تجلس صامتة داخل غرفتها الصغيرة بإحدى المصحات الخاصة بالدار البيضاء. عيناها تتطلعان كثيرا باتجاه النافذة حيث الضوء والشمس. لا تتحرك كثيرا ولا تدير رأسها، وفي تجاهل للألم تقول «شكرا لك» وراء ابتسامة بريئة أخفت لثوان معدودة جرح السكين تحت شفتيها، وبأدب لطيف تقول بكلمات مقتضبة «أرجوك أخف عيني بالشريط الأسود» دون أن تنسى آخر كلماتها قبل أن تدخل إلى غرفة العمليات الثلاثاء الماضي، حين صاحت في وجه والدها: «سأموت يا أبي..». الثلاثاء الماضي، يغادر «مومو»، مجنون هند الذي حاول قتلها، قاعة الامتحان في منتصف اليوم، بعد أن اجتاز آخر اختبار للباكلوريا في مادة الرياضيات، سيخرج من الباب الرئيسي لثانوية اليوطي بالدار البيضاء، ثم سيقرر العودة في الواحدة والنصف ظهرا إلى القاعة التي تجتاز فيها هند آخر امتحان لها في اللغة العربية، «سيقف أمام باب قاعة الامتحان وسيبدأ في النظر إليها بطريقة غريبة أخافت هند وأربكتها»، يحكي الوالد نقلا عن ابنته هند، «سينظر إليها لبعض الوقت وسيغادر». هند تنظر إلى والدتها ثم تتأمل جروحها وكل الضمادات على يديها، تتحدث بصعوبة وبكلمات مقتضبة وتبتسم ببراءة حين تسمع: «لقد أخبروني أنك تلميذة مجتهدة». الثالثة والنصف بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي، تغادر هند حجرة الامتحان. تشعل هاتفها النقال. تركب رقم والدها خالد وتقول: «آلو.. أبي لقد أنهيت آخر امتحان وسأنتظر السائق مع صديقاتي ليقلني إلى البيت». تقفل الخط وتبدأ في الحديث إلى زميلاتها، وفي غمرة الانشغال بالامتحان والحديث والمكالمة الهاتفية سيهجم عليها «مومو» من الوراء، يمسكها من شعرها، يجرها إلى الخلف بعنف، يخرج سكين «الكيتور» الحادة، تظهر الشفرة اللامعة، تخترق العنق، تُراق الدماء على ملابسها، تشاهد الدماء ولا تصرخ، «مومو» يضربها بجنون في كل أنحاء جسدها النحيف، جرح غائر على خدها وآخر تحت شفتها السفلى وثالث على ذراعها ورابع على كتفها، فيما هي «تمسك عنقها بكلتا يديها وتبتسم لكل من وقفوا يشاهدون المجزرة دون أن يتدخل أحد منهم، حتى رجال الأمن الخاص بالثانوية»، يصرح الأب خالد قبل أن يبدأ في ذرف دموع حارة يتبعها ب«الحمد لله على كل شيء». «إنها الآن تحت صدمة الاستيعاب الحقيقي لما وقع»، كما شرح طبيبها، أو بالأحرى هي الآن تدرك أنها كانت أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، تدرك أنها كانت ستغادر هذا العالم دون أن تعرف نتائج الباكلوريا، دون أن تتلقى التهاني بنجاحها، دون أن ترسل طلبات الولوج إلى المعاهد العليا. «لقد كان مجنونا بها ولكنها كانت مجنونة بدراستها»، يقول أحد زملاء هند الذي كان يزورها في المشفى صباح أمس، ويضيف: «لقد اعتدى عليها بوحشية وعندما تدخلنا كان كل شيء قد وقع»، لكن ما سيكشف عنه زميل هند في الدراسة هو أن «مومو لم يكن عاديا، فكما لو أنه تناول شيئا ما أفقده صوابه»، رغم أن «مومو» كان معروفا لدى الجميع ب«عاشق هند» ولم يكن أحد يتجرأ على التحدث إليها، لأنه كان يضرب كل من يقترب منها أو حتى يتجرأ على النظر إليها، لكنه لم يكن يتجاوز هذا الحد، «لقد ظل يطاردها دائما، وهي تشتكي من إزعاجه لها دائما ولمدة 5 سنوات»، يقول والدها، هذا الأخير الذي تقدم بشكاية إلى إدارة ليسي اليوطي في السنة الماضية، وتدخلت الإدارة في حق «مومو»، كما كان الأب خالد يفكر في إبلاغ الشرطة بعد تكرر مضايقاته لابنته خلال هذه السنة. صباح أمس عرض «مومو» على النيابة، لتنتهي «قصة حب ماشوسية».