شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة مفهوما جديدا في تدبير طقوس الفرجة وهندسة أكربول الساحة. وبعيدا عن القيمة المضافة التي تفرزها هذه المهرجانات، فهي من وجهة نظر صرفة تعتبر ظاهرة إيجابية لأنها تشيع ثقافة الفرح بين المغاربة، ولأنها تؤسس لتقاليد جديدة في الفرجة، قوامها الساحة العمومية والفضاء المفتوح بعيدا عن القاعات المغلقة. هي طقوس وطقوس في مغرب متحول ومتعدد. اعتبر إبراهيم لمزند، المدير الفني لمهرجان «تيماتار»، الذي يقام في مدينة أكادير أن الدورة الخامسة من المهرجان ستخصص حيزا أكبر للأصوات الفنية الشابة، وللاحتفال بكافة التيارات الموسيقية المغربية من أمازيغية وعربية، وقال: «لقد اعتدنا منذ الدورة الأولى العناية الشديدة بالموسيقى المغربية الشابة في كافة تلاوينها وإعطائها المكانة التي تستحق، كما عملنا، وهذه خصوصية المهرجان، على الاحتفاء أكثر بالموسيقى النسائية من خلال تخصيص ليلة ضمن المهرجان لسهرة الأصوات النسائية، وقد أصبحت هذه السهرة تقليدا سنويا ضمن المسار العام للمهرجان». ويرى المدير الفني لمهرجان «تيمتار» أن المغاربة تطوروا على مستوى الفرجة وأصبحت لهم تقاليدهم الخاصة، سواء على مستوى الانضباط في السهرات المفتوحة أو على مستوى التفاعل الإيجابي مع الفنانين، وقال إن المهرجان يحقق سنويا ما يقارب نصف مليون متفرج، أي بمعدل 100 ألف متفرج في السهرة الواحدة. المغاربة يتعلمون تقاليد الاحتفال في المكان المفتوح وحول ما إذا كان الجمهور المغربي ناضجا بما يكفي للاحتفال في الساحات العامة ولحضور سهرات من هذا القبيل، يرى مومو وهو مؤسس مهرجان البوليفار في الدارالبيضاء أن الدورات الماضية بينت أن الجمهور المغربي يتحلى بالكثير من روح الفرجة، وأن هذه التقاليد بدأت تترسخ دورة بعد أخرى في الوقت الذي كان فيه من المستحيل تماما أن تنظم سهرة في ساحة مفتوحة بدون الاستعانة بأجهزة الأمن. وقال إن الجمهور يتعلم أيضا تقاليد الفرجة، بل إن حبه للموسيقى جعله يعيد اكتشاف الكثير من جوانب غنى التراث الثقافي والموسيقي المغربي، والتي كانت إلى عهد قريب موسيقى جامدة في القواليب التقليدية لكن اشتغال الموسيقى الشابة عليها جعلها اليوم تحيى في وجدان الشباب. يرى مومو أن احتفالية المهرجان تعكس الوجه الصحي للثقافة المغربية، وكل ما نحتاجه اليوم هو المزيد من الاعتناء بالبنيات التحتية، فالأماكن والساحات التي تجرى بها معظم المهرجانات الموسيقية وغيرها أصبحت «بيريمي» وتحتاج إلى إعادة تأهيل وصيانة حتى تستجيب لمقاييس الفرجة الحديثة. وقال إنه رغم قلة الإمكانيات ورغم التنظيم الذاتي لمعظم هذه المهرجانات فإن البوليفار على سبيل المثال يحقق في كل ليلة أكثر من مائة وخمسين ألف شابة وشابة يأتون طوعا إلى ساحات السهرات الموسيقية. محمد قاوتي: حذار من التسيب يحذر المسرحي المغربي ورئيس تعاضدية الفنانين المغاربة محمد قاوتي من التسيب والسهولة التي يمكن أن تطال المهرجانات الفنية والثقافية في المغرب، واعتبر أن المهرجانات على وجه العموم ظاهرة إيجابية، حتى وإن كان يجب أن تمر منذ الآن من الشكل الذي هي عليه إلى مهرجانات مهيكلة وقائمة على تصور واضح. وأشار قاوتي إلى أنه من الضروري دمقرطة الفرح حتى تنتزع ظاهرة المهرجانات من الآثار السلبية التي يمكن أن تلحقها. وذهب إلى أن أسهل مدخل أمام هذه المهرجانات هو أن يكون لها دفتر تحملات واضح، تكون قادرة على الوفاء به، بعيدا عن المتاجرة بفرح المغاربة، والتي يمكن أن تحمل في طياتها الكثير من الانزلاقات مثل تهريب المال العام وتهريب مال الاحتضان وغيرهما من الظواهر السلبية التي تجعل المهرجان بابا من أبواب الارتزاق. من الأكيد تماما أن هناك توجها شبابيا كبيرا نحو أسلوب المهرجان، سواء على مستوى الفرق الغنائية أو على مستوى الجمهور الذي يحضر إلى الساحات العامة لمتابعة السهرات، ولو كنت عالم اجتماع لما ترددت في دراسة موجة الموسيقى الشابة، لأنها ترتبط بشيء أساسي وهو سوسيولوجيا المدينة، من قبيل موسيقى البوليفار التي استطاعت أن تؤطر جمهورها، وفرضت نفسها بعد ذلك ليس في المهرجانات ولكن أيضا في وسائل الإعلام العمومية وأصبح مرورها في التلفزيون وفي الإذاعة شيئا مستساغا، بعد أن قوبلت في البداية بتحفظ من المجتمع ومن وسائل الإعلام. وكل هذا يرتبط بالقدرة على إنتاج الخطاب الفني ومدى فاعلية الفرق الموسيقية الشابة في الدفاع عن خطابها على مستوى الممارسة اليومية.