حلت, يوم أمس الجمعة, ذكرى 20 غشت وهي الذكرى المشهورة في تاريخ المغرب باسم ثورة الملك والشعب. ثورة اندلعت على إثر نفي السلطان الشرعي محمد الخامس وعائلته الصغيرة، إلى جزيرة كورسيكا وبعدها إلى مدغشقر يوم 20 غشت 1953. كان هذا النفي أكبر خطأ ارتكبته السلطات الاستعمارية الفرنسية وشكل نقطة تحول كبرى في مسار القضية المغربية، وبداية نهاية الاستعمار الفرنسي بالمغرب، إذ بعد عامين فقط سيتمكن المغاربة من الحصول على استقلالهم بعدما رضخت السلطات الاستعمارية لرغبته في إرجاع السلطان محمد الخامس إلى عرشه وبلده. عندما اختار الفرنسيون من بين أبناء السلطان مولاي يوسف الأصغر سنا وهو محمد الخامس ملكا للمغرب، كان غرضهم من ذلك هو وضع ملك يمكن التحكم فيه دون معارضة، وكانت السياسة الفرنسية تسير في اتجاه إبعاده عن الشعب وعن الحركة الوطنية حتى يتسنى لفرنسا الحكم بكل أمان. لكن السحر انقلب على الساحر. بحكم الممارسة السياسية واحتكاكه بزعماء الحركة الوطنية، بدأ السلطان الراحل يعي مخططات الاستعمار، وأصبح فيما بعد شوكة في حلق الاستعمار وشكل خطاب طنجة سنة 1947 نقطة تحول كبرى في مسار محرر المغرب من الاستعمار الفرنسي. يقول أندريه جوليان إن المرحوم محمد الخامس «عندما أدرك أهمية الظهير البربري الذي وقعه سنة 1930، قال للشاب علال الفاسي الذي حصل على شهادة من القرويين: «لن أفرط على الإطلاق في أي حق من وطني». ووفى بوعده ولم ينحن إلا عند استعمال القوة». وكان السلاح الذي يمتلكه السلطان هو التوقيع على القرارات التي كان يتخذها المقيم العام، وبدون توقيع فإن تلك القرارات لن تكون لها أية قيمة. وقررت السلطات الاستعمارية الفرنسية أن تزيح السلطان محمد الخامس وتعين مكانه شخصا آخر. ولكنها كانت تريد أن تضفي على عملية النفي نوعا من الشرعية. فأوحت إلى الباشا الكلاوي بجمع تأييد الباشوات والقياد وتأليبهم ضد السلطان. وهكذا تمكن الكلاوي يوم 20 مارس 1953 من جمع عشرين قائدا بقصره بمراكش ووقعوا على عريضة تدعو السلطات الفرنسية إلى عزل السلطان محمد الخامس. وعندما تم تقديم هذه العريضة إلى السلطات الاستعمارية بشكل رسمي يوم 21 ماي من نفس السنة، كانت تضم توقيع ما يقرب من 250 باشا وقائد و6 رجال دين و31 من الأعيان، حسب ما ذكره المؤرخ الفرنسي شارل أندريه جوليان. ويوم 20 غشت سنة 1953 قررت السلطات الاستعمارية نفي الملك الراحل محمد الخامس وعائلته إلى كورسيكا في البداية وإلى مدغشقر فيما بعد، وعينت مكانه محمد بن عرفة بتواطؤ مع بعض القواد الكبار وأبرزهم الباشا التهامي الكلاوي وبعض العلماء. وقد أشعل هذا القرار الخاطئ من قبل السلطات الاستعمارية نار المقاومة الشعبية، خلال هذه الثورة وقعت أحداث مؤلمة دامية، كما شنت إضرابات شلت مختلف القطاعات الحيوية لاقتصاد البلاد. فضلا عن انطلاق شرارة العمليات المسلحة بمختلف مدن المغرب وبشكل خاص بمدينة الدارالبيضاء. وقتل خلال هذه العمليات شهداء أمثال علال بن عبد الله ومحمد الزرقطوني وغيرهما. وتعرض السلطان المزيف بن عرفة لمحاولتي قتل، خرج منهما سالما. ووجدت فرنسا نفسها معزولة ديبلوماسيا بعد إقدامها على نفي محمد الخامس، إذ نددت دول عدة بالنفي ورفضت الجامعة العربية الاعتراف بشرعية محمد بن عرفة، كما أن الدول العربية ودول آسيا والدول الاشتراكية دعت الأممالمتحدة إلى التحرك، فضلا عن أن الجنرال فرانكو، حاكم إسبانيا، أنكر تصرف فرنسا تجاه السلطة الشرعية بالمغرب. يقول دوجلاس أشفورد الباحث الأمريكي في العلوم السياسية في كتابه «التطورات السياسية في المملكة المغربية» الذي نشره بداية الستينيات من القرن الماضي، «رفضت إسبانيا الاعتراف بالملك المزيف، ابن عرفة، واستمرت الخطبة تقام باسم محمد الخامس في صلاة الجمعة في الشمال طوال فترة اضطهاد حزب الاستقلال. وقد أدى نفي الملك إلى تنظيم مقاومة نشطة ضد الفرنسيين، واتخذت المقاومة مدن تطوان وطنجة والموانئ الساحلية في الشمال مراكز للتموين والتدريب والاتصال. وبعد انقضاء شهرين على خلع الملك، ووسط المظاهرات الشعبية الموالية له في تطوان، أعلنت القاهرة أن الطريس سيكون «زعيم حركة التحرير في المغرب بأسره». وفي الشهر الثاني استقبل المقيم الإسباني والخليفة (خليفة السلطان) وحزب الإصلاح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية بكل ترحاب. ولما خشيت فرنسا أن تعلن الانتهازية الإسبانية الخليفة (خليفة السلطان) نائبا للملك على حكومة مغربية في المنفى اتخذت بعض الاحتياطات الديبلوماسية والحربية. ومهما يكن من أمر، فإن مثل هذا الإجراء قد جعل إسبانيا تتنحى عن موقفها، وانحصرت نتيجة الإثارة في إعلان المقيم العام عن عدم اعترافه بالخليفة نائبا للملك». ولم تهدأ الأمور إلا عندما أحست السلطات الفرنسية بخطئها الكبير وقررت أن تعيد السلطان محمد الخامس إلى عرشه، وكان ذلك بعد ثلاث سنوات قضاها الراحل محمد الخامس في المنفى رفقه أفراد عائلته الصغيرة، أما السلطان المزيف بن عرفة فترك المغرب وعاش فترة في طنجة بحكم الوضع الدولي الذي كان لها، ولما استعادها المغرب، غادر طنجة في اتجاه مدينة نيس الفرنسية، وبقي هناك إلى أن توفي عام 1976.