نظمت التعاضدية الوطنية للفنانين والائتلاف المغربي للفنون ندوة صحافية في مقر النقابة الوطنية لمحترفي المسرح، سلطت من خلالها الضوء على ملابسات عدم صرف منحة التغطية الصحية للفنانين المغاربة من طرف وزارة الثقافة، والمسارات التي اتخذها هذا الملف، وادعاءات الوزير في مجلس المستشارين، في جواب عن سؤال لفريق الأصالة والمعاصرة قال فيه إن تحويلها يتطلب من التعاضدية الإدلاء ببعض الوثائق المتعلقة بلوائح المنخرطين والقانون الأساسي للتعاضدية فقط، وهو ما اعتبره محمد قاوتي، رئيس التعاضدية، كذبا، خلال الندوة التي ترأسها، إلى جانب حسن النفالي، الرئيس المنتدب للائتلاف المغربي للثقافة والفنون، والتي حضرها مجموعة من الفنانين، إلى جانب ممثلي وسائل الإعلام الوطنية. خلال الندوة، تم استعراض السياق العام الذي تأسست فيه التعاضدية، والذي لم يكن فقط يعكس رغبة المبدعين وحدهم، بل كان أيضا نتيجة للإرادة السياسية للدولة المغربية، يقول قاوتي، مذكِّرا بما نصت عليه المادة ال13 من قانون الفنان، الداعية إلى التدخل المباشر للدولة لدعم القضايا الاجتماعية للفنانين، اعتمادا على الفقرة الثانية التي تقول: «تعمل السلطة الحكومية المكلفة بالثقافة على إحداث آلية لتمويل الخدمات الاجتماعية الخاصة بالفنانين»، مع الإشارة كذلك إلى ما ورد في الرسالة الملكية لموجَّهة إلى المؤتمر ال19 للفدرالية الدولية للممثلين، الذي انعقد بين 21 و28 أكتوبر من سنة 2008 في مراكش، حيث جاء فيها: «حرصنا على أن تتوفر بلادنا على قانون الفنان، بكل ما يقتضيه ذلك من تمكينه من بطاقة مهنية، تخول له عددا من الحقوق، بما فيها التغطية الصحية، وضمان شروط وأسباب كرامته، علاوة على مبادرتنا بإحداث أول تعاضدية وطنية لفائدة الأسرة الفنية». وكان الهدف من إبراز هذه الإجرات والمبادرات التي رعتها الدولة هو الكشف عن البعد السياسي لهذا الملف الذي عرف منعرجا خطيرا على عهد الوزير بن سالم حميش، ولإبراز عواقب التماطل في معالجته بالجدية المطلوبة بخصوص مصير الملفات الصحية للفنانين. فالوزير في نظر المشرفين على الندوة لم يذكر الأسباب الحقيقية لتعثر المسار الطبيعي لسير الملف، كما كان الشأن في عهد الوزير السابق محمد الأشعري، وعلى عهد ثريا جبران، إذ عمل الأشعري على بلورة المبادرات المذكورة بعقد اتفاق مع الإئتلاف، منح بموجبه غلافا ماليا قدره 4 ملايين درهم، خصص للتغطية الصحية لفائدة حوالي 700 فنان، من 30 يونيو 2006 إلى 30 يونيو 2007، فوض تدبيره إلى شركة تأمين خاصة، ترتّب عنها القيل والقال، يقول النفالي، وهو ما دفع نحو التوجه إلى تأسيس تعاضدية تكون مستقلة عن النقابة، بعد الاستشارة مع الدولة، فكان التأسيس التاريخي للتعاضدية الوطنية للفنانين في مدينة المحمدية بتاريخ 24 يونيو 2007، بحضور أكثر من 2000 مبدع من مختلف التنظيمات النقابية. وفي سنة 2008، على عهد ثريا جبران، تم انطلاق ترتيب صرف المنحة المخصصة للتغطية الصحية، غير أنه مع تعيين حميش تم توقيف سير المسطرة، ولم يتم صرفها لتعود إلى أدراج الخزينة، مع أن مكتب التعاضدية راسل الوزير قبل ذلك، لكن هذا الأخير لم يعمل على تقديم ولو جواب واحد في هذا الشأن، يقول المساهمون في الندوة، إلى أن فاجأهم الوزير بتصريح في مجلس المستشارين، ولو علموا بالأمر لقاموا بالاتصال بوزارة المالية في حينه. تصريح وزير الثقافة في مجلس المستشارين، قال فيه: «إن الوزارة حاولت في سنة 2009 تحويل مبلغ مليوني درهم لتعاضدية الفنانين، في إطار دعم الجمعيات، لكن مصالح وزارة المالية امتنعت عن هذه الصيغة وتمت برمجة هذا المبلغ في سنة 2010، تلافيا لضياع هذا المبلغ». وأضاف الوزير أنه «بعد أن تعذر التوصل إلى حل مع مصالح المالية، كاتبتُ الوزير الأول من أجل إعطاء تفويض استثنائي للمالية من أجل قبول التحويل المالي من طرف وزارة الثقافة إلى التعاضدية و تسليمها المبلغ الخاص بسنتي 2009 و2010، أي 4 ملايين درهم، وقد توصلنا بهذه الموافقة في 30 مارس 2010، وتشترط هذه الموافقة توصُّلَ مصالح وزارة المالية بلوائح المنخرطين وبنسخة من القانون الأساسي». كلام الوزير اعتبره قاوتي والنفالي مجانبا للصواب، لكون التعاضدية سبق أن وافت مصالح الوزارة باللوائح والقوانين وبتقرير مفصل عن أنشطتها، وطالبت بتجديد هذه المنحة، كما تم استدعاء التعاضدية خلال شهر نونبر من قِبَل الكاتب العام للوزارة، بحضور كل من مديرة الشؤون الإدارية والمالية ومدير الفنون في الوزارة، وبحضور الرئيس المنتدب للائتلاف المغربي للثقافة والفنون، إلى لقاء توضيحي حول وضعية التعاضدية وسيرها ولماذا تتوفر على فائض مالي، بيَّن خلاله لمساعدي الوزير كلَّ التفاصيل المرتبطة بالوضع المالي التدبيري للتعاضدية، من خلال تقرير موقع من طرف خبير في المحاسبة المالية، يبرز أيضا أن الفائض مرتبط بانطلاق عمل التعاضدية المتأخر بعد التأسيس، أي أن المؤسسة لم تباشر عملها إلا في أبريل 2009، يقول النفالي، مضيفا أن مساعدي الوزير خرجوا مقتنعين من خلال هذه الجلسة، التي أكد الكاتب العام للوزارة، في ختامها، رغبة هذه الأخيرة وإرادة الوزير في دعم التعاضدية ورفع الغلاف المالي كلما دعت الضرورة إلى ذلك. و رفعت مجمل هذه الوقائع إلى الوزير في مراسلة خاصة، أشرنا إليها سالفا، كما جاء في مداخلة قاوتي، ولم تتلق عنها التعاضدية أي جواب، كما عادت وراسلته في السابع من يناير 2009، لتطالبه بصرف المنحة السنوية المخصصة للتعاضدية. وفي ختام الندوة، تم طرح الأسئلة التالي: لماذا لم تعرف منحة وزارة الاتصال نفس المصير ولم تشهد نفس التعقيد؟ مع الإشارة إلى زيارة خالد الناصري للتعاضدية واطلاعه على سير الأمور والملفات الصحية في عين المكان. ولماذا لا يتم تبوبيب هذه المنحة ضمن بند خاص بالميزانية، على غرار جمعية الأعمال الاجتماعية للوزارة ومؤسسة محمد الخامس للتربية والتكوين، وليس إدراجها ضمن بند دعم الجمعيات؟.. فهل يتعلق الأمر بتعقيد المساطير، ومن هو المستفيد من ذلك؟ خاصة وأن الوزارة وكما تمت الإشارة إل ذلك خلال الندوة، تسعى إلى البحث عن مخاطَبين آخرين لتشتيت الفنانين، مع أن منخرطي التعاضدية يمثلون مختلف الحساسيات والتنظيمات النقابية، وغير المنتمين أيضا؟!... ودقت التعاضدية ناقوس الخطر، لكون الانخراطات تظل رمزية لا تتجاوز 100 درهم للمنخرط، و50 درهما للزوجة، و300 درهم للأبناء، والدولة ملزَمة بإيجاد آلية لتمويل الخدمات الاجتماعية للفنانين، حسب المادة ال16 من قانون الفنان. فلماذا يعرقل حميش القانون ويتستر وراء الأكاذيب؟!...