أمست قضية المشاركة السياسية للمرأة المغربية تفرض نفسها بإلحاح شديد من خلال المرحلة الإنمائية التي يشهدها المغرب الراهن، وكذا المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المصاحبة لهذه المرحلة. والواقع أن ملامسة هذا الموضوع تتداخل فيها بقوة مختلف الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فقضية مشاركة المرأة في الحياة السياسية تطرح اليوم في كل المجتمعات الإنسانية، حيث تختلط فيها الرؤية بين التقاليد والقيم المجتمعية مع ما ينتج عن هذا الخلط من حواجز متعددة تحول دون قيام المرأة بدور فعال في بلورة تنمية مستدامة مثلما تبعدها عن إدراك المتغيرات المحيطة بها. تقودنا هذه التوطئة إلى طرح سؤال مركزي ألا وهو: كيف يمكن ضمان مشاركة سياسية فاعلة وفعالة للمرأة المغربية في الحقل السياسي بشكل عام؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل تجدر بنا الإحاطة بمسار تطور المشاركة السياسية للمرأة والتي انطلقت في القرن التاسع عشر من قبل الحركات النسوية الأمريكية والبريطانية، بيد أن المشاركة السياسية للمرأة لم تتطور بشكل ملحوظ إلا مع بداية القرن العشرين، فقبل الحرب العالمية الأولى لم يكن يسمح للمرأة بالتمتع بحق التصويت إلا في أربع دول هي: فيلاندا وأستراليا والنرويج ونيوزيلندا، التي كانت أول دولة سمحت للمرأة بالتصويت انطلاقا من سنة 1893. بل أكثر من ذلك، نجد العديد من الدول التي شهدت موجة ديمقراطية عارمة في مجال التمثيلية النسوية قد عرفت ارتدادا ملحوظا في هذا المجال، كألمانيا والنمسا، نتيجة لبروز جملة من المعوقات التي تحول دون مشاركة سياسية فاعلة وفعالة للمرأة على الصعيد العالمي. الواقع أن هذه المعوقات تختلف تمظهراتها بين الدول المتقدمة ونظيرتها السائرة في طريق النمو، وإن كانت هناك قواسم مشتركة تحضر فيهما معا كإشكالية تسلط النزعة الذكورية على إدارة الدولة ومؤسساتها وسوق العمل والاقتصاد، واحتكار المناصب العليا من قبل الرجال، حيث يحضر هذا العائق حتى بالنسبة إلى الدول المتقدمة. أما في الدول السائرة في طريق النمو فنجد جملة من العوائق الذاتية والموضوعية التي تحول دون تحقيق مشاركة سياسية نسوية قوية، نذكر من أبرزها: عدم وعي المرأة بأهمية مشاركتها في العمل السياسي. - تقسيم الأدوار التقليدية بين الرجل والمرأة في الأمور الاجتماعية والأسرية، حيث تتحمل المرأة دوما العبء الأكبر في تربية الأطفال ورعاية الأسرة. هيمنة النظام الأبوي والأبوية المستحدثة على البنية المجتمعية بالدول السائرة في طريق النمو. - الفجوة الكبيرة بين إقرار نصوص الدستور والقوانين المنظمة لحق المساواة بين الرجل والمرأة وبين إعمال تطبيقها على أرض الواقع. - تفشي ظاهرة الفقر في كثير من دول العالم وحصول المرأة على حصة الأسد من الفقر العالمي، وخاصة في القارة الإفريقية والآسيوية، ومن ثم ظاهرة الاتجار بالنساء من تلك الدول الفقيرة إلى الدول الغنية واستعباد المرأة. - ظاهرة تفشي الأمية وانخفاض المستوى التعليمي للنساء في العديد من مناطق دول العالم الثالث بشكل يعرقل مساعي الارتقاء بنسب التمثيل السياسي للمرأة. - توظيف النساء في أعمال خدماتية تقليدية، وبالتالي تدني رواتب النساء وضعف موقعهن الوظيفي والاقتصادي والذي يعتبر من العوائق الكبيرة أمام تمكين المرأة من أن تصبح عنصرا هاما ومؤثرا في مؤسسات صنع القرار. تنعكس هذه المعوقات على محدودية المشاركة النسوية في مراكز القرار السياسي. فحسب آخر دراسة أعدها الاتحاد البرلماني الدولي والأمم المتحدة حول تموقع النساء في المؤسسات المنتخبة سنة 2008، نجد رواندا تتصدر قائمة التمثيل النسائي في البرلمان بنسبة تبلغ 49 في المائة، بينما تحتل السعودية وقطر وسلطنة عمان الصفوف الأخيرة. المفارقة هنا أن احتلال رواندا للمرتبة الأولى لم يكن نتيجة لجهود ديمقراطية حثيثة أقدم عليها هذا البلد، بل نتيجة للحرب الأهلية التي أفضت إلى إقبار الرجال، بحيث تحول المجتمع الرواندي إلى مجتمع نسائي بامتياز. لقد كشفت الدراسة نفسها أن 18 في المائة من النواب في العالم نساء، وأن 16.1 في المائة من المناصب الوزارية تشغلها نساء. ويمثل الرقمان زيادة بنسبة اثنين في المائة على دراسة نشرت للمصدر نفسه سنة 2005، إذ لأول مرة توجد دولتان هما: فنلندا والنرويج تولت فيهما النساء أكثر من نصف المناصب الوزارية. وحسب الاتحاد البرلماني الدولي، فقد تمكنت خمس دول في أوربا الشمالية فقط من تجاوز نسبة 40 في المائة المحددة من قبل هذه الهيئة الدولية كضمان على وجود تمثيلية نسوية وازنة، وهي: السويد والدانمارك وفنلندا والنرويج وإيسلندا، حيث أتت السويد في المركز الثاني بنسبة 47 في المائة، ثم فنلندا في المركز الثالث بنسبة 41.5 في المائة فيما تراجعت فرنسا إلى مرتبة متأخرة، إذ تبلغ النسبة 3.12 في المائة في الجمعية الوطنية و9.10 في المائة على مستوى مجلس الشيوخ، فيما تحتل سويسرا المرتبة ال27، حيث يبلغ التمثيل النسائي 23 في المائة على مستوى المجلس الوطني و6.19 في المائة في مجلس الكانتونات. أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فتحتل المرتبة ال57، حيث تشكل النساء 14 في المائة في مجلس النواب و13 في مجلس الشيوخ، بيد أن أهم إنجاز يحسب للمرأة الأمريكية في هذا الصدد هو وصول الديمقراطية بيلونشي إلى رئاسة مجلس النواب الأمريكي عقب الاستحقاقات التشريعية الأخيرة. وبالنسبة إلى القارات تأتي القارة الأوربية في المرتبة الأولى من حيث التمثيل النسائي في برلماناتها، إذ تبلغ 9.16 في المائة، تليها آسيا ب9.14 في المائة، ثم إفريقيا ب5.13 في المائة، فأمريكا الشمالية ب4.16 في المائة، وأخيرا منطقة المحيط الهادي بنسبة 2.15 في المائة. أما على مستوى العالم العربي، فقد كانت جيبوتي أول دولة عربية تمنح المرأة الحق السياسي سنة 1946، لكنها لم تمنحها حق التصويت في الانتخابات إلا مع حلول سنة 1986، ورغم ذلك لم تلج إلى البرلمان حتى الآن سوى امرأة واحدة. وفي لبنان، حصلت المرأة على حق التصويت والترشيح انطلاقا من سنة 1952، لكنها لم تنجح في ولوج البرلمان إلا في سنة 1991، في حين حصلت جارتها سورية على حق التصويت في سنة 1953. ولا يختلف الأمر كثيرا في مصر، حيث حصلت المرأة هناك على حق التصويت سنة 1956، لكنها كانت سباقة إلى دخول البرلمان بعد عام واحد فقط، لتكون أول امرأة عربية تشارك في العمل البرلماني. وفي عام 1959، حصلت المرأة التونسية على حق العمل السياسي، تصويتا وترشيحا، تلتها موريتانيا التي أقرت هذا الحق عام 1961، لكن المرأة الموريتانية لم تصل إلى البرلمان إلا في عام 1975. وبالنسبة إلى المرأة الجزائرية، فقد حصلت على حق التصويت والترشيح سنة 1962، ثم جاءت المرأة السودانية التي حصلت على حقها السياسي سنة 1964، ثم الليبية في العام نفسه، ثم اليمنية التي حصلت على حق التصويت والترشح سنة 1967، لكنها لم تلج البرلمان إلا في سنة 1990. أما المرأة الأردنية، فقد حصلت على حقها السياسي سنة 1974 واقتحمت البرلمان سنة 1989. وقد احتل الأردن حاليا المركز ال120 بين دول العالم في لائحة التمثيل النسائي في مجلس النواب بنسبة 6,4 في المائة، في حين كان يحتل المرتبة ال122 بنسبة بلغت 5,5 في المائة عام 2006. ووفق الدراسة سالفة الذكر، فإن نسبة تمثيل المرأة الأردنية في مجلس الأعيان بلغت 12,7 في المائة، مما قاد إلى تقدم الأردن عالميا في نسبة التمثيل النسائي في البرلمان بنحو نقطتين جراء فوز سيدة بمقعد تنافسي إلى جانب السيدات الست اللواتي حصدن مقاعد الكوتا النسائية في الانتخابات الأخيرة. وعلى مستوى بلدان الخليج العربي، نجد أن المرأة العمانية حصلت على حق العمل السياسي عام 1994، أي قبل أربع سنوات من شقيقتها القطرية فيما التحقت المرأة الكويتية بالركب عام 2005 رغم أن محاولاتها للحصول على حق العمل السياسي انطلقت في سنة 1971. وعلى الرغم من هذا التقدم النسبي، فإن هناك تخوفا من ألا تتحقق المساواة بين الجنسين في البرلمان قبل عام 2050، لذلك طرحت مسألة التمثيل النسائي على جدول أعمال الاتحاد البرلماني الدولي بقوة، ليحدد هذا الاتحاد نسبة 30 في المائة من المقاعد للنساء، بيد أنه لا توجد اليوم سوى ثلاثين دولة التي تمكنت من الوصول إلى تلك النسبة، وهذا يعني أن هناك ما يزيد على 170 دولة على الصعيد العالمي مازال فيها التمثيل السياسي للمرأة دون النسبة التي تجعل النساء قادرات فعليا على التأثير على القرار السياسي بشكل يخدم مقاربة النوع الاجتماعي. يتبع...