هناك معارك وثورات مشهورة في التاريخ السياسي للمغرب، بعضها يعرفه أغلب المغاربة، ولكن معظم تلك المعارك وخلفياتها و حيثياتها تخفى على الكثيرين ابتداء من الحرب التي قادها القائد الأمازيغي يوغرطة ضد روما، مرورا بحروب وثورات وقعت في العصور الوسطى، وانتهاء بمعارك العصر الحديث. ومن خلال هذه الرحلة عبر عدد من المعارك والثورات، تتوخى «المساء» أن تلقي الضوء على تلك المعارك والثورات، شخصياتها، وقائعها، وبالأخص تأثيرها على المسار السياسي للمغرب. في العام 1830م ستسقط الجزائرفي يد الفرنسيين بعد الحادثة الشهيرة في التاريخ المعاصر، المعروفة بضربة المروحة. كانت الجزائر حتى ذلك التاريخ تحت حكم العثمانيين، وكان يحكمها الداي. وكان حكام الجزائر يفرضون على السفن الأوربية بشكل عام والفرنسية بشكل خاص ضرائب من أجل حمايتها من القرصنة. وفي الروايات التاريخية أن فرنسا في تلك الفترة كانت ملزمة بدفع ديون للجزائر قيمتها 20 مليون فرنك ذهبي قديم، مقابل قروض مالية ومواد غذائية كانت قد منحتها الجزائرلفرنسا أيام المجاعة. التي اجتاحتها بعد الثورة الفرنسية عام 1789م. وقد دارت مشادات كلامية بين القنصل الفرنسي في الجزائر والداي حسين بسبب عدم التزام فرنسا بدفع ديونها المستحقة، وهذا ما أغضب داي الجزائر وأشار إلى القنصل بمروحته (تستعمل للترويح)، فادعى القنصل أن الداي ضربه بها، وقد اتخذ الملك الفرنسي شارل العاشر هذه الواقعة ذريعة ليرسل أسطولا لاحتلال الجزائر دفاعا عن شرف فرنسا يوم 14 يونيو 1830. لم يكن حادث احتلال فرنسا للجزائر ليمر بدون أن يثير حفيظة المغاربة وحكام المغرب، بالرغم من أن المغرب كان قد عقد منذ عهد السلطان المغربي سيدي محمد بن عبد الله هدنة مع فرنسا في السابق. غير أن هذه الهدنة سرعان ما بدأت تضمحل باحتلال الملك الفرنسي شارل العاشر للجزائر. وفي هذا الصدد، يحكي الناصري في كتابه «الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى» أن «الهدنة كانت معقودة بين الدولة الشريفة وبين جنس الفرنسيس من لدن دولة السلطان الأعظم سيدي محمد بن عبد الله رحمه الله ولما حدث الشنآن بين ترك الجزائر والفرنسيس واستولى الفرنسيس على ثغورهم جاء أهل تلمسان إلى السلطان المولى عبد الرحمان رحمه الله راغبين في بيعته والدخول في طاعته فقبلهم بعد التوقف والمشاورة كما مر ولما أعرى جيش السلطان تلمسان واجتماع أهل ذلك القطر على الحاج عبد القادر محيي الدين تحت كلمة السلطان بر به وأحسن إليه وقاوم الفرنسيس بتلك البلاد أشد المقاومة إلا أن فائدة حربه كانت تظهر في قتل النفوس واستلاب الأموال وفائدة حرب الفرنسيس كانت تظهر في انتقاص الأرض والاستيلاء عليها وشتان ما بينهما». غير أن المقاومة التي كان يقودها الأمير عبد القادر بمساعدة من المغرب لم تتمكن من وقف زحف الفرنسيين الذين بدؤوا يدخلون رويدا رويدا الأراضي المغربية، خاصة أن الأمير عبد القادر كان يتحرك تارة في الصحراء وتارة ببني يزناسن وتارة بوجدة والريف، كما كان الفرنسيون يقومون بحركات تأديبية ضد القبائل الحدودية، التي كانت تساند المقاومة الجزائرية، وهو الأمر الذي أغضب السلطان المغربي المولى عبد الرحمان. و في يوم 14 غشت 1844م وقع اصطدام عسكري على حدود وادي إيسلي شمال شرق وجدة. وكان الجيش الفرنسي مكونا من قرابة 11 ألف جندي مجهزين بأحد الوسائل القتالية، في حين كان الجيش المغربي مشكلا من قرابة 40 ألف فارس مجهزين بوسائل حربية عتيقة، فكانت الهزيمة النكراء التي مني بها الجيش المغربي في تلك المعركة. ووصف الناصري في كتابه الاستقصا بأن هزيمة المغرب في تلك المعركة كانت «مصيبة عظيمة وفجيعة كبيرة لم تفجع الدولة الشريفة بمثلها، وكان هذا الحادث العظيم في الساعة العاشرة من نهار منتصف شعبان سنة ستين ومائتين وألف. ولما رجع المنهزمة تفرقوا شذر مذر وأهلك الناس العطش والجوع والتعب (...) وكان السلطان رحمه الله قادما من مراكش إلى فاس فاتصل به خبر الوقعة وهو برباط الفتح فنهض إلى فاس مدا واتصل به في أثناء طريقه خبر وقعتين اثنتين آخريين وهما هجوم الفرنسيس على طنجة والصويرة ووقع بالصويرة حادث عظيم بسبب الغوغاء الذين بالبلد والشياظمة المجاورين لهم فإنهم لما رأوا العدو دخل الجزيرة ظنوا أنه سيدخل البلد فمدوا أيديهم للنهب (...) وهذا ما زاد من غيظ السلطان وكمده فعمد إلى جماعة من قواد الجيش وحلق لحاهم تأديبا لهم». ويوم 18 مارس 1845، وقع المغاربة والفرنسيون معاهدة لالة مغنية تم بموجبها رسم الحدود بين المغرب والجزائر على مستوى مدينة وجدة. وقال الباحث الفرنسي بيرنارد لوغان في كتابه «تاريخ المغرب» إنه بموجبه هذه الاتفاقية قسمت قبائل وقرى وقصور بشكل اعتباطي واصطناعي، وهو الأمر الذي كانت له آثار على الوحدة الترابية للمغرب فيما بعد.