اتهمت حلقة يوم السبت الماضي من البرنامج التلفزيوني الشهير Saturday Night Live الإعلاميين داخل الولاياتالمتحدة بمحاباة المترشح الديمقراطي باراك أوباما والاقتصار على توجيه الأسئلة الصعبة والشائكة للمترشحة هيلاري كلينتون. وتسببت الحلقة في فتح نقاش عميق في مختلف وسائل الإعلام الأمريكية طوال الأيام الماضية حول مصداقية التغطيات الإخبارية المخصصة للحملات الانتخابية ومدى التزام الصحفيين بمبدأ الحياد والتوازن في عملهم. يحظى برنامج Saturday Night Live بشهرة واسعة داخل الولاياتالمتحدة لسببين. الأول هو الجرعة العالية من الجرأة التي تتميز بها حلقات البرنامج الذي غالبا ما يستضيف شخصيات مشهورة سواء في عالم السياسة والفن والرياضة. والسبب الثاني هو السخرية اللاذعة التي تميز فقرات البرنامج المباشرة التي تمتد لساعة ونصف من الزمن أمام جمهور مباشر في مسرح يتم تغيير ديكوره أكثر من أربع مرات في الحلقة الواحدة حسب تنوع المواضيع المتناولة. وقالت شبكة «إن بي سي» التي تبث البرنامج إن حلقة يوم السبت الماضي حققت أعلى نسبة مشاهدة منذ ثلاث سنوات في تاريخ البرنامج الذي بدأ قبل ثلاثة وثلاثين عاما! والسبب كان هو تقليد الحلقة لكيفية تغطية مذيعي قناة «السي إن إن» لآخر مناظرة تلفزيونية نظمتها القناة بين المترشحيْن الديمقراطييْن باراك أوباما وهيلاري كلينتون. فقد حرص فريق البرنامج على تقليد نفس ديكور البلاتوه الذي استضافت فيه «السي إن إن» المتنافسيْن على نيل ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض سباق الرئاسة، كما حرص الممثلون العاملون في البرنامج على تقليد حركات الصحفيين الذين أداروا المناظرة التلفزيونية حتى في أدق التفاصيل، سواء من ناحية اللباس أو الحركات أو حتى طريقة الكلام وطرح الأسئلة. معالجة ساخرة افتتحت الحلقة ممثلة قلدت دور مذيعة قناة «السي إن إن» قائلة إنها محظوظة لأنها ستدير مناظرة تاريخية يشارك فيها رجل وسيم وعظيم وله جاذبية خاصة وسيكون هو المرشح عن الحزب الديمقراطي! ثم ابتسمت بغنج كبير وقالت بصوت هامس إنه باراك أوباما وأشارت بيدها إلى ممثل كوميدي تقمص دور باراك أوباما كان جالسا إلى جانب ممثلة كوميدية تقلد هيلاري كلينتون. وتحاشت المُذيعة الممثلة تماما الإشارة إلى وجود هيلاري كلينتون أو حتى تقديمها في المناظرة الساخرة، ثم طلبت من زميل لها (ممثل كوميدي تقمص دور الصحفي جون كينغ) طرح الأسئلة على باراك أوباما. فتنحنح المذيع الممثل وقال بصوت جهوري واثق: «سيد أوباما، مرحبا بك معنا في هذه المناظرة التلفزيونية الحاسمة لمستقبل بلادنا في هذا الوقت الحاسم من تاريخ أمتنا... هل تريدني أن أسقيك شيئا؟ هل تريد كوب عصير أو كوب مياه معدنية؟»، فانفجر الجمهور الحاضر في الأستوديو ضاحكا لتهكم السؤال على نوع الأسئلة السهلة التي بات الإعلاميون الأمريكيون يوجهونها لباراك أوباما. بعد ذلك تدخلت المذيعة الممثلة وطلبت من زميل آخر في الأستوديو طرح سؤال جديد على باراك أوباما، فتنحنح الصحفي الممثل وقال بجدية: «سيد أوباما، قبل قليل سألك زميلي بشكل واضح هل تريد شيئا ما وأجبته قائلا لا شكرا.. هل تريدني أن أجلب لك أي شيء... أي شيء تريد؟ هل تريد وسادة مثلا حتى تجلس مرتاحا؟ هل أنت مرتاح في جلستك تلك؟»، وانفجرت موجة جديدة من القهقهات في الأستوديو وسط ذهول الممثلة التي تلعب دور هيلاري كلينتون التي بدت وكأنها تحتج، وحينما حاولت الحديث قاطعتها الممثلة التي تقلد مذيعة «السي إن إن» قائلة: «لو سمحتِ، سنعطيك فرصة للحديث»! بعد هذا المشهد الساخر، قالت المذيعة الممثلة: «والآن سنأخذ أسئلة من الجمهور الحاضر في هذه المناظرة والأسئلة ستكون عفوية ودون سابق تنسيق. أول سؤال سيكون لمن؟ آه لهذه الفتاة. تفضلي آنستي اطرحي سؤالك على السيد أوباما». وفجأة وقفت فتاة فاتنة كانت تجلس بين الجمهور وتحمل ورقة بين يديها وبدت وكأنها ستقرأ سؤالا، لكن مباشرة قبل ذلك ارتفع صوت موسيقى أغنية عاطفية ألّفتها فتاة أمريكية مراهقة، تقول كلماتها: «أووه أوباما، لقد أغرمتُ بك... أووه أوباما إنني أحبك... أووه أوباما لقد أغرمتُ بك»، والأغنية موجودة على موقع يوتوب وشاهدها ما يقرب من سبعة ملايين شخص بحدود أمس الخميس. وأثار الموقف ضحك الجمهور بطريقة هستيرية استمرت لدقائق عدة، وعندما توقفت موجة الضحك حاولت الممثلة التي تقلد هيلاري كلينتون التدخل وقالت «عفوا، لو سمحتم هذا لم يكن سؤالا بل غزلا و...»، وقبل أن تكمل تدخلها قاطعتها الممثلة التي تقلد مذيعة «السي إن إن» قائلة بحنق: «لو تجرأتِ وقاطعت الفتاة المغرومة بأوباما في المرة القادمة فسأقوم بنفسي بطردك من هذه القاعة وإخراجك منها، هل فهمت؟». كان هذا أبرز ما جاء في بداية الحلقة التي ركزت بكاملها وبشكل ساخر جدا على انحياز بعض الصحفيين الأمريكيين للمترشح باراك أوباما وافتتانهم بشخصيته الاستثنائية والكاريزما الشديدة التي يتميز بها. ومباشرة بعد انتهاء الحلقة، تلقفت برامج الحوار المباشرة على أبرز المحطات التلفزيونية الأمريكية موضوع الحلقة وطرحت أسئلة من قبيل: هل تنحاز التغطيات التلفزيونية لباراك أوباما على حساب هيلاري كلينتون؟ وقد حاول الكثير من المحللين تناول الموضوع بطريقة علمية، ومنهم من قام بعدّ عدد المرات التي تم فيها توجيه الأسئلة الصعبة لهيلاري كلينتون، فيما عمد آخرون إلى عدّ الابتسامات التي يوجهها المذيعون لباراك أوباما، بل منهم من قال إن الانحياز أمر طبيعي حتى ولو كان دون وعي من الإعلامي الذي يبقى في النهاية إنسانا قابلا للتأثر مثله مثل أي إنسان عادي. إلا أن هيلاري كلينتون استغلت فرصة الحلقة الأخيرة من البرنامج التلفزيوني الساخر، وحولتها إلى مادة إعلانية في حملتها الانتخابية، بل واستعملتها خلال المناظرة التلفزيونية الأخيرة التي جمعتها بباراك أوباما يوم الثلاثاء في ولاية أوهايو، حيث قالت في رد على سؤال حول ما إذا كانت ترى أن الإعلام يقسو عليها ويحن على منافسها: «أحيانا أحس بأن الصحفيين يتساهلون بشكل كبير مع أوباما، فالأسئلة الصعبة توجه إلي دائما، وأنا أكون من تتلقى السؤال الأول دائما، لهذا أحس فعلا أحيانا بأن بعض الصحفيين متساهلون بشكل غير مقبول». ويبدو أن البرنامج التلفزيوني ساهم في خلق نقاش مهني بين الصحفيين الأمريكيين وجعلهم يتوقفون قليلا ليراجعوا مواقفهم الشخصية وكيفية تغطيتهم للانتخابات التمهيدية، رغم أن البعض ضبط نفسه يردد أغنية الفتاة المغرومة بأوباما: «أووه أوباما وقعت في غرامك» بدون وعي ولا شعور!