لبعض الأفلام فضائل تطهيرية لأنها تنتهي في الأخير برد الاعتبار إلى الحقيقة ضد الجور والنسيان. وقد تحلى فيلم «الأهالي» للمخرج رشيد بوشارب بهذه الميزة والمزية لما رد الاعتبار إلى مجندي شمال إفريقيا الذين حاربوا دفاعا عن فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية و«ردت» إليهم هذه الأخيرة الجميل بنكران حقوقهم وتهميشهم من خلال معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. وكان للفيلم خلال عرضه فعل مخلخل لشرائح من المجتمع الفرنسي, ولكأن المخرج والممثل رشدي زيم، الذي قام بأحد الأدوار الرئيسية في فيلم «الأهالي»، استوعب الرسالة ورمزيتها فقام بنبش مكنون اللاوعي، إذ اقترح في البداية على رشيد بوشارب نقل قضية عمر الرداد إلى السينما على أساس أن يقوم هو بدور المتهم. لكن انشغال بوشارب بمشاريع أخرى دفع به في الأخير إلى العكوف على كتابة السيناريو انطلاقا من الكتاب الذي أصدره الرداد تحت عنوان «عمر، لماذا؟» والتحقيق الذي قام به الصحافي والكاتب جان-ماري روار تحت عنوان: «عمر الرداد: فبركة قضية», فيما عهد إلى سامي بوعجيلة، أحد أبطال فيلم «الأهالي» أيضا، بأداء دور عمر الرداد. وستبقى الجريمة التي أودت بحياة جيسلان مارشال في 24 من يونيو 1991 لصيقة بالجملة التي وجدت مخطوطة بحروف من دم على حائط القبو والتي ارتكب فيها خطأ إملاء: Omar m'a tuer. أصبحت هذه الجملة ملخصا مركزا للجريمة التي نسبت، من دون أدنى تردد، إلى البستاني عمر الرداد الذي عمل بستانيا لدى السيدة الثرية منذ 1985 بمنطقة الآلب ماريتيم. هكذا وبعد اكتشاف الجثة، اعتقل عمر الرداد، حيث حكم عليه بالسجن 18 سنة، قضى منها سبع سنوات ونصفا، لينال فيما بعد عفو الرئيس جاك شيراك. وقف رشدي زيم عند سلسلة حقائق ومعطيات كان بإمكانها تبرئة الرداد، غير أنها بقيت طي الكتمان. لكن المخرج لم يعط شيكا على بياض للبستاني، بل وقف عند تناقضات الرجل الذي كان «مريضا» بالقمار ويحتاج، في كل مرة، إلى مبالغ نقدية لإشباع هذه النزوات. كما أن رشدي زيم استبعد الصورة الملائكية التي قدمها الرداد عن نفسه في الكتاب للإبقاء على الجانب المتناقض في شخصيته. يبقى السؤال: من هو القاتل؟ لماذا قضى عمر الرداد سبع سنوات ونصفا سجنا من دون أن تقدم أدلة على إدانته؟ تلك بعض الفجوات التي اندس فيها عمر الرداد منذ الآن، وعلى خلفية الردود الإعلامية التي رافقت الإعلان عن إعداد رشدي زيم للفيلم، قبل طرحه في القاعات، للمطالبة بتبرئته ورد الاعتبار إلى كرامته.