أكثر من ساعة لم أتزحزح من أمام التلفاز إلى أن أعلنت المذيعة الأمريكية أوبرا وينفري نهاية برنامجها الذي تبثه قناة MBC2 وبالقدر الذي شدتني مواضيع ومهنية وطرح حلقات أوبرا، بالقدر الذي سرى في سراديب جسمي حزن من تقليد قنواتنا وإعلاميينا لكل غث من البرامج الأجنبية، دون محاكاة البرامج التي تساهم في توعية الناس وإرشادهم، وتساعدهم في تجاوز العقبات والمشاكل اليومية. وقائع وأحداث هذا البرنامج تكشف في كثير من الحلقات عن كوامن وبواطن أرض الأحلام سابقا، وأرض إمبراطوية القرن الواحد والعشرين الولاياتالمتحدةالأمريكية ناشرة الحرية والعدالة في أنحاء العالم الإسلامي خاصة، وفي أفغانستان والعراق كنموذج عملي عن طريق الاحتلال. فبرنامج أوبرا يزيح اللثام عن الوجه الآخر لأمريكا التي تروج لها سينما هوليود كأنها أرض الأحلام. وهو فرصة فريدة لمن لا يملكون ما يسافرون به إلى الغرب ليقفوا عن قرب على أفعال، وصور، وعادات وتقاليد، لا يتصور أبناء جلدتنا ناهيك عمن يريدوننا أن نحذو حذو الغرب في العري والفحشاء دون العلم والعمل أن نجد لها موطئ قدم هناك. ففي حلقة الأسبوع قبل الماضي مثلا استضافت أوبرا خمس فتيات كن طالبات سابقات في أكاديمية سلاح الجو الأمريكي، واللواتي حكين عما تعرضن له من اغتصاب وحشي من طرف زملائهم الطلبة في الأكاديمية، كما تحدثن عن التمييز الذي يمارس بحقهن حتى من طرف المسؤولين الكبار باعتبارهن الجنس الأضعف والأدنى من الرجل، في أمريكا موطن المساواة وحقوق المرأة!. البرنامج في حلقاته يناقش الكثير من القضايا التي تتعلق بالمشاكل النفسية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي، مثل الاغتصاب، والمخدرات، وضرب الزوجات، والقتل وغيرها، مما يضيء جوانب كثيرة من هذه المشاكل، ويساهم في طرح حلول عملية واقعية، ويدافع عن المظلومين على الهواء مباشرة، في نصرة قلما نجد لها نظيرا في عالمنا الإسلامي. برنامج أوبرا الذي يشد إليه المشاهدين في العالم العربي، يدفع إلى طرح أكثر من سؤال: لماذا لا تتنافس قنواتنا العربية المحلية في تقليد هذا البرنامج الإنساني؟ ولماذا لا يتنافس الصحافيون العرب على تقليد أوبرا التي تلقب بملكة البرامج الحوارية في معالجة القضايا معالجة ترفع من همة الشعوب وتدافع عنهم؟ ولماذا لا نجد لدى أغلب صحافيينا حسا إنسانيا يدافع عن كرامة الإنسان كإنسان؟ ولماذا لا تعالج صحافتنا المشاكل الاجتماعية بالتربية والإرشاد، وضرب المثل والعبرة؟ ألا يدعو إسلامنا الحنيف إلى تنفيس الكرب عن الناس، ورفع الظلم الواقع عليهم؟ متى يتخلص صحافيونا من سياسة إغراق المجتمع في المشاكل الاجتماعية بدلا من حلها؟ أوبرا ببرنامجها الذي يتوقع أن يستمر عرضه إلى غاية عام 2008 ليتم كما هو متوقع 25 عاما من النجاح، والذي يبث على 211 محطة تلفزيونية داخل أمريكا، وما يقارب 110 قنوات فضائية عالمية، منها 16 قناة عربية، وبإنسانيتها ستبقى نموذجا طيبا من الغرب، ينتظر تحقيقه في إعلامنا العربي والوطني، ليزيح عن الناس بعض ما هم فيه من هم وغم وظلم، بدلا من استنساخ برامج لا تزيد مجتمعنا إلا غرقا في الوحل. عبد الحكيم أحمين/ قطر