راكم دفناء هذه المقابر شهرة ترسخت في كتب التاريخ ومكنتهم من أن يجمعوا حولهم مريدين، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو حتى العالمي، وساهموا بتصوفهم وزهدهم وبساطتهم وتواضعهم وعلمهم الديني الواسع في أن ينسج عنهم مريدوهم العديد من الحكايات الغريبة، التي رفعتهم إلى درجة الولي الصالح، الذي تنفع بركته في علاج عدد من الأمراض المستعصية عن الطب الحديث. وإلى جانب هذه «البركات»، أدرجت زيارة الأضرحة والزوايا، في الآونة الأخيرة، ضمن ما يعرف بالسياحة الروحية التي يمكن أن يعول عليها المغرب لجلب المزيد من السياح الأجانب وخلق انتعاشة في السياحة الداخلية. لكن هذه الأضرحة، في المقابل، أصبحت نتيجة الإهمال وانشغال بعض «الأتباع» فقط بجمع «التبرعات» مهددة بالفضائح الأخلاقية التي ترتكب في محيطها. يعتقد بعض الزائرين والقيمين على ضريح الولي سيدي عبد الرحمان بقلعة السراغنة أنه من زار هذه الأخيرة لا بد أن يعرج على ضريح الولي «سيدي عبد الرحمان»، حفيد الولي سيدي رحال البودالي دفين مدينة قلعة السراغنة. ويشير هؤلاء إلى أن له من الكرامات والبركات ما يحفز كل زائر على زيارته. ويحتفظ حفدة الولي الأول بقصص كثيرة على كراماته التي اشتهر بها داخل مدينة قلعة السراغنة، وعرف بها في غيرها من المدن، حتى انتشر خبره وذاع صيته بين أهل الصلاح والرتب الصوفية. هو سيدي عبد الله بن عبد الكريم بن عبد الله بن امحمد بن عبد العزيز بن الشيخ سيدي رحال البودالي، أخذ العلم عن سيدي أحمد بن ناصر بزاوية تمكروت الناصرية، واشتهر بالورع والتقوى، ولقب عند زواره ب «مبدل الطفلة بالطفل». يقول بن الجيلاني أكبر حفدة الولي بقلعة السراغنة إن جدهم له كرامات عديدة، لكن أشهرها، والتي عرف بها هي تحويله طفلة إلى طفل، فما أصل الحكاية يا ترى؟. يروي بن الجيلاني أن امرأة من قبيلة أولاد بوكرين (التي توجد على بعد ثلاثة كيلومترات غرب مدينة القلعة) جاءت إلى الشيخ وهي حامل إلى خلوته، بدراع السيد، المكنى به الموجود حاليا بطريق «الجبيل»، بعد أن هددها زوجها بالطلاق إن ولدت له بنتا مرة أخرى، وطلبت دعاء الولي بأن تلد ولدا بدل البنت، وهو ما كان لها بعد أن مسح مرات على بطنها، وهدأ من روعها بعد أن كان الأمر سيفقدها صوابها. ويوم الولادة طلبت المرأة من «قابلتها» أن تعلنه في الملأ إن كان ولدا، وأن تسر لها الأمر، إن كانت بنتا، فلما أنجبت بنتا لفتها أمها في ثوب وحملتها على وجه السرعة إلى الولي، حيث أخبرته بما كان من أمر ولادتها. أخذ الولي المولودة ومرر عليها يده، وردها بسرعة إليها قائلا: «خذي ابنك»، فدهشت المرأة وسرت بما رأت، وشاع الخبر بين الناس كالنار في الهشيم، فاشتهر الولي بين الناس بالقدرة على تحويل الأنثى إلى ذكر. ولا تقتصر شهرته على هذه الكرامة، بل إن قصته مع أستاذه ترفعه إلى درجة التفوق في التصوف والكرامة عليه. تروي الحكاية أن الشيخ سيدي أحمد بن ناصر شيخ سيدي عبد الرحمان كان يخص الأخير بعناية خاصة. وعندما أراد دفين القلعة أن يعود إلى مدينته اشترى له شيخه نعلا وقميصا جديدين، ارتداهما المريد ولف القديمين ووضعهما مع عدة سفره، وخرج الشيخ وهو يضع يده على كتف مريده، فتعجب زملاء سيدي عبد الرحمان لفعل شيخهم، وسألوه عن السر في ذلك، فأجابهم بأنه كان يتودد له حتى لا يترك لهم المكان قاعا صفصفا، ولما التفت سيدي عبد الرحمان إلى سيدي أحمد بن ناصر في نظرة أخيرة للتحية، تقول الحكاية، أنه تبعه النخل حتى مدينة مراكش، وعندما بحث الشيخ عن ثياب مريده القديمة ولم يجدها، قال فيه «حصاد ولقاط»، ومعناها أنه لا يترك خلفه شيئا إلا تبعه من الحيوان والشجر والنعم والخيرات لشدة بركته. تزوج الولي سيدي عبد الرحمان ثلاث نساء، وأنجب ستة أبناء إثنان شقيقان من كل زوجة. سار على نهج جده أبو العزم رحال البودالي أو رحال الكوش، دفين سيدي رحال بزمران بإقليم قلعة السراغنة، الذي تتلمذ بدوره على يد سيدي عبد العزيز التباع، أحد رجالات مراكش السبعة، وهو من أبرز مريدي الشيخ بن سليمان الجزولي على الطريقة الشاذلية. يقصد العشرات من الزوار رجالا ونساء يوميا ضريح سيدي عبد الرحمان للتبرك والاستشفاء، منهم من يطلب الشفاء من الصرع ويشعل الشموع لذلك في الضريح، وجزء ثان يقصدونه للتخفيف من معاناتهم وآلامهم النفسية والجسدية، وصنف ثالث يكتري محلات بجوار الضريح حتى يفك كربته. ويلجأ الزوار لممارسة طقوس الجذبة بالضريح، والطواف عليه والبكاء بين يديه والتمسح به وطلب مساعدته، فيما ألم بهم من مصائب. يسهر على العناية به أحفاده الذين يتلون جماعيا كل مساء قصائد صوفية، ويقتسمون ما يتبرع به الزوار.