات، كنت أبيعها لشراء الأدوات، التي استعملها، من ورق وأقلام. كنت معتادا على الكتابة، وكان أول مقال نشر لي في العلم سنة1971، عبارة عن قراءة في ديوان شعري.. وهذا، أيضا، علاقة بالاشتغال السياسي، ففي منظمة "23 مارس"، السرية ىنذاك، كانت الكتابة والمطالعة والمناقشة جزءا أساسيا من نضالنا، ونضطر لمناقشة وإنجاز عروض، وكانت عندنا نشرات داخلية، ساهمت ببعض الكتابات فيها. العمل في الصحافة جاء تلقائيا، إذ كان لدي حلم لما كنت في الطفولة، إذ كنت متأثرا، كما قلت، بالسي الحبيب الفرقاني، الذي كنت أراه في الدار، وأتمنى أن أكون مثله، وهذا أمر مهم. وفي سياقات النضال السياسي، جاءت ضرورة التعبير عن الرأي، ولهذا، كان من الطبيعي أن أشتغل في جرائد المعارضة، "الاختيار" من جهة ، و"البيان" من جهة أخرى، ثم "العلم"، ثم أسسنا جريدة أنوال، سنة 1979، وكانت سني 24 عاما أنذاك (فأنا من مواليد 1955). ما هو الميدان الذي حظي أكثر باهتمامك؟ الاهتمام الأول كان أدبيا و ثقافيا، إذ كتبت القصة القصيرة ثم القصائد، كما كنت أتابع الفنون التشكيلية ، والمسرح. ومع تصاعد العمل السياسي والاهتمام بالسياسة، جاءت الحاجة إلى التعبير عن الرأي، ولهذا، لما أصدرنا أنوال، وكلفت برئاسة تحريرها، كنت اكتب في السياسية. وما كان يلاحظ علي، أنني كنت أكتب السياسة بلغة أدبية، إذ لم تكن الكتابة السياسية الجافة.هكذا، كان الانتقال من الأدبي إلى لسياسي سلسا ،علاوة على أنني عضو في اتحاد كتاب المغرب، وساهمت في أنشطة عدة للاتحاد، وبعض فروعه ومؤتمراته. إذن، الاهتمام الأدبي بقي دائما. صحيح ،أن الكتابة السياسية استخدمتني أكثر، نظرا لمباشرتها، أي كونها مباشرة، وتتدخل في مجالات عدة، وإن كنت أعتز بالعمود الذي كنت أكتب، والذي هو نوع من الكتابة الأدبية في السياسة. اشتغلت، أيضا، في اللغة، وليس في الكتابة التقريرية العادية. و أعتقد أن العمل الصحفي لا بد له من خلفية ثقافية، ومطلوب أيضا من الصحفي أن يرى ما لا يراه الناس مباشرة، ويساعدهم في فهم أعمال الأحزاب، أو القضايا الأخرى. وهذا يتطلب أدوات ثقافية، وفكرية، وأدبية. نشتغل باللغة، واللغة ليست، فقط، فعلا ومفعولا به، هي أيضا حياة، هي متعة، لا بد أن تتحقق في الكتابة. فهناك فرق بين الكتابة التقريرية، مثلا، فعل فلان كذا وكذا، وبين الكتابة بلغة شاعرية. كما أنك، إذا كتبت للقارئ بلغة راقية، جديدة وممتعة، تحترمه وتعطيه مادة تزاوج بين الفائدة والمتعة. بالنسبة للجانب المادي، كم كان يتقاضى الصحافي؟ صحيح، نحن عشنا تجربة استثنائية بعض الشيء، لأننا احترفنا الصحافة كمناضلين، أي أن المنطق النضالي كان غالبا على الجانب المادي، كنا صحفيين في الجريدة ومسؤولين، من جهة أخرى، وكنا نعرف أن الجريدة ليست لديها أي مداخيل.مثلا، وهذا ليس سرا، جريدة أنوال تأسست برأسمال قيمته 6.000 درهم، جاءت، آنذاك، عن طريق رفاقنا في باريس، وهي قيمة طبع العدد. كنت طالبا، وبالتالي، كانت لدي منحة الطالب، ومدير الجريدة هو الأستاذ الجامعي، وهناك من كان يساهم بمقاله، ويذهب لحال سبيله، دون مقابل. كما لم يكن لدينا مقر، فكان مقر الجريدة هو منزل المدير، محمد عواد، والعنوان الذي كانت تتضمنه صفحات الجريدة هو منزل عواد بسلا. ومع التطور، وبعد حوالي ستة أشهر، جاءت الحاجة إلى بعض المصاريف فمثلا، لكي أتنقل إلى المحمدية، يجب أن أستقل القطار، وكان يلزمني 15 درهما للذهاب من وإلى المحمدية، وأخذ سندويش بحوالي 2 دراهم، عبارة عن خبز وعلبة سردين. والعجيب في الأمر، هو أنه، رغم قلة الإمكانيات، كنا نناطح دولة، وربما الدولة كانت تعرف كل هذا، وتعرف أن لا أحد يساعدنا. وقمنا بحملة اشتراكات، كما كان معظم المناضلين يعطوننا النقود، لكن هي فقط اشتراكات، لا تتعدى 200 درهم أو 300 درهم. إضافة إلى أننا خلقنا نوعا من المنافسة بين المدن لجمع رأسمال، فكنا نقول، مثلا، إن وصلت المبلغ الفلاني، ومراكش بلغت المبلغ كذا... وكنا نعرف أنه تلزمنا حاجات عملية كالتلفون. ورغم فقرنا، كانت هناك أفكار وآراء ومعارضة قوية، إضافة إلى عنصر الإرادة. لما أتممت الخدمة المدنية، كان أجري الأولي بالجريدة 1700 درهم، لكن مع منطق أننا مناضلون وليست لنا أسر، ولم تكن لنا ضغوط الحياة ولا حاجيات كبيرة. وحتى السكن، كنا أحيانا نسكن مع بعضنا البعض، ولم يكن يهمنا الاستقرار، أو بناء منازل، مثلا، أو أي متطلبات. كما كانت بيوت ومنازل المناضلين مفتوحة لنا سواء هنا بالرباط أو أي مدينة أخرى، فإذا أردنا القيام بأي مهمة، يستقبلوننا بفرح، و في جو نضالي، ويوفرون علينا عناء كبيرا من المصاريف. كما قلت، كان أجري الأول 1700 درهم، إلى أن مرت سنتان ليصل 2100 درهم. كما أن مدير الجريدة اضطر ألا يصرح بالكل في صندوق الضمان الاجتماعي، وكنا نعرف إكراهات الجريدة، إذ كنا مساهمين فيها. فلما صرح مدير الجريدة في صندوق الضمان الاجتماعي بأنني أتقاضى 2000 درهم فقط، لم يستسغ مسؤول هذا الصندوق هذا الأمر، لأنه، في نظره، لا يتناسب مع شخص معروف، ويظهر في التلفزيون، وأصبح مشهورا. هذه الأمور يصعب الآن تكرارها، فإذا أردت إحداث جريدة، يجب أن تكون مؤسسة، ونحن من الناس الذين ساهموا، في إطار نقابة الصحافة أو غيرها، في مأسسة الصحافة المغربية. وإذا كان هذا له ما يبرره في تجربتنا نحن، أو في تجربة غيرنا، في صحف أخرى، لاعتبارات سياسية، على رأسها، أنه من قبل، كانت الجريدة جزءا من حركة سياسية، هي أصلا غير مستقرة، وهذا عنصر مهم، وبالتالي، هناك حزب يصدر جريدة، وهو بنفسه قد يستمر أو لا يستمر. والحزب، الذي كان نسبيا مستقرا آنذاك، هو حزب الاستقلال، الذي احتفظ بالعلم، أما البيان، فكانت، وقتها، تصدر أحيانا وتحتجب عن الصدور أحيانا أخرى. ولا يمكن أن تجد جريدة لديها نوع من الاستقرار، وبالتالي لديها صحفيون ووظائف مختلفة. عمليا، منذ بدأت الحياة السياسية المغربية في الاستقرار، ولما اتضح أن المغرب يتجه نحو الانتقال الديمقراطي، الموجود حاليا، ظهرت الحاجة إلى مؤسسات صحفية فعلا، تساهم في هذا التطور، وتكون مستقرة. ولهذا سنجد أن "الاتحاد الاشتراكي" ستستقر، ونحن سنؤسس جريدة بمقرات وموظفين، والبيان، كذلك، ستتطور، وستظهر الصحافة المستقلة، من منطلق مؤسساتي مقاولاتي، وستدخل السوق. أما الآن، إن أردت أن تصدر جريدة، يجب أن تقوم بدراسة جدوى كاملة، وبراسمال كامل. والشروط التي اشتغلنا فيها غير قابلة للتكرار. وهناك من يقول الآن إن النضال لم يبق، والحال أن الحس النضالي سيبقى دائما، إذ أن أهداف النضال والقضايا لا تتغير، رغم أنها لا تبقى بنفس الصيغة، ونحن اليوم نناضل من أجل الحداثة، ومن أجل الديمقراطية، و من أجل أن يجتاز المغرب مرحلة الانتقال الديمقراطي بعافية، وبأفق مفتوح للتطور. وهذا النضال والكفاح، هو نضال يومي مستمر ضد قوى التحجر،و قوى الجهل، وقوى الظلامية، و ضد الذين ليست في مصلحة التطور، وما يعكسه من شفافية ومن عقلانية في التسيير، ومن الحكامة الجيدة. * في مسيرتكم الشيقة، ما هي الصعوبات التي واجهتكم؟ أكيد، كانت هناك صعوبات، وكانت عندنا صعوبات مالية، تكلمنا عنها سابقا، وهناك انعدام وسائل العمل. لهذا، كان الميل أكثر إلى الرأي والتحليل. وهذه الصعوبات أثرت بشكل سلبي على التحقيقات، إذ كانت قليلة عندنا في الجربدة. وطبعا ،كانت صعوبات سياسية، سواء تهديدات مباشرة،إذ استدعتنا وزارة الاتصال مرات عدة، لتبلغنا أن دولة صديقة مستاءة من كذا وكذا. واستدعانا البوليس مرات ليحقق معنا في هذا المقال أو ذاك. وجرى اعتقال مدير الجريدة مرتين، وأنا كدت أعتقل بسبب مقال حول الاعتقال السياسي، إذ كنا نصدر الجريدة وبعد كل عدد، كنا دائما ننتظر ما الذي سيحدث.