ببيت بسيط فوق سطح منزل متهالك متداع بأحد الأحياء الشعبية بمدينة الجديدة، جلس المحامي محمد بوجبر المزداد عام 1953 بأولاد عامر بالجديدة، منزويا في قعر البيت، يلبس فوقية بيضاء اللون، وعيناه الغائرتان تائهتان تبحثان ربما عن بريق أمل، وكان ينصت إلى القرآن المذاع على إحدى القنوات العربية. في العام 1981 استغل محمد بوجبر لمدة عامين ضمن الخدمة المدنية بوزارة العدل بعد حصوله على شهادة الإجازة في القانون الخاص من كلية الحقوق بالدار البيضاء. بعد ذلك سيمتهن المحاماة بمدينة الجديدة، وتم تسجيله بهيئة المحامين بالجديدة يوم 14 مارس 1988. لم يكن بوجبر يعلم ما تخبئه له الأيام، ولم يكن يعلم بأن أحواله ستصل إلى ما وصلت إليه. يقال إن أشد الضربات يتلقاها المرء من أقرب المقربين، وبأن أفظع الظلم يأتي من الأقرباء والأصدقاء. رفاق محمد بوجبر وهيئة المحامين التي ينتسب لها تنكرت له في محنته. يعاني محمد بوجبر اليوم من مرض نفسي دخل على إثره مؤخرا إلى المستشفى. يقول ابنه الأكبر إن «المحاماة سبب معاناته النفسية، لا يتكلم إلا عنها، لا حديث له إلا على المرافعات والقضايا والمحاكم والترافع أمام القضاة». وفضلا عن ذلك يعاني من أمراض عضوية مثل انتفاخ كبير في قفاه يتطلب عملية جراحية لاستئصاله. دخل محمد بوجبر يوم 10 يوليوز الماضي إلى المركز الاستشفائي الجامعي بالجديدة ليعالج، وخرج منه يوم 28 من نفس الشهر. لكن خروجه كان مأساويا، إدراة المستشفى رفضت إخراجه إلا بعد أن يؤدي واجبات الاستشفاء التي لم يكن في استطاعة عائلة المحامي أداءها، ولكن بعد تدخلات بعض الأشخاص، تمكنت في الأخير من إخراجه منه. تشتغل زوجته في بيوت الناس مقابل أجر أسبوعي يصل في أحسن الأحوال إلى 200 درهم. «ما الذي يمكن أن نفعله بهذا الأجر، نكتري هذا البيت ب15 ألف ريال في الشهر، أنا ما بقاش فيا الحال على راسي، تيبقا فيا الحال على أولادي. ابنتي التي حصلت على أعلى معدل بالجديدة باعتراف الجميع مهددة في مستقبلها وليس لدي المال لكي تكمل دراستها وابني الأكبر توقف عن الدراسة بعدما قضى سنة واحدة في دراسة الحقوق». الزوجة التي كانت تبكي وهي تتحدث عن زوجها، لا تعرف كيف تخرج من هذه الدوامة ومن هذا الوضع المأساوي. وجهت الزوجة اللوم إلى أصدقائه ورفاقه في الحرفة الذين تخلوا عنه بعد مرضه باستثناء القلة القليلة منهم، وهناك من يستغل مرضه، فبعض المحامين يطلبون منه أن يدون لهم المرافعات مقابل مبالغ مالية زهيدة. تقول زوجته إنه معروف بنزاهته وسط المحامين ومعروف أيضا لدى كافة المحامين بكونه يجيد كتابة المرافعات، ولذلك يعمدون إلى استغلال هذه الموهبة التي منحها الله له لكي يكتب لهم المرافعات. تنكر له الرفاق في المهنة ممن كان يساعدهم، وتنكرت له هيئة المحامين بالجديدة التي، حسب الزوجة، لم تقدم له الدعم المالي والمعنوي في محنته وتركته يواجه مصيره لوحده، بالرغم من أن الهيئة لها أموال، وبالرغم من أنها تتوفر على تعاضدية عامة يمكنها أن تغطي له مصاريف العلاج. يقول ضابط متقاعد وصديق للمحامي كان حاضرا اللقاء الذي أجرته «المساء» مع بوجبر ببيته، إن أغلب شبان هذا الحي، حي السعديين بالجديدة الذي يوجد فيه بيت المحامي المتواضع، ندموا ندما كبيرا على دراستهم الحقوق (وكان بالبيت أيضا شاب من أبناء الحي حاصل على الإجازة في نفس الشعبة) عندما يرون يوميا محاميا يشهد له الجميع بكفاءاته العالية في هذا الميدان، وقد وصل به الأمر إلى هذا الوضع المتردي.