«الحقيقة يمكن أن تنام في ضمائر الناس، لكنها لا تموت أبدا». هذه هي الحكمة التي تجلت مؤخرا في كلام أقدم وأشهر صحافية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، هيلين توماس، التي وصلت التاسعة والثمانين عاما من العمر، ثم قالت ما لا يتوقعه الجميع، وطلبت من الإسرائيليين أن يتركوا فلسطين ويعودوا إلى أوطانهم الحقيقية في بولونيا وألمانيا وأمريكا وغيرها. ما قالته هذه المرأة كلام حق ينام في ضمير العالم كله، لكن العالم يرفض أن يُصحيَ ضميره، ويفضل الاستمرار في دعم أكذوبة خلقتها عصابات صهيونية وصدقها العالم، وحين تكلمت توماس أمطرها الغرب بشتائمه ولم يحترم أحد سنها وتاريخها ووعيها ومعرفتها. كلام هيلين توماس جاء بعد بضعة أيام على تلك العملية الإرهابية التي قامت بها إسرائيل في عرض البحر ضد «أسطول الحرية» وقتلها لرسل سلام مدنيين. ومع أن في العالم قوانين كثيرة لمحاربة الإرهاب، فإنه لا شيء تحرك ضد إسرائيل، بل بالعكس، فالذي تحرك هو النفاق العالمي، لأنه مباشرة بعد تلك العملية قرر الغرب فرض عقوبات على إيران. ما حدث ل»أسطول الحرية» يهم المغرب كثيرا، ليس فقط لأن مواطنين مغاربة كانوا في ذلك الأسطول اعتقلتهم إسرائيل، وكان بإمكانها قتلهم، بل أيضا لأنه بعد بضعة أشهر من الآن سينهض ذلك الولد المسمى إبراهيم الفاسي الفهري، لكي يبدأ في الإعداد للعبته التي يسميها «منتدى أماديوس»، وطبعا سيستدعي إليها، كما هي عادته، مسؤولين إسرائيليين، بينما لم تجف بعد دماء ضحايا «أسطول الحرية». في المغرب، يوجد قانون لمكافحة الإرهاب، وهذا القانون بقدر ما يعاقب الإرهابيين، فإنه أيضا يعاقب المتعاونين والمتعاطفين معهم. لكن الغريب حتى الآن أن واحدا من الذين دعوا الإرهابية لم تتم متابعته قضائيا. ومنذ أن بدأ هذا الولد مزاولة لعبته، فإنه دأب على استدعاء إرهابيين إسرائيليين للمغرب، ووفر لهم كل أشكال الراحة، وهو لا يزال يهدد بأنه سيستدعي مزيدا من الإرهابيين في منتدياته المقبلة، ومع ذلك لم يتحرك أي قانون ضده. الذين يقولون إن الولد إبراهيم سيخجل هذه المرة ولن يستدعي أي إسرائيلي، بسبب فظاعة ما جرى ل«أسطول الحرية»، واهمون، لأنه لم يتورع السنة الماضية عن استدعاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، التي أشرفت شخصيا، رفقة مسؤولين إسرائيليين آخرين، على تنفيذ محرقة غزة. وقبل ذلك، جاء مسؤولون إسرائيليون آخرون إلى المغرب قبل أن تجف أيديهم من دماء ضحاياهم من الأطفال والنساء والشيوخ. المسألة إذن مسألة دم، يعني أن الإنسان حين يفتقد الدم في وجهه فإنه لن يتورع عن استدعاء إرهابيين لم تجف أيديهم من دماء ضحاياهم. الولد إبراهيم، أو من الأفضل أن نطلق عليه اسم الدلع «إبْرا»، سبق أن وعد قبل بضعة أسابيع بأنه سيوجه الدعوة من جديد إلى مسؤولين إسرائيليين لكي يأتوا إلى طنجة. وهذا شيء غريب حقا لأنه لا أحد يفهم كيف أن شابا بالكاد تجاوز مرحلة الحلُم أصبح يقْدم على مثل هذه القرارات الخطيرة ويستدعي مسؤولين متهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وكأن الثلاثين مليون مغربي لا أثر لهم. لكن هذا «الإبْرا» لا يبدو أنه يستفيد فقط من نفوذ والده وجهات أخرى تدعمه، بل يستفيد أيضا من حالة «الدياسبورا» الشاملة التي تعصف بالمجتمع المدني المغربي، حيث لا أحزاب قوية ولا نقابات ولا جمعيات تقول له «قف عند حدك». ومن حسن حظه أنه وجد الجمعيات الحقوقية قد انخرطت بكل جهدها في الدفاع عن حقوق الشواذ الجنسيين. ولو أن الجمعيات الحقوقية لا زالت تهتم بقضايا الشعب الحقيقية لما وجد هذا الولد الطريق سالكا أمامه لإهانة عشرات الملايين من المغاربة. الغلام «إبْرا» يهين ثلاثين مليون مغربي، ويهين طنجة حين يستضيف قتلة على أرضها، وهي المدينة التي شكلت ملاذا حقيقيا للمقاومة في شمال إفريقيا خلال فترة الحماية. ويهين أيضا مدينة فاس التي يحمل اسمها، وهي المدينة التي لا تستحق كل هذه الإهانة لأن سكانها البسطاء لا علاقة لهم بتلك الشوفينية المريضة التي يكرسها البعض حول هذه المدينة. الولد «إبْرا» سيربح شيئا واحدا من كل هذا، وهو أن التاريخ سيخلد اسمه كواحد من أبرز عرابي الإرهاب والمجرمين على أرض المغرب.