فهم نيكولا ساركوزي باكرا، وقبل جميع خصومه السياسيين، أنه، لكسب رهان الرئاسة، يتوجب عليه، أولا، حسم وكسب معركة الإعلام. ولهذا الغرض، جند المعارف والأصدقاء والحواريين، من باترونات الشركات الكبرى والصحافيين النافذين في الإعلام المكتوب-المرئي-المسموع، لتسخيرهم لخدمته. وبما أن الرجل طليق اللسان، يقدم نفسه أمام الملأ على أنه «ابن التلفزيون»، فقد جاءت طلعاته التلفزيونية ومقابلاته على صفحات الجرائد هوليودية بالمعنى الاستعراضي ولسان حاله يقول «غادي ندير وغادي تشوفو». كان الرجل واثقا من وقوف الإمبرا طورية الإعلامية من ورائه، مثل مجموعة لاغاردير Lagardère النافذة في مجال الإعلام والتسلح، وكذا مجموعة بويغ Bouygues المهيمنة في مجال الإسمنت، وتكنولوجية الهاتف النقال والإعلام عبر قناة TF1، القناة الأولى. وفي 6 من مايو 2007، يوم فوزه برئاسة الجمهورية، جمع من حوله، في مطعم «الفوكيتس» الشهير الواقع بجادة الشان إيليزيه، كوكبة من الإعلاميين والفنانين ورجال الأعمال للاحتفال بنصره الكاسح. ساعة توزيع الغنائم والهبات على شكل تراخيص للبث الإذاعي أو التلفزيوني أو على شكل تعيينات، لم ينس ساركوزي رفاق الرخاء، أو من يسميهم ب«رفاق الفوكيتس»، أمثال لاغاردير وبويغ وفانسان بوليرو، صاحب قناة Direct 8، وسيرج داسو (المالك لمقاتلات داسو ولجريدة لوفيغارو)، الذين أنعم عليهم بهبات ثمينة وسمينة. بالموازاة، وتبعا لقانون الإعلام الجديد الذي طرحه وصوت عليه البرلمان في مارس 2009، قاد سياسة وخيمة تقوم على اقتلاع بعض مدراء الصحف من مناصبهم وامتصاص بعض الخصوم والكفاءات لنزع شوكتها واحتوائها داخل الجهاز الرسمي. إما عنوة أو عن غير قصد، «نجح» ساركوزي في تحويل من استقطبهم من السياسيين والمثقفين والإعلاميين إلى قردة سيرك. من إيريك بيسون إلى فاضلة عمارة وفريديريك ميتران، وأخيرا جان ليك هيس، الذي عينه مديرا لمجموعة «راديو فرانس»، أو فيليب فال، الصحافي والكاتب، الذي عمل مديرا لهيئة تحرير الأسبوعية الساخرة «شارلي هيبدو»، حيث أشبع، في كل الأعداد، المسلمين «سبان ومعيور»، بعد صدور الرسومات الكاريكاتورية ضد النبي محمد (ص)، والذي عهد إليه بمهمة تسيير «فرانس أنتير» France-Inter. ساركوزي يعرف كيف «يبيع القرود ويضحك على من شراها!». بعد تعيينهما، عهد إذن إلى جان ليك هيس وفيليب فال بمهمة نزع شوكة الإعلاميين والصحافيين، وبخاصة الفكاهيين، الذين يناهضون الجهاز الساركوزي وحماته داخل «راديو فرانس». وكان أول من دفع الثمن و«بالخف» الثنائي الساخر، ستيفان غيون وديديي بورت، اللذين نشطا برامج الصباح على أمواج إذاعة «فرانس أنتير»، عبر اسكيتشات سياسية ساخرة، بل قادحة ضد السياسة والسياسيين، وبالأخص الوجوه الممثلة للساركوزية، بمن فيها جان ليك هيس وفيليب فال، اللذان لم يفلتا من الخبط و»التصباط». وعليه، وفيما ارتفعت نسبة المستمعين لإذاعة «فرانس أنتير»، تهاطلت على المنشطين الفكاهيين والإذاعة الدعاوى التي رفعها بعض من هذه الشخصيات، مثل إيريك بيسون وبريس هورتفوه وغيرهما. وبما أن الفرنسيين شديدو الحساسية تجاه كل أشكال الرقابة ضد السخرية، عم التذمر والاستياء العاملين والمستمعين إلى إذاعة «فرانس أنتير»، الذين صبوا جام غضبهم على فيليب فال، الداعي بالأمس، لما كان على رأس «شارلي هيبدو»، إلى المقاومة لنصرة الفكاهة والسخرية وإنقاذ قيم الجمهورية من مخالب «الزحف الإسلامي»! واحتجاجا على هذا الإجراء، خرج المستمعون والعاملون يوم الخميس في وقفة احتجاج أمام مقر «راديو فرانس». بعد استدعاء ساركوزي لإيريك فوتورينو، مدير جريدة «لوموند» وتحذيره من عرض الثلاثي بيار بيرجي وماتيوه بيغاس وغزافييه نيل، صادق مجلس مراقبة جمعية «لوموند» بالإجماع على العرض الذي تقدموا به للدخول في رأسمال الجريدة، (الشيء الذي يشكل صفعة لساركوزي)، يوجد الإيليزيه اليوم في قلب سجال صاخب يخص تعيين الرئيس الجديد ل»فرانس تلفزيون»، خلفا لباتريك دو كاروليس على رأس هذه المؤسسة التي سيرها لمدة خمس سنوات بتعيين من المجلس الأعلى للإعلام. في البداية، شاع خبر تعيين ساركوزي لألكسندر بومبار، رئيس إذاعة «أوروب رقم 1»، التابعة لشركة لاغاردير. المعروف عن بومبار أنه من الحاشية المقربة إلى ساركوزي. وبسبب فضيحة الدولة التي تهز فرنسا هذه الأيام والمعروفة بفضيحة «إيريك فورت»، نسبة إلى وزير الشغل المورط وزوجته فيما أصبح يعرف ب»قضية ليليان بيتانكور»، صاحبة شركة «لوريال»، تراجع ساركوزي عن هذا التعيين ليخرج من «خيشة» حاشيته ريمي بفليملان، المدير العام لشركة «بريستاليس»، الموزع الوطني للصحف والمنشورات. ولربما عين إلى جانبه جان-بيار كوتي الذي تقلد مسؤوليات كبرى في مجموعة لاغاردير! وهكذا، تتجه دار «راديو فرانس» و«فرانس تلفزيون» إلى أن تصبحا بوقا لسيدهما!