تشتهر «مولاي بوسلهام» ببحرها الجميل، وبمحميتها الطبيعية «المرجة الزرقاء» التي تستضيف المئات من الطيور المهاجرة كل موسم صيف، لكن حقول المنطقة ذات الأرضية الصلبة تستقطب طوال السنة، وخاصة خارج موسم السياح، طائرات خاصة جعلت تهريب المخدرات يأخذ طابعا خاصا. فما هي بنية هذه العصابات «الطائرة»؟ وما دور المغاربة في نشاطها؟ ولماذا يتواصل طيران المخدرات بالمنطقة القريبة من شمال المملكة رغم سقوط العديد من الرؤوس المدبرة في قبضة الأمن؟ لم تعرف شاكيرا لماذا تم طردها في وسط الليل من الفيلا، التي تم استقدامها إليها ذلك المساء للاكتفاء بلعب دور «بارميطا» عوض ممارستها للدعارة التي اشتهرت بها ببوسلهام، هذه القرية الجميلة التي وضعت «المرجة الزرقاء» حزاما لها يزينها أمام أمواج البحر التي تستقطب آلاف الزوار كل موسم صيف.. لكن الذي جعل شاكيرا تتعرض لذلك الطرد من نوع خاص لا يرتبط بسهرات السياح الصيفيين لقرية سبعة رجال، ولا بالفلاحين الذين يزورونها لقضاء مآرب خاصة.. إنه قدرها تلك الليلة أن تتواجد بين أحضان عصابة من نوع غير معتاد.. فإذا كان يحلو لزوار مولاي بوسلهام أن يركبوا أمواج بحرها، أو أن يتجولوا بزوارق صغيرة وسط البركة التي يتواجد بها عدد كبير من أصناف الطيور المهاجرة خلال كل صيف، فإن زوار أجانب يحلون بها إضافة إلى موسم السياح كل خريف وشتاء لمزاولة «هوايات» أخرى.. وعوض أن يركب هؤلاء زوارق بحرية فإنهم يفضلون ركوب طائرات صغيرة تدر عليهم أرباحا طائلة.. فالذين وجدت شاكيرا نفسها مضطرة إلى سقيهم كؤوس الخمر لم يكونوا سوى أعضاء عصابة لتهريب المخدرات عبر الطائرات الخاصة... يقول ضابط سابق بأمن الحدود، ل«المساء»: «هؤلاء يدخلون المغرب بوثائق مزورة أو أصلية، قاصدين منطقة مولاي بوسلهام (حوالي 70 كيلومترا شمال القنيطرة) وهناك مغاربة يتعاونون معهم لإنجاح عمليات تهريب المخدرات إلى أوربا عبر الطائرات». فالعديد من عصابات التهريب الدولية، التي تعتمد على الطائرات الخاصة في نشاطها وتم تفكيكها، رفعت السلطات الأمنية الوطنية مذكرات بحث بشأن أفرادها إلى الشرطة الدولية «الأنتربول»، انطلاقا من معطيات توصل إليها المحققون من خلال اعترافات أعضاء «قواعدها المحلية» أي «المتعاونين معهم وشركائهم في جرائم التهريب عبر الطائرات من مغاربة مولاي بوسلهام والمناطق المجاورة»، يضيف نفس الضابط. غرف سرية للتخطيط وغالبا ما تتخذ هذه «الفرق التقنية» لعصابات التهريب من فيلات، تحظى بشبه حصانة من أي تفتيش أو مراقبة أو مساءلة، أماكن للتخطيط، غالبا ما تكون مطلة على البحر مباشرة، إنها «غرف سرية» لحياكة خطط التهريب عبر الطائرات، استعدادا لتنفيذها طوال فصل الخريف وخلال مراحل متقطعة من فصلي الشتاء والربيع. تتذكر شاكيرا تلك الليلة قائلة: «كنت أسقي مجموعة من المهربين الخمر، وهم يتحدثون مع الصبليوني ومعهم مغربي يترجم ما يقولونه، غير أن المفاوضات وصلت إلى الباب المسدود لأسباب لم أعرفها في حينها». فجدول أعمال الجلسة، تقول المتحدثة، كان هو «توزيع الأدوار في ما بين أفراد تلك العصابة الدولية بغية إنجاح عملية تهريب للمخدرات من منطقة مولاي بوسلهام، قبل أن يتلقى الصبليوني مكالمة هاتفية، كان من نتائجها طردي من الفيلا ليلا، وإلغاء التعامل مع هؤلاء السماسرة المغاربة». بعد يومين على وقوع هذا الحادث، ستكتشف شاكيرا أنها كانت وسط «مافيا دولية للتهريب، وأن وجودها كشخص غريب عن «فريق العمل» كان سببا في إلغاء جلسة الترتيب هاته. يدعم ما جاء على لسان شاكيرا ما تورده تصريحات عناصر تابعة لعصابات مغربية محلية جرى تفكيكها في إطار «الحرب الباردة على مافيات التهريب بالطائرات بجهة الغرب»، وهي تصريحات موثقة في محاضر الشرطة القضائية. فاستنادا إلى مقتطف من محضر استماع إلى أحد المتورطين في التهريب عبر الطائرات، يمكن الوقوف عند كون التهريب بالطائرات «تقف وراءه مافيات دولية لها «قواعد سند محلية، لا تستقيم لها ممارسة أنشطتها المحظورة بدونها». و«قواعد السند المحلية» هاته تتجسد في «سماسرة شراء الطريق عبر استعمال المال لاستمالة منتسبين إلى مصادر السلطة والنفوذ وتحضير الحمّالة من سكان دواوير مرشحة لاحتضان عمليات إقلاع وهبوط طائرات التهريب على أراضيها». ورغم تعدد عناصر ما يعرف بقواعد «السند المحلية»، فإن «الفرق التقنية» للمافيات، يقول (ح.م) من أبناء المنطقة، «تولي أهمية قصوى لما يصطلح عليه برايس الحمالة»، الذي له نفوذ يمكنه من لعب دور المنقذ في حالة وقوع حوادث عارضة، كتغيير الحواجز الأمنية فجأة مثلا. فلاحون في خدمة المهربين منذ الأسابيع الأولى من فصل خريف كل عام، ينخرط بعض القرويين بدواوير تقع بكل من جماعة أولاد بحار والدلالحة وسيدي محمد لحمر وعرباوة ومشرع بلقصيري.. في تقديم خدمات إلى المافيات بمجرد وصول طائرات التهريب. فهؤلاء البدو، يقول (ح. ص) وهو أحد العارفين بخبايا المنطقة، «تجدهم يتسابقون لتقديم الدعم والمساندة للمهربين، مقابل مدهم بتعويضات، وهكذا يتحول هؤلاء القرويون إلى حمالة صغار وحراس لعمليات إفراغ وشحن الطائرات التي تحط بأراضيهم بمعدل 5 إلى 8 مرات في الشهر الواحد. لكن التعويضات التي يحصل عليها هؤلاء لا تتجاوز بعض الحلويات وعلب سجائر وقارورات جعة إسبانية الصنع وأوراقا نقدية من فئة 50 درهما، يرمي بها ربان طائرة التهريب على رؤوس أهالي تلك المناطق بعدما يقلع مغادرا مطاره السري. لكن، هناك حمالة محترفون يتقاضون نحو 500 درهم عن الكيلومتر الواحد، وفق ذات المصدر. هؤلاء الحمالة، الذين هم من ذوي سوابق التهريب بالشمال، «يأتون أعمالهم المحظورة تحت إشراف ما يسمى ب«الرايس»، بواسطة سيارات رباعية الدفع وأخرى من نوع مرسيدس تدعى «المقاتلات»، وغالبا ما يعمدون إلى إحراقها بالكامل لإتلاف آثار الجريمة في حال انكشاف أمرهم من قبل دورية أمنية دخلت على الخط خارج المخطط الذي تم ترتيبه... يسترجع (ح.ص) أنفاسه وهو يتحسر على ما يلحق بأهله من القرويين «السذج»، حسب وصفه، من طرف مافيات التهريب، قبل أن يقول: «هؤلاء غالبا ما يتم اقتيادهم إلى غرف التحقيق، ومنهم من حوكموا بتهمة تكوين عصابة دولية للاتجار في المخدرات في وقت تواصل فيه العصابات الكبيرة أنشطتها المحظورة على نطاق واسع دون حسيب ولا رقيب». مصدر متتبع لهذه الظاهرة قال إن التقديرات تشير إلى أن «45 في المائة من عمليات التهريب عبر الطائرات تعرف سنويا نجاحا بجهة الغرب، و35 في المائة تتعرض للفشل، فيما 10 في المائة فقط هي التي تحبطها السلطات المغربية». أما المثير فهو أن «نسبة ال10 في المائة من عمليات تهريب المخدرات بالطائرات، التي تتمكن المصالح الأمنية من إحباطها، غالبا ما تكون الصراعات الطاحنة بين مافيات التهريب وراء الكشف عنها لدى الدوائر الأمنية المركزية بالرباط»، يقول مصدر مطلع، مستشهدا بحادث «الطيار الأمريكي المدعو جيمس ويلسون دوكلاص». المصدر ذاته، الذي رفض الكشف عن هويته، زاد قائلا: «إن صراع المافيات يظهر في اقتياد ثلاثة دركيين من سرية الدرك الملكي قبل أسبوعين في مدينة سوق أربعاء الغرب إلى غرف التحقيق، للاشتباه في صلتهم بعصابة الأمريكي ويلسون، بعدما تدخلت القيادة الجهوية للدرك بالقنيطرة لإحباط هذه العملية إثر تلقيها إشعارا من القيادة العليا للدرك الملكي بالرباط». بيد أن برلمانيا عن حزب معارض، ينحدر من جماعة قريبة من دار الكداري حيث دوار لعساكرية الشهير كمطار سري للمهربين، يرى أن توالي إخفاقات المصالح الأمنية في إحباط التهريب الدولي بالطائرات يعود إلى «ضعف الأجهزة المخابراتية بالمنطقة وقلة الإمكانيات البشرية واللوجستيكية للمصالح الأمنية، مما جعل جزءا كبيرا من جهة الغرب خارج السيطرة الأمنية». إلى دوار لعساكرية دوار لعساكرية، التابع لدائرة دار الكداري إقليمسيدي قاسم، تصدر عناوين الصحافة المغربية والأوربية منتصف شهر أبريل من العام المنصرم، بعد حادث سقوط طائرة نقل المخدرات على أراضيه. فقد ساهم تحويل شبكات تهريب المخدرات بين المغرب وإسبانيا لمسارات تهريبها جوا من شمال المملكة إلى غربها، عبر اعتماد الطائرات ووسائل الاتصال الحديثة بسبب تشديد المراقبة على مضيق جبل طارق بحرا، في بروز حقول دوار لعساكرية، ذات الأرضية الصلبة، كأحد المطارات السرية لهبوط وإقلاع طائرات التهريب. الطائرة التي سقطت بالقرب من مجموعة مدراس «اولاد السلطان» كانت تحمل الجنسية الألمانية. وألقى الحادث الضوء على واقع كون غالبية أبناء المنطقة يتاجرون في الممنوعات. يقول شاب من المنطقة: «إنها معركة من أجل العيش، ارتمى في أتونها شباب دواوير «الطيايرة، الملاقيط، العبايدة..» المجاورة لدوار «لعساكرية». الكل هنا بضواحي دار الكداري مستعد للتعاون مع «الكاوري مول الطيارة»، يقول المصدر نفسه. الاستنجاد بالأنتربول.. دفع قصور وسائل رصد الطائرات الخفيفة بالمغرب بالسلطات الأمنية إلى طلب المساعدة من نظيراتها بدول جنوب أوربا وتقوية التعاون مع الشرطة الدولية، الأنتربول. لكن هذا التعاون الذي قاد إلى الكشف عن هويات عدد من أصاحب المراتب المتدنية في هرم مافيات تهريب المخدرات على اختلافها بين المغرب وأوربا لم يستطع، بشكل أو بآخر، وفق مصدر من وزارة الداخلية، «رصد الطائرات الخفيفة وهي تنتهك الأجواء المغربية عبر بوابة البرتغال وجبل طارق دون أن يجري التصدي لها». فمحاربة اختراق الطائرات الصغيرة للمجال الجوي المغربي تظل غير ذات جدوى في ظل الإمكانيات التقنية واللوجستيكية المتاحة، يضيف نفس المصدر، «فالأمر في حاجة إلى ميزانية ضخمة والاتحاد الأوربي، المعني بمكافحة تهريب المخدرات، يدرك ذلك، وعليه فالجرائم عبر الوطنية أو العابرة للقارات تحتاج إلى تضامن جميع الدول المعنية كي يتم التغلب عليها»، يقول مصدر أمني. تكنولوجيا التهريب الطائرات التي تستخدم في التهريب هي طائرات سياحية - رياضية، عادة ما تكون بمحرك واحد من نوع توربو، ويتميز هذا الطراز من الطائرات بسرعة 300 ميل بحري في الساعة ويحلق على ارتفاع 26.000 متر عن سطح البحر. وهاته الطائرات تكون قادرة على استيعاب ستة ركاب وحمل أمتعة تصل زنتها إلى 29 طنا. ومع ذلك الوزن تكون مسافة الإقلاع مع عائق 50 قدماً هي 2800 قدم تقريبا، ومسافة الهبوط في نفس الظروف هي 2400 قدم، هذا دون استخدام الارتداد. وبالانتقال إلى مقصورة الربان، نجد أن لوحة المفاتيح تتضمن كل إلكترونيات الطيران اللازمة، فإضافة إلى اللاسلكي ومعدات الملاحة ذات المعايير العالمية، هناك جهاز يدعى الكي إف سي 325 الموصول بأنظمة بالأجهزة الإلكترونية الملونة. بواسطة هذا المعدّل من السرعة، يمكنك عبور جبل طارق إلى دوار لعساكرية وسط جهة الغرب بالمغرب، في غضون نصف ساعة. وإلى جانب الطائرة، هناك وسائل لوجستيكية أخرى على قدر كبير من التطور التكنولوجي، والتي يسخرها كبار مافيات التهريب في «مقايضة الكوكايين بالحشيش» بجهة الغرب، تتوزع ما بين استعمال الزوارق السريعة والهواتف النقالة والسيارات رباعية الدفع ووسائل الاتصال من نوع «تلكي ولكي»... وهي آليات حجزتها السلطات الأمنية لدى عصابات تنشط في مجال التهريب الدولي بواسطة الطائرات بالمغرب. تفاصيل كان بإمكان شاكيرا أن تستمع إليها مباشرة لولا أن مخابرات عصابات التهريب قد تفطنت إليها، وأحبطت اختراقا محتملا لعالمها. حوادث وتواريخ - 24 يناير 2007: السلطات الإسبانية تفككك عصابات من أمريكا اللاتينية بدأت أنشطة بين المغرب وإسبانيا في مجال تهريب الحشيش والكوكايين انطلاقا من منطقة الغرب. - 8 فبراير2007: تفحم طائرة بدوار سيدي قدور الواقع قرب مولاي بوسلهام. - 21 فبراير 2007: سقوط طائرة بدوار الخرارقة (14 كلم عن الجماعة القروية لعرباوة). - 3 أبريل 2007: سقوط طائرة ألمانية بدوار لعساكرية دائرة سيدي قاسم. - 10 أبريل 2007: تكليف الفرق الوطنية بالبحث في قضايا الطائرات، - عام 2007: اكتشاف 11 مطارا سريا ومافيات شيدت نحو 25 مطارا تقريبا. - 7 ماي 2008: اعتقال أمريكي و3 دركيين إثر سقوط طائرة بسوق الأربعاء.