تصدت الشرطة الفرنسية لمتظاهرين كانوا يحتجون على عرض فيلم خارج عن القانون ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي.حيث دعا منتقدوه إلى منعه بحجة أنه يشوه التاريخ. ويتحدث الفيلم عن مرحلة من مقاومة الشعب الجزائري للاستعمار الفرنسي. ويحكي فيلم خارجون عن القانون لمخرجه الفرنسي ذي الأصل الجزائري رشيد بوشارب قصة أخوين أفلتا من المجازر والتحقا بالثورة الجزائرية ضد الاستعمار. وقال وزير الثقافة الفرنسي فرديريك ميتيران لاحظت أن أغلب الناس تتحدث عن الفيلم دون أن تشاهده. وأضاف أنا شخصيا سأشاهده قريبا جدا لأكوّن رأيا، ووصف النقاش حول مأساة حرب الجزائر بالصحي، لأنه يساعدنا في إعادة تكوين خيط مهم من ماضينا القريب. وانضم إلى حملة المطالبين بمنع عرض الفيلم مجموعاتٌ تمثل الحَرْكَى (الجزائريون الذين قاتلوا مع الجيش الفرنسي ضد ثورة الجزائر) ومجندون فرنسيون سابقون وأقدام سوداء (المستوطنون الأوروبيون). ودعا النائب في الحزب الحاكم عن مدينة كانْ أندري مايي بلدته إلى منع عرض الفيلم، وقال لست سعيدا برؤية فيلم يشوّه فرنسا والجيش الفرنسي. كذلك وصف رئيس المهرجان تييري فريمو الجدل بأنه مجرد نقاش أفكار، وأضاف لن يسمح أحد للمهرجان بأن يُعكَّر بجدل زائد. وقال كثيرا ما يحدث أن يستعمل الناس المهرجان لإثارة الجدل، واعتبر ذلك أقرب إلى تقليد. ونقلت صحيفة الوطن الجزائرية عن بوشارب قوله إن هدف فيلمه تسليط الضوء على جزء من التاريخ يشترك فيه البلدان. وتقول الجزائر إن 45 ألف جزائري قتلوا في الأيام القليلة التي أعقبت 8 مايو,1945 ووقعت الأحداث عندما خرج آلاف الجزائريين للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية لتندلع مواجهات مع المستوطنين الأوروبيين خاصة في بلدات سطيف وقالمة وخراطة في الشرق الجزائري. و تطرقت أغلب الصحف الفرنسية الصادرة، أول أمس، إلى الفيلم وعنونت صحيفة لاديباش مقالها الصادر ب فيلم الخارجون عن القانونيهزّ البساط الأحمر، وأتى فيه بأنه وحتى فوق البساط الأحمر تظل ساحة حرب الجزائر ملغمة، ففي وقت تظاهر فيه المسؤولون المنتخبون في الحزب الحاكم وقدامى المحاربين لإحياء ذكرى الضحايا الفرنسيين، كان الخارجون عن القانون يعرض بقصر المهرجانات. وأضاف صاحب المقال بأنّ مخرج الفيلم رشيد بوشارب، تلقى عدة اتهامات من قبل اليمين المتطرف، وجمعيات الحركى، وقدامى المحاربين والأقدام السوداء، وكذا نائب الألب البحرية ليونال لوكا، تفيد بأنه زور التاريخ، حتى قبل عرضه الفيلم، إلا أن كل من شاهده لدى عرضه صفّق له، فيما ظلت الجماهير المتظاهرة تطلق صفير الاستهجان في شوارع. من جهتها، وسمت يومية لو باريزيان مقالها ب اليوم المجنون لالخارجون عن القانون، وكتبت بأنه وعلى الرغم من ضرورة الانتظار ليوم الأحد، من أجل معرفة الفيلم المتوّج بالسعفة الذهبية، إلا أنه لا يمكن الإنكار بأن المخرج رشيد بوشارب، الذي مثّل الجزائر من خلال عرض الخارجون عن القانون، لن يغادر فارغ اليدين، نظرا لرصيده المعرفي الكبير، ففيلمه، ورغم جملة الانتقادات التي وجهت له، على غرار تلك التي أطلقها ليونال لوكا حتى قبل أن يراه، حيث تعامل مع الفيلم على أنه صورة كاريكاتورية لتاريخ الجزائر، إلا أن بوشارب يقدم لوحة تروي قصة من التاريخ. وكتبت صحيفة لوجورنال دو ديمانش، مقالا تصدّرته صورة كبيرة للممثلة شافية بوذراع بزيها التقليدي العاصمي المتميز، إلى جانب الممثلين الرئيسيين للفيلم، بأن رشيد بوشارب، الذي كان محل حملة شرسة، قام بتعرية جملة من الحقائق التاريخية ظلت دفينة لزمن طويل، على غرار تلك المتعلقة بحاملي الحقائب. وعنونت يومية لومانيتي مقالها بمن تحرر إلى آخر، حيث أشار صاحبه إلى أن بوشارب قدم فيلما سياسيا كبيرا، ينقل كفاح الجزائريين من أجل انتزاع الاستقلال لبلادهم، ليتوقف عند ضرورة تحية كل من شارك في تجسيد العمل السينمائي المخلد للذاكرة، وفي مقال آخر بنفس اليومية طرح تساؤل حول سبب إثارة فيلم الخارجون عن القانون للقلق. كما أفردت العديد من المواقع والصحف صفحات للحديث عن الفيلم والضجة الإعلامية والسياسية التي أثارها، حيث اعتبرت أن الفيلم بعيدا عن الاتهامات التي تعرض لها، هو عمل سينمائي فني راق يتعرض إلى فترة من التاريخ بمساوئها، كما كان حديث اغلب القنوات الفرنسية التي خصصت حصصا كاملة لمناقشته وطرح إشكالياته. رمزية الأرض والأم وركّز بوشارب في فيلمه على قيمتين رئيسيتين، كانتا الفلك الذي تدور حوله كل الأحداث، الأولى وهي الأرض وكانت محور الأحداث التاريخية السياسية والحركة الثورية، والثانية وهي الأم كانت محور الأحداث الإنسانية. فقد اختار بوشارب الأرض كأول رمزية للفيلم، بل تعتبر العقدة الأساسية، التي بنى عليها المخرج كل الأحداث، بل حتى الشخصيات، لأن الطرد من الأرض غيّر مصير الأبناء الثلاث كجزء من الكل، أي في الحقيقة غيّر مصير شعب بهويته وتاريخه وكيانه، فالمشهد الأول كان جد معبر، حيث مازج فيها بوشارب، بين القيمتين الأرض والأم، أين تحمل أم الأطفال بعض الحفن من تراب أرض العائلة المطرودة بقرار تعسفي من السلطات الاحتلال وتضعها في قطعة قماش لتأخذها معها إلى المدينة ثم إلى فرنسا. القيمة الثانية ذات بعد إنساني وعاطفي وهي الأم، التي تواجدت في كل مراحل الفيلم، بل هي التي جمعت الأبناء تحت سقف واحد، رغم اختلافاتهم وتشعب مصائرهم، الأم في الفيلم هي المرأة، هي الانتماء هي بصورة أخرى الوطن، التي يلجأ إليها مسعود قبل موته ليقول لها أما، لقد قتلت، هذه الأيدي ملطّخة بالدماء، لكنني كنت مجبرا، كان لازم أقوم بذلك، رمزية الأم في الفيلم تتعدى الجزء إلى الكل، لتصبح رمز الوطن، الهوية والانتماء، كل يدور حولها ومن أجلها. صورتان لا تنفصلان عن بعضهما، التراب والأم، هي الهوية الجزائرية، لا تكتمل واحدة دون وجود الأخرى، الجزائر ككيان معنوي، جمع الأبناء على قضية الأرض ككيان مادي والاثنان يشكلان الكينونة الجزائرية. الجزائريون والاستعمار لم يترك رشيد بوشارب مرحلة من المراحل، إلا وانتقد فيها الاحتلال واستعرض وجهه الحقيقي بأسلوب مقارن ممّيز، دون صخب أو ضجة ودون خطابات عنيفة، الصورة وحدها عند بوشارب تتكلم، وهي أبلغ، حيث كانت أول المشاهد، وهي صور من الأرشيف، للشعب الفرنسي يحتفل بانتصاره على النازبة وفي نفس الوقت مشهد مظاهرات 08 ماي السلمية، التي طالب فيها الجزائريون بالحرية، والقمع الذي قابلها به الاحتلال بجنوده ومعمريه، القتل العشوائي وعمليات اصطياد للجزائريين في الشوارع والأزقة. المقارنة الثانية تتمثل في مفهوم الفكر التحرّري، عندما يدخل عبد القادر في نقاش حول فكر ديغول ويسأل أليس من حقنا أن نقتل الفرنسيين، علينا فقط أن نغيّر الفرنسي بالنازي، لنفهم قضية الجزائريين. وهذا في حواره مع برنار بلونكو. كما قدّم بوشارب الانحراف، الذي عرفته دولة بقوة فرنسا، المتشدقة بالحرية، عندما أسست منظمة إجرامية للقضاء على الجبهة واستعملت الإرهاب المنظّم عبر اليد الحمراء، كما عبّرت عن عجزها في مواجهة ضغط الأفالان، بقتل المدنيين في الضواحي. وهي نفس السياسة الفرنسية التي استعملتها في الجزائر، عندما تعجز عن المجاهدين في الجبل تلجأ إلى قمع المدنيين في القرى و المداشر.