يحتضن رواق 2 مارس بالدارالبيضاء، من 12 إلى 23 نونبر الجاري، معرضا تشكيليا يضم الأعمال الجديدة للفنان التشكيلي المغربي عبد الفتاح الجابري، التي تتمحور حول فكرة "المغرب ليس تجريديا".تندرج الأعمال الفنية للجابري ضمن المدرسة التشخيصية، فشخوصه حالمة وطافحة بنشوة الحلم والأمل والحنين إلى مدارج الألفة والتوحد، حيث الواحد في المتعدد والمتعدد في الواحد. ميثاق الجابري البصري، بيان ينشد الواقعية الحسية، إذ الألوان صافية كبياض الثلج ونتفه، ودافئة كظلال الجنوب وخيوط شمسه الذهبية، وعليلة كهواء الشمال وسواحله. وقال عبد الفتاح الجابري إن "أعماله تحتفي بذاكرة المكان، إذ قلما نجد فنانا يهتم بهذا الجانب في تعبيراته التشكيلية. فطبيعة المغرب الحبلى بالتنوع، تستفز ريشتي وألواني، وأجدني ممسوسا بورطة الصباغة، التي تحتفي في عمقها بمغربنا الجميل". وأضاف في تصريح ل"المغربية" أن ارتياد فضاءات المغرب الرحبة بمواضيع مختلفة، هو ثمرة مجهود معرفي وفلسفي. وأبرز الجابري "أن هذه المغامرة الصباغية تنفتح على المواطن وعلى المعيش اليومي. إنها ثقافة الصورة التي ترسخ لمبدأ وعي مواطني، لأن حب الوطن يسكنني، وأحاول أن أشخص كل الأشياء الكبيرة والصغيرة، التي تنتمي إلى هذه الرقعة المسماة المغرب الحي والنابض". وأوضح الفنان التشكيلي عبد الفتاح الجابري، أن معرضه الحالي مفتوح ومشرع على الأمل، ويسعى إلى توظيف واستثمار جمالية المغرب وغناه الثقافي والإثني والحضاري في أعماله الفنية، وزاد موضحا أنه حين يقف أمام السند الأبيض واللوحة العذراء، يجد نفسه منغمسا بكل جوارحه كي يشارك المتلقي في الورطة الجميلة، ورطة الصباغة. وقال إنه يؤرخ بالريشة والألوان لمغرب طالما ألهم الكثير من الفنانين التشكيليين الأجانب، الذين اعتمدوا التشخيص في تجارهم الفنية. وأضاف أن أعماله تبرز بأشهى التفاصيل وأدقها جانبا من الثقافة المغربية ومسلكياتها الروحية والمادية. كفنان تشكيلي انخرط في عالم الصباغة منذ حداثة سنه، ففي ال 15 من عمره تعلم كيف يحاور الريشة والصباغة والسند، وأدرك أيضا، أن الحديث عن الهوية هو أن تتحدث عن بلدك أولا، حسب مثل صيني، وبتعبير فلسفي "تحدث كي أراك"، هو حديث الجابري بلغة الفن والتشكيل. يمضي الجابري في مسيرته التشكيلية التشخيصية التعبيرية دون توقف، لينسج تجربة حالمة وفلسفية معا، عبر رصد الفضاء والزمن في أعماله الجديدة، التي تتعدى 40 لوحة تشكيلية، كل واحدة منها تحضن مكانا وذاكرة من المغرب. فأعماله تتجاوز السند فهي سفر عبر الأزمنة والفضاءات، حيث يؤسس لذاكرة جماعية، ويبعث الدفء والألفة والحنين في الكائنات والأشياء والأشخاص، المنذورين لقيم إنسانية حقيقية، وهم في الواقع سفراء للثقافة وحاملو رسالة إنسانية عظيمة، وهي مجرى قوتهم في الظهور والوجود. فلوحاته الجديدة تدعونا إلى الحلم بعيون مفتوحة على حد تعبير أحد النقاد الجماليين. من جهة أخرى، يقول عبد الفتاح الجابري إن "المغرب غني بتاريخه الحضاري، إلا أنه يتناول تشكيليا بطريقة تجريدية، لا توجد ذاكرة حقيقية للأمكنة والمواقع التاريخية"، من هنا يؤكد الجابري أنه يسعى في تجاربه التعبيرية إلى الاهتمام بهذا الجانب من الثقافة المغربية المتعددة الجوانب والغنية المشارب، ومن ثمة فهو يرصد الفلكلور المغربي بكل تجلياته، فلوحاته فضاء لإيقاعات كناوة، ورقصات "أحواش وأحيدوس والكدرة"، وفرسان "التبوريدة" "الفانطازيا"، و"الكرابة"، ومشاهد أخرى، وأماكن تاريخية تحكي حكايات ضاربة في القدم مثل باب تيزنيت، وباب أصيلة، فضلا عن مناظر طبيعية حالمة لكابونيكرو، وشاطئ المحمدية الهادئ، إلى جانب قصبات الجنوب المتميزة بهندستها المعمارية الفريدة. في رحلته الصباغية، يسعى عبد الفتاح الجابري إلى رد الاعتبار للأماكن الجميلة، والعادات والتقاليد المغربية المهددة بالاختفاء. بمثل هذه الرؤية الفنية، يرتاد الجابري مجالات المغرب الواسع وفضاءاته، بعيدا عن مقصدية اختزال الفنون الجميلة في "كليشيهات" ظرفية عابرة أو صور "كارتبوسطالية"، فالجابري يكتب القصيدة بريشة المبدع، وبألوان تحبل بأجواء الفرح والحلم والحنين الواعي المرح. في "المغرب ليس تجريديا"، وهو عنوان هذا المعرض الجديد، يؤرخ الجابري لقيم الحياة ولأفراح المغرب وللذاكرة الجماعية في تجلياتها المتعددة، وفي أحلامها الصغيرة والكبيرة، من ثمة فعالم الفنان الصباغي مفتوح على الواقعي، وعلى رصد أدق تفاصيل اليومي. عالم الجابري الصباغي يتسم بالرحابة، ويتسع للجميع، دون إقصاء أو تفضيل لأي عنصر من عناصر الوطن وذاكرته الجماعية. في معرضه يقدم الجابري أعمالا تكسر الحواجز ما بين الاتجاهات التشكيلية، إذ ينتصر للخصوصية المغربية، التي يبني بها قيم الذاكرة الحية لمغرب متسامح، وللمواطنة في بعدها الكوني.