25 مليون درهم هو حجم مستحقات الصناديق الاجتماعية التي لم تتم تسويتها لفائدة العاملين في مؤسسة «البيان» و»بيان اليوم»، والتي كان محمد قاوتي قد التزم للصحافيين بأنه سيعمل على تسديدها نهاية في 2009، لكنه لم يَفِ بوعده، وهذه نقطة سلبية ضمن نقاط أخرى تُحسَب على قاوتي، ندرجها في هذا التقرير، كما أنها تكشف عن أسلوب الرجل في التسيير، وهو ما يطرح تساؤلات أخرى حول كيفية تدبيره أموالَ تعاضدية الفنانين وملفاتهم... توصلت وزارة الثقافة، مؤخرا، بمبلغ الدعم الإجمالي المخصص للتعاضدية الوطنية للفنانين. وقد هم هذا الدعم مليونَي درهم كسداد لمتأخرات التعاضدية برسم 2009، ومبلغ مليونَي درهم برسم 2010، ليصل الدعم الإجمالي المخصص للتعاضدية 4 ملايين درهم. جاء تحويل هذا الدعم المهم بعد توقيع اتفاقية تعاون وشراكة بين وزارة الثقافة والتعاضدية الوطنية للفنانين، بتاريخ 11 يونيو 2010، وكانت الاتفاقية السابقة الموقَّعة بين الطرفين على عهد ثريا جبران كتتويج لصدور «قانون الفنان»، سنة 2003، والذي اعتُبِر آنذاك بمثابة مكسب تاريخي. ورغم الصعوبات التقنية التي اعترضت تفعيلَه، فإن تلك الاتفاقية استطاعت أن تضمن -مرحليا- تغطية صحية ل700 فنان مغربي، بغلاف مالي بلغ 3 ملايين و800 ألف درهم، إضافة إلى الدعم السنوي الذي تخصصه وزارة الاتصال، والذي يصل إلى 200 مليون سنتيم سنويا. حين تحمّل قاوتي مسؤولية إدارة التعاضدية، برزت تخوفاته من أن تبور أموال التعاضدية، واعتبر هذا الأخير في تصريح ل«المساء»، آنذاك، أن كل التخوفات مشروعة، وطمأن الجميع «إلى أنه من الصعب تماما أن يتم العبث بأموال التعاضدية، بسبب وجودها تحت طائلة الرقابة المالية لوزارة المالية، وهي رقابة بعدية، زيادة على الرقابة القبيلة التي يمثلها المجلس الإداري والذي يخول له القانون أن يقيل المكتب المسير أو يدعو إلى جمع عام يتم فيه تصحيح ما يراه انحرافا في العمل التعاضدي». الآن، تعود هذه المخاوف إلى الواجهة، حول أن تتعرض هذه الأموال للتبديد، على ضوء تجربة محمد قاوتي في تدبير مالية جريدتي «البيان» و«بيان اليوم»، والتي جعلت مجلس الرقابة في هذه المؤسسة الإعلامية تيطالبه بالكف عن تبذير أموالها، دون ضوابط. فمنذ توليه المسؤولية الإدارية للجريدتين، رصد له حزب التقدم والاشتراكية مبلغ 3 ملايين درهم، لإعادة هيكلة الجريدة، فوجدها قاوتي فرصة سانحة ليوكل لشركة «A3» المتخصصة في التواصل، التكفل بإعادة تهيئة مقر الجريدة الجديد في شارع مولاي يوسف، مما جعل البعض يطرح العديد من الأسئلة حول إسناد هذه المهمة لشركة لا علاقة لها بالتجهيز المكتبي ولا بالستائر والتبريد، خاصة وأن حجم المصاريف بدا لبعض العارفين غير عادي ومبالَغاً فيه.. إضافة إلى صرف 50 مليون سنتيم على الحملة الإعلامية للجريدتين، والتي لم يكن لها أثر يذكر على مبيعات «البيان» و«بيان اليوم». كما خصصت الإدارة الجديدة ما بين 80 إلى 100 ألف درهم للحفل الذي نُظِّم في فندق «شيراتون»، لأجل تقديم «اللوغو الجديد» للجريدتين، والذي اعتُبِر من طرف بعض الصحافيين العاملين في المؤسسة مجرد استعراض زائد وبذخ لا تتحمله وضعية المؤسسة، التي في ذمتها ديون خيالية تجاه الصناديق الاجتماعية... وأفادتنا بعض المصادر بأن العجز على هذا المستوى يصل إلى 25 مليون درهم، ناهيك عن فوائد المتأخرات، مع العلم بأن قاوتي سبق أن التزم مع نقابة الصحافيين في المؤسسة على تسوية مستحقاتهم لدى الصناديق في نهاية 2009، لكنْ لا شيء من ذلك تحقق، ليستفحل المشكل، بشكل كبير، وهكذا وجد البعض ممن أحيلوا على التقاعد هذه السنة أنفسهم أمام أجور تتفاوت ما بين 1000 و1500 درهم... وقد سبق لبعض الصحافيين أن وصفوا سلوك الإدارة هذا المتمثل في خصم مستحقات الصناديق (الضمان الاجتماعي والصندوق المهني المغربي للتقاعد) من أجورهم، دون تسديده لصالح هذه الأخيرة، بمثابة خيانة للأمانة، وهو ما لم يستسغه قاوتي في تلك اللحظة. ومن ضمن التزامات قاوتي مع الصحافيين وضع ميثاق للتحرير وانتخاب مجلس التحرير، وهو ما لم يتم. كما تهربت الإدارة من إشراك لجنة المقاولة في مراقبة كيفية صرف دعم الدولة للجريدة، وهو ما جعل العاملين يطرحون علامات استفهام عديدة. وتجعل هذه الوضعية المؤسسة، ومعها مديرها، في مفترق الطرق، فأغلب أعضاء اللجنة المركزية للحزب لم تعد راغبة في استمرار قاوتي على رأس مؤسستهم الإعلامية، وفي نفس الوقت لا تجد بديلا له يمكنه تحمُّل المسؤولية، في ظل أزمة مالية قد تقودها نحو الإفلاس.. وقد بدأت مؤشرات ذلك خلال هذا الشهر، حيث لم يتوصل المتقاعدون المتعاونون مع الجريدة بأجورهم، ويروج، بقوة، داخل المؤسسة أن الأخيرة ستواجه بعد شهرين غياب الموارد المالية لسداد أجور الموظفين والتقنيين والصحافيين. كان لدى قاوتي، الذي جاء إلى الحزب منذ ست سنوات واعتلى لجنته المركزية، باسم القطاع الفني، طموح للترشح للانتخابات التشريعية، فربما قد تفتح له هذه الخطوة طريقا نحو الاستوزار، لكن نبيل بنعبد الله اعترض على ترشيحه، مخيرا إياه بين إدارة الجريدة والتزكية لأجل الترشح للبرلمان، فما كان منه إلا أن اكتفى بوضعه الأول... من جهتها، طالبت النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة بتجديد التعاضدية التي ينص قانونها الأساسي على تجديد هياكلها كل سنتين، وقد دخلت في عامها الثالث. كما أكد بيان صادر عن نفس النقابة ضرورة إعادة النظر في القانون المؤسس للتعاضدية، حتى ينسجم مع بطاقة «قانون الفنان»، الذي صدر بعد تأسيس هذه الأخيرة، ولكون المادة ال13من القانون سالف الذكر تشير إلى أن البطاقة وحدها تخول لصاحبها الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والصحية للدولة. ولذلك تعتبر النقابة الحرة أن التعاضدية هي بمثابة تأمين تكميلي وليس تأمينا إجباريا. وأشار الكاتب العام للنقابة، محمد الصادق الزهير، في تصريح ل«المساء»، إلى أن التعاضدية تواجه إشكالية قانونية تستدعي معالجتها، من تجلياتها ما ذُكِر في البيان، إضافة إلى أن القائم على شؤونها رجل تعليم حصل على التقاعد النسبي ويستفيد من التغطية الصحية المخصَّصة لرجال التعليم، فكيف يخول لنفسه أن يكون على رأس اللائحة، إلى جانب بعض أفراد عائلته?! وتساءل محدثنا، وإلى جانبه النقيب مصطفى بغداد، ما مصير الأموال التي تلقتها التعاضدية على دفعات، في الوقت الذي يتساقط الفنانون على فراش المرض، الواحد تلو الآخر!؟.. وذكروا بأحمد الغرباوي، رحمه الله، ونادية أيوب، التي أثارت ضجة في الإعلام، وبن موسى ومحمود الإدريسي، الذي دخل مؤخرا مستشفى الشيخ زايد على نفقته، إضافة إلى المزكلدي وحميد بن إبراهيم والعماري، الذي مات في حالة مزرية، وفاطمة وشاي، التي تبناها الملك..إنها أغلبية ساحقة لا تتوفر على صفة فنان يقول المتحدثون ل'«المساء»، في حين وُزِّعت هذه البطاقة على أشخاص لا علاقة لفئة كبيرة منهم بالفن. وفي اتصال ل«المساء» مع محمد قاوتي رفض الحديث في موضوع «البيان» و«بيان اليوم» مبديا استعداده للحديث في موضوع التعاضدية وذلك حتى لا تختلط الأوراق بحسب تعبيره.