يعرض الفنان التشكيلي إدريس الأمامي في رواق «فندق شيراتون»، من 12 إلى 26 يوليوز الجاري، جديدَ أعماله الفنية المتكون من 70 لوحة، أعمال تندرج ضمن الحساسية الجديدة، ويحمل المعرض عنوان «سمفونية التشكيل».
تحتفي لوحات الأمامي بالذاكرة البصرية الأمازيغية، في مختلف تعبيراتها الرمزية، وتتخذ من الجلد الخام سندا لأعماله الفنية.. ويعلل الفنان هذا الاختيار بكون الجلد -في نظره- التصق بالإنسان، منذ الأزل، فهو مادة أصلية وحية أيضا، وتبعا له، فبإمكانه أن يمددها ويطوعها، حسب تيمات مواضيعه، التي يحدد معالمها وحدودها بالقنَّب الطبيعي، بمختلف أنواعه، باعتباره وسيلة يؤثث بها فضاء اللوحة، إلى جانب نتافات أو بقايا صوف أو شعر الجلد، الذي يوظفه في اللوحة.
في لوحات الأمامي، نلمس الاهتمام بالجمال الأمازيغي، خصوصا المرأة الأمازيغية، وشكل عيونها وضفائرها. كما يعتمد المأثورات الأمازيغية والكائنات الأسطورية، التي تناقلتها الحكايات الشفاهية في منطقة سوس، إذ يوظف طائر البوم، الذي يرمز إلى اليقظة والحكمة. ومن بين الأدوات التي يوظفها في أعماله، نجد نواة ثمرة الأركان، فمجمل عيون شخوصه متقدة، لا يصل النوم إلى جفونها، والسر في ذلك، حسب الأمامي، أنه يغرس حبات الأركان في محجرَيْ عيني شخوصه، لِما لنواة ثمرة الأركان من مكانة في الثقافة الأمازيغية...
في معرض تناوله لأعمال الأممي، يقول الناقد الفني عبد الرحمان بن حمزة إن هذا الأخير «يستوحي، بشكل شامل، إلهامَه الخاص من أرض الذاكرة الأمازيغية بامتياز، بدءا من السند، الجلد، الذي يتناوله كفضاء رمزي لتوثيق أشكاله، سند معالج كموضوع للتصميم (الفنان كمصمم)، ملائم لتأويل مزدوج ، جمالي ووظيفي.
يتعلق الأمر بإضفاء طابع تناظري على السطح والشكل، من أجل كسب أكبر درجة من الأصالة وتوليف معطيات ملونة إبداعية تستلزم أصالته، بهدف إنجاز عمل إبداعي.
هكذا، يحيل ادريس الأمامي على الجلد الذي يبقى من وجهة نظره المثال النموذجي للغته الصباغية».
ويضيف بن حمزة: «يحرص الفنان على إبراز مظهره الفرجوي من الحور إلى الحد، مع الحفاظ على مجموع التشكيلات الأولية وجغرافيا الأشكال التناسلية التي يتم تلاقيها أثناء التحضير. الشعر الذي يغطيه يكون أحيانا مجردا جزئيا ومورطا فعليا في اللعبة اللونية، حيث تشكل صباغته الطبيعية مادة متكاملة تساهم في تحديد الأشكال وتداول المعنى.
إن تلوين الجلد مَدين للنمط الانطباعي، لكن هذا الأمر لا يعني كثيرا بالنسبة إلى الفنان، الذي يمنح الامتياز للتعبير وللحركة.
وللنغمات دور تكميلي، فهي تصف، من جهتها، خصائص جو مكتسَب، في غالب الأحيان، للاحتفاء.
يقوم الأمامي -قدر الإمكان- بتبسيط مواضيعه المحمَّلة بالذاكرة. تستهدف مشاهده النوعية والفريدة تثمين المظهر الاجتماعي المتجذر في المشهد المغربي، فهي تنسج حوارا مستمرا مع الجذور، مبرزة أحيانا شخصيات نموذجية يمنحها الفنان بعدا رمزيا. يحرص الأمامي على ملاءمة سياق تمثيلاته، بالنظر إلى الحاضر، دون أن يتردد في رفع لواء الهوية الأمازيغية، نموذج إثني مندمج في الإطار ومتباين بالنسبة إلى التقاليد في آن معا، يعزز حصيلة العناصر التشكيلية بالوكالة، كنوى شجرة أركان وأزرار السترة ورقائق المجوهرات التقليدية.. إلخ.
يشرع في نوع من «المونتاج» ويقوم بلصق أو خياطة الجلد «عناصره المستعملة من جديد»، مميزا بذلك فنا للانتماء تثير الانتباه كليا التضادات الموفقة ونوع من العمق النابع منها. تتلخص إنتاجات ادريس الأمامي، إجمالا، في نشيد حقيقي للأمازيغية التي تبقى مغربية. ويبرز أسلوبه التشخيصي إحساسا عميقا وتواطؤا دامغين، من منظور التاريخ الراهن.
من جانبه، يرى عبد الله الشيخ أن الأمامي يدعونا إلى سبر أغوار عالم خالص ومؤمْثَل ومختزَل على نحو تشكيلي بليغ، حيث المشاهد مؤثثة عن طريق العلامات المتخيلة للفعل الحركي وللكائنات المرتبطة بالأشكال المحيلة على الذاكرة الأمازيغية.
عالم فاتن تصويري وتخطيطي، في آن معا، يتقدم كخليط منسجم للأشكال والنغمات اللونية. يجعل هذا الحس التشكيلي العميق والضمني من الفنان مرجعا داخل مشهد الرسم المغربي المعاصر.
ويضيف الشيخ: «تحيل النغمات اللونية المحمَّلة برمزية طبيعية على عالم صغير مبنْيَن، بشكل لافت، ومستوحى من الطبيعة الداخلية للفنان، قصد تقعير البعد الخفي والباطني للمعالم والألوان: جوهر معيشه ومتخيَّله الشعبي.
بحذق ومهارة، يستثمر ادريس الأمامي، الملون الكيميائي، العلامات «السردية» و»الموسومة بهوية»، لكي لا يضع حدا لحقل العمل الفني المنجَز على الجلد. يتعلق الأمر بمجموعة متميزة من البنيات البصرية ذات الطابع الغرافيكي، حرة أحيانا ومسكوكة أحيانا أخرى، مؤكدا أننا أمام ملتقى للعلامات متعددة الأشكال التصويرية التي توحي بالعالم الحكائي لهوية الفنان الجماعية.
ويشير إلى أن فعل التصوير يتجاوز في بعده الرمزي الأشكال والعلامات ويمتح مصادر إلهامه من الفن الأمازيغي. هنا يتأكد المعنى الخفي لدى هذا الفنان الباحث، الذي يُدشِّن إدراك التجلي والجمال، من خلال الرجوع إلى الجذور.