شكلت الحرب الكيماوية جزءا من العمليات العسكرية التي قامت بها مختلف الدول الأوربية خلال فترة ما بين الحربين ضد المدنيين في كل من أفغانستان، العراق، ليبيا وإثيوبيا، حيث قام الجيش البريطاني، الإسباني، والإيطالي بإلقاء مواد كيماوية ذات أضرار بالغة على النساء، الأطفال والعجزة، دون أن يعير اهتماما إلى الأوفاق الدولية التي حظرت إنتاج واستعمال هذه الغازات، رغم مصادقة هذه الدول على معاهدة فرساي، وتأخرها مدة طويلة في المصادقة على بروتوكول الغاز الذي أعقب إعلان مبادئ فرساي. لقد حاولت العديد من الدراسات الوقوف على أسباب اندحار جيش منظم ومجهز بأحدث الأسلحة أمام مجموعة من القرويين مجهزين بعتاد حربي عتيق لا يرقى إلى مستوى المواجهة، مرجعة إياه إلى أسباب متعددة . ونحن من جانبنا نرى بأن أهم أسباب هذه الهزيمة تعود بالأساس إلى طموح الجنرال سلبيسطري ومنافسته للجنرال برانكور، الذي كان مكلفا بغزو المنطقة الشمالية الغربية، على تحقيق الانتصارات في أسرع وقت ممكن بالمنطقة الشمالية الشرقية المكلف بغزوها، مما دفعه إلى ضرب عرض الحائط كل النداءات التي تطالبه بالتروي في غزو منطقة بن عبد الكريم وعبور نهر أمقران بقبيلة تمسمان في قمة ظهر أبران، وهذا ما جعل استراتيجيته تتسم بنوع من الارتجالية، إذ كان أكبر خطأ ارتكبه هو افتقاده خلال زحفه لجيش احتياطي قريب من الجبهة، ثم غياب قاعدة خلفية Retaguardia تضمن انسحاب الجنود بسلام عند استحالة اختراق صفوف العدو، لأنه لم يكن يتخيل قط عند زحفه شيئا اسمه الانسحاب لاستهانته بقوات بن عبد الكريم.
استعمال الغازات السامة لقد أحدثت كارثة أنوال وسقوط مواقع القيادة العسكرية لمليلية إحباطا كبيرا لدى الجيش الإفريقي، خصوصا العسكريين الأفريقانيين Africanomilitaristas. ذلك أن جيشا أوربيا ينكسر في أيام قليلة أمام مجموعة من القرويين المتخلفين، كان شيئا يجرح شرف وشعور التفوق الإسباني في مواجهة عدو كان ينظر إليه دائما باحتقار، الأمر الذي نتج عنه اتساع الهوة ما بين الجيش والمجتمع المدني. لهذا تعالت الأصوات في كل إسبانيا ملحة في المطالبة بتحديد المسؤوليات. وقد أدى هذا الإحباط إلى محاولة العسكريين الأفريقانيين تلميع صورتهم بسرعة أمام الرأي العام بتحبيذ استخدام حرب قذرة، لتبيان مدى مقدرة الجيش على لأم جروحه والرجوع إلى بسط سيطرته على المنطقة الشرقية. في هذا الإطار، طالب بعض أعضاء البرلمان بشكل علني وصريح عبر الصحافة، كجريدتي»Correspondencia Militar» و»El Heraldo de Madrid» بضرورة استعمال الغازات السامة، حيث جاء في إحدى المقالات: «لا نرى أي اختلاف في قتل إنسان بتقطيع جسمه إربا بقنبلة يدوية أو تحويله إلى سحب من دخان الغاز الخانق». نفس الشيء حدث مع عضوين في البرلمان اللذين حثا على ضرورة استعمالها في جلستي 20 أكتوبر و17 نوفمبر 1921. كما طالب برلماني آخر، Arsenio Martínez de Campos، بضرورة تجهيز الجيش الإسباني بالغازات السامة على غرار الجيوش الحديثة. من هذا المنطلق، لم يكن الإسبان وحدهم المنادون باستعمال هذه الغازات، بل نادى بضرورة استعمالها بعض المغاربة، نخص منهم بالذكر أمزيان الطيب Mizzián el bueno حسب التعريف الإسباني، - وهو أب المارشال أمزيان، تمييزا له عن أمزيان الشرير Mizzián el malo، وهو المجاهد الشريف أمزيان الذي قاد المقاومة المسلحة في الريف ما بين سنتي 1909 و1912، السنة التي استشهد فيها على يد خيالة الحركة التي كانت تحت قيادة ضباط إسبان-، والذي طالب (أي مزيان الطيب، حسب التعريف الإسباني) في مقال له بجريدة El Heraldo de Madrid الصادرة يوم 24 غشت 1921 بضرورة استعمال هذه الغازات لردع المقاومة الريفية. اختبار فاعلية الغازات السامة كانت فاعلية استعمال الغازات السامة خلال الحرب العالمية الأولى في تغيير موازين القوى، حافزا لإسبانيا في دفعها لاقتنائها من الدول المنتجة. في هذا الاتجاه، يعود أول استعمال للأسلحة الكيماوية إلى الحرب العالمية الأولى، حيث تم استعمال بعض الأنواع كالقنابل اليدوية المعبأة بالغاز المسيل للدموع، وقذائف T المعبأة بنوع آخر من الغاز المسيل للدموع الذي استعملته ألمانيا في بولونيا سنة 1915، ثم غاز الكلور الخانق الذي ألقي لأول مرة على جبهة إيبر Ypres ببلجيكا في أبريل 1915 ضد الجنود الجزائريين والفرنسيين. كذلك، قام الباحثون الألمان باكتشاف مادة كيماوية لغاز خانق هو الفوسجين fosgeno الذي استعمل أول مرة ضد روسيا في جبهة كارباطوس Cárpatos في أواخر شهر ماي 1915، والذي تم تطويره من بعد مزجه بالكلور. من جانبها، بدأت بريطانيا باستعمال غاز الكلور في خريف 1915 في مدينة لوز Loos في شتنبر 1915. لقد كانت نقطة ضعف ألمانيا في هذه الحرب الكيماوية خلال الحرب العالمية الأولى هي عدم جدوى الأقنعة الواقية عند تغير اتجاه الرياح نحو فيالقها المتقدمة، أما نقطة قوتها فقد تمثلت في إدخال سنة 1916 قذائف معبأة بالغازات السامة تلقى بواسطة المدافع. EMBED PowerPoint.Show.8 كما أنه خلال العامين اللذين أعقبا بداية هذه الحرب، تم اكتشاف مواد سامة أكثر فتكا، كان أهمها غاز خردل الكبريت Dicloretilsulfúrico، الذي استعمل أول مرة من طرف ألمانيا في جبهة إيبر Ypresيوم 12 يوليوز 1917. ومن هذه المنطقة اتخذ اسم الإيبيريت Ypérite (بالفرنسية) وIperita (بالإسبانية). في هذا الإطار، كانت بريطانيا أول دولة تستعمل الغازات السامة بعد الحرب العالمية الأولى، وكان ذلك من أجل تقديم دعم للجيش الأبيض الروسي ضد الجيش الأحمر في مورمانسك Murmansk وأرشانجيل Archangel في صيف 1919. كما قامت بعد ذلك بوقت قصير بإلقاء قنابل غاز الخردل Gas Mostaza على الأفغان وسكان قبائل الجبال في الحدود الشماليةالغربية بين باكستانوأفغانستان. كما أنه في سنة 1920، قامت المدفعية البريطانية بإلقاء قذائف معبأة بغاز الخردل على المقاومة المسلحة العراقية. في نفس الوقت الذي استعملت فيه القوات الإيطالية هذه الغازات السامة ضد المقاومة المسلحة الليبية بين سنتي 1923 و1924، وبين سنتي 1927 و1928 في هجومات جوية. الدكتور مصطفى المرون