كيف هو نبض قنواتنا الوطنية مما يقع بغزة من جريمة ضد الإنسانية، بل وبالشرق الأوسط عموما ؟!.. ما هي درجة تجسيدها ونقلها لأحاسيس و مشاعر الشارع المغربي .. خلال العشرين يوما الماضية وزيادة من العدوان؟ عندما تفتح جهاز التلفاز طيلة، هذه الأيام، على ذبذبة قنواتنا الوطنية، الأرضية والفضائية السبعة، في فترات البث العادية للإطلاع على آخر مستجدات الوضع المأساوي الخطير في غزة نتيجة الهجمة الصهيونية على الشعب الفلسطيني الأعزل، تجد في قناة «الأولى» مسلسلا هنا وهناك..، تتجه نحو القناة الثانية تصادف برامج أطفال أو إعلانا عن مسابقة «تيلفونية» ساذجة..، تقلب إلى «الرياضية» تتفاجأ، بخوضها، وبطريقتها الخاصة ومعالجتها الفريدة، في مأساة أخرى اسمها الرياضة المغربية.. تتجاوزها إلى «الرابعة» تكتشف أن عالمها ليس السياسة ولا الأخبار ولا شيئ من هذا القبيل، وإنما بعض الصور والكلام يقال عنه - والله أعلم - بأنه إنتاجات تلفزيونية تربوية، بدليل أنه لا يشاهدها أحد أو يكاد ..، «تركب على ذاتك» وتتحول الى «السادسة» فتحترم المقام والمقال وترغم نفسك على الإصغاء لأحاديث وفتاوى عن الزواج والطلاق والإرث والجنة والنار.. ولا شي عن الظلم والطغيان والقهر وضحايا الانفجار تلو الانفجار.. كذاك الذي يرزخ تحت نيره على مر الساعة في غزة مدنيون أبرياء.. أطفال وشيوخ ونساء..، تنتقل الى «المغربية» تشاهدها تبحر في عالمها الخاص الناهل من معين «الأولى» والثانية.. تغمض العين عن «السابعة» تقول: لا بأس قنواتنا ذات توجه موضوعاتي!! أو عامة، ولا نملك بعد قناة «إخبارية» متخصصة تزودنا بالإخبار على مدار اليوم. ..«نواسي» أنفسنا وننتقل، في رمشة عين، إلى القنوات الإخبارية الفضائية العربية والدولية لإرواء الظمأ واستقصاء بعض جديد الأخبار.. تجد الكل «يلغي بلغاه» وتضيع الحقيقة نتيجة عدم توفر أخبار مستقلة.. تستعمل حاسة التحليل، الاجتهاد والقياس وهلم جرا .. تخرج بخلاصات وهي حقيقة فظاعة الصور والنكبات الإنسانية الفعلية التي تهتز لها النفوس وتقشعر لها الأبدان .. في مشاهد «للفتونة» الصهيونية الجبانة التي تتكلم، وعن بعد، لغة القتل والنار والدمار.. نتساءل أين رد الفعل المغربي منها.. أين الصدى المغربي مما يقع في عالم تهتز شعوبه على ما يخلفه دوي الفواجع والأنين والآلام .. فلا نعثر إلا على النزر اليسير ومرور الكرام في ثوان أو دقائق معدودة في هذه القناة والقناة.. عبر تغطيات جد مقتضبة من مراسلين أو مبعوثين .. أكيد أنها لم تشف الغليل، ولم تعكس حقيقة نبض الشارع والرأي العام المغربي وتفاعله الإنساني العفوي الإيجابي ضد ما يقع هناك في أرض فلسطين من خلال تنظيم مسيرات وتظاهرات عفوية ورسمية انبرت للتنديد بالغطرسة والظلم والعدوان.. شارك فيها الكبار كما الصغار، الشيوخ كما الأطفال، النساء كما الرجال.. في هذه الدورة الإخبارية الإعلامية التلفزيونية العامة، المتناقضة أحيانا والغامضة أحيانا أخرى.. كان الصوت المغربي خافتا في جل القنوات الإخبارية العربية والدولية، كما أريد له أن يكون .. لم يعلِ من شأنه إلا بعض من أهل الدار في لحظات مهنية مغربية، يمكن أن نقول عنها، استثنائية، بمجهود ذاتي في ما يخص رصد رد الفعل الوطني تجاه ما يقع على جميع المستويات الشعبية والجمعوية والقطاعية والحكومية وحتى الميدانية، هناك في أرض النكبة فلسطين. كانت استثنائية ليست في تسخير الإمكانيات الضعيفة أصلا لمواكبة الحدث بعيون مغربية وسواعد مغربية.. وإنما في المبادرة ذاتها بالرغم مما شابها من ثغرات مهنية وتقنية من قبيل عدم اعتماد شريط إخباري كتابي تلفزيوني متواصل يزود المشاهدين بالأخبار الآنية الساخنة التي تعرفها الساحة الفلسطينية والعربية والدولية في لحظة تاريخية، ومن قبيل إعطاء الأسبقية لبعض الأنشطة الرسمية والحكومية .. عن الحدث الرئيس الذي شغل، ولايزال يشغل بال كل العالم... حاولت القناتان الوطنيتان في نشراتهما، وخاصة «الأولى»، سد بعض من هذا الفراغ، وبالتالي التفاعل المهني غير المسبوق لها - لهما - مع ما يقع في المشرق العربي على مدى العشرات من السنين. لم تكتفيا، هذه المرة بالمادة الصحافية المستورة، ولم تقتصرا على الصورة الواردة، الضروريتين على كل حال، وإنما كانت، كذلك، لهما بصمتهما، وكانت لهما تأشيرتهما التي يمكن أن يعبرا بها الحدود الإعلامية.. فقد كانتا حاضرتين بشعارهما في العريش، رفح وغزة.. للتوثيق الحي لما يقع من مجازر في حق الشعب الفلسطيني، كما كانا حاضرتين على مستوى جس نبض الساحة الوطنية بكل من الرباطوالدارالبيضاء ومختلف المدن المغربية .. الحيز الأهم في مختلف النشرات الإخبارية الرئيسية على طول ساعات أيام الضربات والغارات العدوانية الغادرة.. كانت الروح الفلسطينية فيهما سائدة بالصوت المغربي والعربي والدولي، تنديدا من جهة، وتضامنا من جهة أخرى.. تنقلان بمجهودات ذاتية أهم الأحداث المواكبة.. لم تكن كبريات الفضائيات العربية منفردة بالتغطية بعين المكان .. وإنما كذلك التغطية المغربية كانت متواجدة في حدود الإمكان.. كانت المراسلة الفلسطينية أسماء الغول عين وصوت «الأولى» هناك في غزة، تنقل بعضا من المآسي والشهادات الحية الانفرادية عن هول النكبة، كما كان المبعوث المغربي محمد أيت لشكر هناك في الضفة الأخرى من الحدود المصرية الفلسطينية، يرصد التطورات الميدانية في رفح والعريش، حيث تنهال المساعدات الإنسانية ومنها المساعدات التضامنية المغربية. مثلما هو الأمر بالنسبة للفلسطيني خالد أبو شمالة مراسل القناة الثانية الذي كان العين والصوت الإعلاميين لها وهو ينقل بأمانة صعوبة المعيش اليومي للفلسطينيين في ظل واقع ووقع الانفجارات الهمجية التي كان هو بالذات أحد ضحاياها.. هي لحظة استثنائية تكاملية، نوعيا، غير مسبوقة بالنسبة للقناتين على مستوى التعاطي الاعلامي الاخباري المهني الوطني مع حدث هو من صلب القضية القومية الفلسطينية التي تقف أطرافها، حاليا، على صفيح ساخن.. لحظة أخرجتهما، على هذا المستوى، من سبات إعلامي عميق مفروض، مهما طاله من نقائص وشابه من شوائب أثناء المتابعات السياسية والاعلامية والتضامنية.. تعاطٍ شكل تجربة، نسبيا، ناجحة في انتظار ما هو أنجح..