ضربة قاضية تلقتها القناتان المغربيتان الأولى والثانية هذا الأسبوع، وما زالتا تتلقيان الضربات تلو الأخرى، يوما بعد يوم، من قناة تلفزيونية نزلت إلى الميدان من حيث لم تحتسبا، قناة تنافسهما في أعز ما تملكان، في نشرات الأخبار، قناة لها مراسلون في كل مكان، في كل بلد، في كل مدينة في المغرب، في كل بيت، بل لها مراسل في جيب كل مواطن يحمل هاتفا نقالا تتوفر فيه إمكانية التصوير بالفيديو، ولأن هذه الهواتف تنخفض أسعارها يوما عن يوم فلنا أن نتخيل كم من مراسل لهذه القناة عبر أرجاء العالم. الوافدة الجديدة لا تملك لا «أكبر استوديو في إفريقيا» ولا ميزانية تشتري بها أحدث طراز من شاحنات «الريجي» العملاقة المجهزة بأحدث معدات التصوير مثل تلك التي تملكها قنواتنا المغربية، حيث يتم اقتناء الواحدة منها بأكثر من ثلاثة ملايين درهم، وليست المنافسة الجديدة طرفا في عقود احتكار مع كبار المستشهرين في قطاعات الاتصالات والعقار ومواد التنظيف التي تدفع بسخاء لتمرر إعلاناتها في القناتين «الوطنيتين»، ولا تملك مكاتب جهوية مجهزة في فاس وطنجة والعيون ومراكش وغيرها، بل حتى إننا كمشاهدين لا نؤدي عن مشاهدتها شيئا في فاتورة الكهرباء التي نسددها شهريا مثلما ندفع عن مشاهدة قنوات التلفزيون العمومي البكماء. إنها قناة يوتوب الدولية الوطنية، دولية لأنها قناة لجميع الشعوب في جميع الدول وليس للمغاربة فقط، ويتم التقاطها عبر الأنترنت في أي مكان في العالم به وصلة أنترنت، وحتى إن لم تكن فيه وصلات إنترنت، يمكنك مشاهدتها إذا كانت لديك أنترنت عبر شبكة الثريا التي تعمل بالأقمار الاصطناعية، ووطنية لعدة أسباب ليس أولها أنها تظهر اهتماما بتغطية الأحداث التي تقع على أرض هذا الوطن أكثر من الاهتمام الذي تظهره قناتانا المحليتان، وليس آخرها أن خطها التحريري مفتوح حر ولا يتحكم فيه المخزن التابع في الرؤوس وخلف الستار. مع اقتراب بداية فصل الصيف، شمرت كل من قناتينا الأولى والثانية عن ساعديهما، وانبرتا لتقديم «أحسن» ما لديهما من برامج، افأمطرتنا الأولى بوصلات إشهارية كثيفة عن برنامجها «لالة لعروسة» وحاصرتنا الثانية بإعلانات عن انطلاق الموسم الجديد من برنامجها التنافسي الفني «استوديو دوزيم»، ونسيتا أن تصلحا أحوال نشراتهما الإخبارية، التي تقول إحداها للناس: «عادت الحركة إلى ميناء سيدي إفني يوم أمس الأحد»، وتظهر لهم صورا من الأرشيف تبين الحركة عادية في الميناء، والأخرى، أي الأولى، تقول إن وكيل الملك استدعى مدير مكتب قناة «الجزيرة» في المغرب للاستماع إلى أقواله، لأن «الجزيرة» بثت أخبارا كاذبة عن وجود قتلى في أحداث سيدي إفني. لم يفكر مسؤولو الأخبار في القناتين لحظة واحدة في أن الغربال لا يغطي وجه الشمس، ولم يفكروا في أنه لو كانتا تملآن أعين وعقول المشاهدين، ولو كانتا تملكان ثقة مواطنيهما، لما وجد هؤلاء المشاهدون الوقت أصلا لمشاهدة تقارير الجزيرة الإخبارية سواء كانت «صحيحة ومحايدة» أو كانت «مفبركة ومغرضة». وإذا كانت قناة روتانا سينما تقول «مع روتانا سينما مش حتقدر تغمض عينيك» فإن قناة يوتوب تقول: «مع يوتوب لا يجب أن تغمض هاتفك النقال، كن دائما مستعدا للتصوير، وستجد من ينشر لك الفيديو الذي تسجله، فقناة يوتوب لا تخشى لا الهاكا ولا وزارة الداخلية، ولا تخشى أن يقفل عليها المستشهرون صنابير أموالهم. نحن في يوتوب لسنا بحاجة إلى استنزاف جيوب المشاهدين من خلال دفعهم إلى التصويت بالإس إم إس لنعلن فوز الحقيقة على التزوير. يوتوب هي صوت المرأة الباعمرانية التي قالت في أحدث الأشرطة التي عرضت أول أمس: «جاو قلبوا ليا الدار كلها، وهرسوا ورونوا ماخلاو حتا حاجة، واش هادو اللي كيقلبوا عليهم واش أنا مخبياهم في الربيعة ديال أتاي؟» وهي أيضا صوت المرأة الأخرى التي قالت: «سرقوا ليا ذهبي والشيكات ديال راجلي، راه تكرفسوا علينا أسيدي بزاف، ماظنيناش المخزن يدير فينا هاد الفضيحة كلها»، أما المشاهدون المغاربة فيقولون: «ماظنيناش قنواتنا المغربية تستغفلنا هاكذا».