لا يفوت الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز فرصة ليهمس في أذن من حوله بأنه ليس لديه أدنى شك في أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جاد بشأن السلام مع الفلسطينيين. بطبيعة الحال، لا يمكن للرئيس الدخول في التفاصيل، ولكن يجب عليك أن تصدق كلامه دون مناقشة. يقولون إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو الآخر لا يعتقد أن نتنياهو يخدعه. غير أن المحادثات الهامة التي دارت بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء كانت ضمن جلسات سرية خاصة، حتى إن الأشخاص الذين كانوا يدونون محاضر هذه الجلسات بقوا خارجا. كما أن قادة إسرائيل الدبلوماسيين والأمنيين، بما في ذلك منتدى الوزراء السبعة رفيعي المستوى، ليست لديهم أدنى فكرة عما إذا كان الابن البار للإصلاحيين في التيار اليميني قرر، فعلا، السماح بقيام دولة فلسطينية. إذا نجح نتنياهو في أن يخرج من غرفة المفاوضات باتفاق يسوي الوضع النهائي، أعد بأنني سأهتف له وأحييه، بل سأعتذر حتى عن تشكيكي السابق في تصريحاته الخاصة بالسلام. لكن قبل أن يحدث ذلك، لا أعتقد أن نتنياهو كان يعني ما قاله في خطابه بجامعة بار إيلان عن دولتين لشعبين، وأن ما قاله في مؤتمر قمة واشنطن هو ما يعتزم القيام به في قمة شرم الشيخ. فحتى الآن لم يقدم نتنياهو إلى السلام غير الخطابات والكلام. صقور الليكود لم يستاؤوا من فحوى خطابات نتنياهو، ولا حتى شركاؤه في الائتلاف الذين يحثون الخطى للانفصال عنه. والواضح أن كل هؤلاء لا يصدقون ما يقوله نتنياهو. إن سياسيا كنتنياهو -الذي لم يدخر جهدا، أكثر من أي إسرائيلي، لتدمير اتفاق أوسلو أمام الرأي العام الإسرائيلي- يعرف بالتأكيد أنه بالمقارنة مع اتفاق للوضع النهائي مع الفلسطينيين، فإن تلك الوثيقة التي لم تزحزح مستوطنة واحدة من مكانها ستبدو بمثابة «عقد إيجار» اعتيادي. إذا كان نتنياهو ينوي، فعلا، التوقيع على اتفاق في غضون عام حول الانسحاب من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، فلماذا لا يعد الرأي العام الإسرائيلي لهذا التسونامي؟ فاتفاق كهذا قد يشكل صدمة للمجتمع الإسرائيلي لم يشهد مثلها منذ حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر). صحيح أن هذا الاتفاق سيتيح لإسرائيل إخلاء الأراضي الفلسطينيةالمحتلة تدريجيا وفقا لجدول زمني معقول، وتأجيل المواجهة الفعلية مع المستوطنين ومؤيديهم في اليمين الإسرائيلي، ولكن ليس هناك أي تأجيل لعرض خريطة التقسيم الجديدة والمعركة الناجمة عنها على مستوى السياسة والرأي العام. فمن دون خريطة محددة المعالم لن نعرف ما هي المستوطنات التي سيتم ضمها والتي ستخول بالتالي الحصول على تصاريح البناء والأموال العامة، كما لن نعرف المستوطنين الذين علينا أن نعد لهم مساكن بديلة وسلة مالية لاستيعابهم. وقبل كل شيء، لا يمكننا اتخاذ قرار بشأن الترتيبات الأمنية في فلسطين من دون تحديد منطقة نفوذ الفلسطينيين. فكيف سيكون الفلسطينيون قادرين على الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي من دون وضع خط فاصل تنتهي عنده إسرائيل وتبدأ عنده أيضا الدولة الفلسطينية؟ في أفضل الحالات (وهذا ليس مرجحا)، حيث سيوافق الفلسطينيون على التخلي عن عنادهم ضمن تبادل للأراضي وسيؤجلون حل قضية القدس (وهو أمر من الصعب تصديقه)، فإن خريطة لاتفاق الوضع النهائي تكون سارية المفعول ستعد أمرا بإخلاء أكثر من 90000 مستوطن يعيشون في 96 مستوطنة، حوالي الثلثين منهم ينتميان إلى كتلة صلبة إيديولوجيا مكونة من أجيال من أعضاء جماعة «غوش إيمونيم» المتعصبة لبناء المستوطنات في الضفة. ويأتي ذلك على رأس 50 بؤرة استيطانية يبلغ عدد سكانها حوالي 3000 شخص. المستوطنات الأخرى هي بالنسبة إلى الجزء الأكبر منها منتشرة على طول وادي الأردن، وهي منطقة قيل للرأي العام الإسرائيلي على مدى سنوات إنها حدود إسرائيل الأمنية. إن كان علينا أن نصدق أن نتنياهو يرغب حقا، وفي غضون عام، في التوقيع على اتفاقية تاريخية من شأنها أن تفرض علينا نقل أكثر من 90 في المائة من مناطق الضفة الغربية إلى الفلسطينيين، فإنه يجب على نتنياهو أن يظهر بادرة حسن نية على الأقل، فبدلا من التفاوض مع أوباما بشأن تجميد البناء الجزئي والمؤقت للمستوطنات، لماذا لا يعطي الرئيس الفلسطيني محمود عباس مناطق الاستيطان التي انسحبت منها إسرائيل في شمال الضفة الغربية في إطار خطة فك الارتباط؟ كما أنه يمكنه نقل نسبة معينة من الأراضي الواسعة من المنطقة (ج) التي تحتفظ بها إسرائيل لتوسيع المستوطنات، إلى الفلسطينيين. وعلاوة على ذلك، فإن فتحا مراقبا للمعابر نحو القدسالشرقية لسكان الضفة الغربية يمكن أن يكون إجراء لبناء الثقة تجاه الفلسطينيين، كما سيساعد هذا الأمر الإسرائيليين المتشككين على تصديق نوايا نتنياهو السلمية. من المهم جدا أن الرئيس الإسرائيلي يصدق نتنياهو. وبالطبع، لا حاجة إلى إبراز علاقة الثقة بين رئيس الوزراء ورئيس الولاياتالمتحدة. فهذه العلاقة مهمة، غير أنها ليست كافية. لكننا نستحق أيضا رئيس وزراء يمكننا تصديقه على الأقل. ترجمة بشار الخطيب عن ال«هآرتس»