أكد القاص المغربي أحمد بوزفور أن الوضع الثقافي في المغرب جد مؤسف، بالنظر إلى الوضعية العامة لبنيات الإنتاج الثقافي المهلهلة، وذهب بوزفور، والذي كان يتحدث في لقاء ببني ملال على أن الكاتب المغربي بل يبيع إلا بضع مئات من كتابه والباقي تأكله الشمس. استضافت جمعية أصدقاء الكتاب ببني ملال الكاتب المغربي أحمد بوزفور في إطار الدورة الثامنة من احتفاليات الجمعية باليوم العالمي للكتاب بمقر أكاديمية تادلة، أزيلال وشارك في الندوة عبد الجليل ناظم ممثلا لدار توبقال للنشر، ومحمد رقيد أستاذ اللسانيات بكلية عين الشق بالدارالبيضاء، كما شهدت حضور ثلة من التلاميذ المشاركين في مسابقة اليوم العالمي للكتاب التي تنظمها الجمعية كل سنة لأحسن قراءة. بعد كلمة ترحيبية لرئيس الجمعية أحمد اللويزي، طرح مسير الندوة محمد الفيزازي في تقديمه مجموعة من الأسئلة، من أهمها: ما الذي تغير في سوق النشر؟ وما هي وضعية الكتاب في المغرب ؟ وكيف هو الوضع المادي والاعتباري للكاتب والناشر والموزع؟ وما هو حال القراءة والقارئ /المستهلك؟ هل وصل أحمد بوزفور إلى ما أسماه «السر الأعظم الذي يحلم بالوصول إليه كل كاتب؟ « ما درجة حرارة النشر في المغرب؟ وأين دار توبقال للنشر مما قاله أحمد بوزفور عند رفضه لجائزة الكتاب (عام 2004): «كيف أقبل جائزة عن كتاب طبعت منه 1000 نسخة ولم توزع منها سوى 500 نسخة في مغرب تتجاوز ساكنته 30 مليون نسمة..»؟ وما موقع «حرفة الشؤم»، أي حرفة الكتبيين الوراقين حسب تعبير أبي حيان التوحيدي؟... الكاتب أحمد بوزفور وفي مداخلته التي عنونها ب«حقوق المؤلف» نبه منذ البداية إلى أنه «لا يقصد الحقوق المادية، بل الحقوق الإستراتيجية لكي ينتج المجتمع مؤلفين يقدمون إنتاجا جيدا وجديدا للمعرفة. وحدد هذه الحقوق الاستراتيجية في ثلاثة أساسية يجب أن تتوفر لمؤلفي الغد الذين هم أطفال اليوم». أول هذه الحقوق حسب بوزفور «الحق في المعرفة»، وهو إن كان حقا للجميع، لكي ننتقل إلى الكم ثم إلى الكيف، فهو بالنسبة إلى المؤلف شرط وجود. واعتبر بوزفور أن «الكتابة لحظة بين قراءتين، وفضيلة بين رذيلتين»، فالكاتب قبل أن يكتب، يجب أن يقرأ، وبعد أن يكتب، يجب أن يقرأ ويقرأ، فالكتابة بنت القراءة وأمها، ولتحقيق هذه الغاية لا بد من إتاحة القراءة للجميع، بتوفير الكتب بأثمان تشجيعية للإغراء بالقراءة . وثاني الحقوق، حسب بوزفور، «الحق في الحرية»، فالحرية عنده هي دواة الكتابة وحبرها، والأنظمة القديمة ترفض الجديد وتصر على السكون بإنتاج التكرار والتقليد، أو بعدم الإنتاج أصلا، وهي مصادرة للحريات، وأكد أن الجبهة الداخلية هي الأخطر، فأعداء الجديد كثيرون... بينما الأنظمة الحديثة تشجع الإبداع وتتيح المزيد من الحرية والاختلاف. وهذا ما نفتقده في العالم العربي.. وثالث الحقوق التي للمؤلف، يؤكد أحمد بوزفور، هو «الحق في التلقي»، فالمؤلف يقرأ قبل أن يكتب، ويحتاج إلى أن يُقرأ بعد أن يكتب، ولن يتأتى هذا إلا بنشر الكتاب على نطاق واسع، وهذا ما لم يحدث في بلادنا، بل وقع ما أسماه «البخل في القراءة» أي تراجع القراءة بشكل كارثي. وضرب مثلا بحقبة السبعينيات حيث كانت تطبع 3000 نسخة من كل مجموعة قصصية، تباع منها 2000 نسخة على الأقل في العام الأول، واليوم لا تطبع سوى 1000 نسخة ولا تباع منها إلا بضع مئات (باللجوء إلى التوزيع الذاتي). وتساءل: لماذا هذا التراجع؟ وقدم الكاتب أحمد بوزفور ثلاثة شروط موضوعية يجب الاهتمام بها إذا أردنا تطوير فعل القراءة ومن ثم الكتابة والإبداع. أولها مسألة النشر وغياب القطاع العام في مجال دعم الكتاب، وتوفير أسباب انتشاره، وأكد بوزفور أن القطاع العام يجب أن يكون قائدا في مجال النشر والتوزيع والدعاية للكتاب بمختلف الوسائل وتيسير سبل الحصول عليه واقتنائه بأثمان تشجيعية، وهذا، حسب بوزفور، «من أوجب واجبات الدولة، فبدل أن تدعم الناشرين (وأحيانا بأساليب مشبوهة) عليها أن تدعم المبدعين، وتوفر لهم أسباب النشر والانتشار..». ثانيها التوزيع، واعتبره الكاتب بوزفور مجالا بطيئا، بل تكون هناك أحيانا قطيعة بين المناطق الجغرافية في المغرب، وفسر ذلك بكون «كتب تطبع، مثلا، في طنجة وتطوان لا تصل إلى الدارالبيضاء، فبالأحرى إلى بني ملال، وكتب تطبع في الجنوب ولاتصل إلى الشمال..» وأكد بوزفور أن «التوزيع من واجبات الدولة، فعليها أن توصل الإبداعات إلى المدارس والكليات والمكتبات والسفارات المغربية. في غياب اهتمام القطاع الخاص ورجال المال بهذا الميدان..». ثالثها المتابعة والحوار والنقد، وأكد بوزفور أن «إنتاج الكتب حتى ولو بدا من الناحية الكمية قليلا، فهو يحتاج إلى متابعة وممارسة نقدية، وهذه من الحقوق المعنوية الكبيرة التي من حق المؤلف». وختم الأستاذ أحمد بوزفور مداخلته بمقارنة فاضحة لوضعية إنتاج الكتاب وقراءته التي وصفها بالوضعية الكارثية بالمغرب والتي تتطلب نضالا بدون توقف لتوفير الحق في المعرفة، والحق في الحرية، والحق في التلقي لأبنائنا، فبدون توفر هذه الحقوق يظل المجتمع عقيما. «فحسب تقرير لليونسكو، تنتج أوربا معدل 35 كتابا لكل مواطن في السنة، بينما في البلاد العربية لا يُنتج سوى كتاب واحد في السنة لكل ثمانين مواطناً ولا يتجاوز متوسط القراءة 6 دقائق للفرد في السنة، وفي أية شروط؟ «، يتساءل الكاتب أحمد بوزفور.