فجر الصراع، الذي احتدم مؤخرا بين جمعيتين مهنيتين، حربا غير معلنة بين حزبي العدالة والتنمية والاستقلال، الموكول لهما في إطار تحالف مشترك تسيير شؤون المجلس الجماعي لمدينة القنيطرة. ورغم المحاولات الجارية لإخفاء جفاء العلاقة بين الحزبين، بإضفاء ما يشبه »الماكياج« عليها، لتسويق صورة جيدة عن التحالف القائم بينهما، فإن كل المؤشرات تشير إلى أن الأوضاع ليست على ما يرام، زاد من تأجيجها الخلاف الدائر حول مشروع تشييد المركز التجاري للحبوب المزمع إنجازه بتجزئة «الوئام« بمنطقة «الساكنية»، بين جمعية «تجار الحبوب والقطاني» وجمعية «تجار الحبوب والقطاني والفواكه الجافة للتنمية والتضامن»، التي يوجد ضمن أعضائها المسيرين مستشار استقلالي بالمجلس نفسه. وكانت النقطة التي أفاضت الكأس، حسب رأي العديد من المتتبعين، حينما تمكنت الجمعية الأولى، التي تشار إليها الأصابع بأنها موالية لحزب العدالة والتنمية، من الحصول على حق تدبير سوق »الرحبة« في إطار مشروع استطاعت من خلاله الجمعية المذكورة اقتناء عقار من مؤسسة العمران لبناء مركز تجاري للحبوب من طابقين، لتضع بعد ذلك لوائح المستفيدين من محلاته، وهو ما ولد نوعا من الاحتقان في أوساط تجار الحبوب، اضطر معه »المقصيون« من حق الاستفادة إلى مراسلة الجهات المسؤولة، ورفع دعوى قضائية مباشرة بعد تشكيلهم جمعية جديدة، للطعن في المعايير التي تم اعتمادها في إعداد قوائم المستفيدين، متهمين في شكايات، توصلت «المساء» بنسخة منها، جهات معينة بتسييس القضية، وتغليب ما هو اقتصادي ومصلحي على الجانب الاجتماعي والمجتمعي لمشروع» الرحبة«. وفيما اعتُبِر دعما سياسيا للموقف الأخير، رفضت المستشارة الاستقلالية فاطمة العزري، نائبة الرئيس والمسؤولة عن التعمير، المصادقة على التصاميم الخاصة بالمشروع المذكور، واشترطت في ذلك ضرورة حصوله على موافقة المجلس الجماعي، حيث كشفت المصادر أن فاطمة العزري وجهت رسالة إلى رئيسها رباح، تشعره فيها بأن مرفق سوق «الرحبة» يجب أن يخضع للمسطرة المنصوص عليها في المادة 39 من الميثاق الجماعي، الذي يؤكد أن المجلس هو من يقرر إنجاز التجهيزات ذات الطبيعة الصناعية والتجارية وفي طرق تدبيرها، خاصة أسواق البيع بالجملة والأسواق الجماعية، بينها أماكن بيع الحبوب، وهو ما دفع الرئيس إلى الاحتكام إلى الوالي وطلب استشارته بشأن هذه النقطة، التي ظلت محط جدل حاد بين العدالة والتنمية والاستقلال إلى حد الآن، وإن كان جواب الوالي قد جاء حاسما في هذا الموضوع، يقول مصدر آخر لم يشأ الإفصاح عن اسمه، بعدما نفى صفة المرفق الجماعي عن المركب التجاري للحبوب، مؤكدا أن المادة 39 لا تنطبق على هذا المشروع. الصراع القائم اتخذ منحى آخر، بعدما تعالت الأصوات الداعية إلى إيفاد لجنة من الداخلية للتحقيق في الطريقة التي تم بها تدبير هذا المشروع، ومدى احترامها المساطر القانونية المعمول بها في هذا المجال، وكادت الأمور أن تتحول، صباح أول أمس بقصر البلدية، إلى مشادات وملاسنات كلامية بين عبد العزيز رباح وأعضاء من الجمعية الغاضبة، التي يقودها العضو الاستقلالي، الذي أعرب عن استغرابه الشديد للسماح لغير المهنيين، بينهم مستشارون جماعيون سابقون وموظفون في المقاطعة، من الاستفادة من مشروع سوق الحبوب، واستحواذ آخرين على حصة الأسد من المحلات، واللجوء إلى أساليب المساومات لطي الملف بشكل غير قانوني، وحرمان العديد من تجار الحبوب من استغلال هذا الفضاء، رغم أن الطرف الآخر، الممثل في جمعية تجار »الحبوب والقطاني»، المحسوبة في نظر البعض على حزب العدالة والتنمية وتحظى بدعمه، ما فتئ يؤكد أحقيته في تدبير شؤون المركز التجاري بكل حرية، وأن لا دخل للمجلس الجماعي في تسييره، طالما أنه صاحب المشروع، وأن الجمعية سلكت جميع المساطر القانونية التي تخول لها حرية التصرف في مشروعها الاستثماري، وأن كل الانتقادات والاتهامات التي وجهت إليها باطلة ولا سند قانوني لها.