في أقل من ستة أشهر، انفجرت في المغرب انتفاضتان، الأولى في صفرو والثانية في سيدي إفني، مطالب المتظاهرين واحدة.. الشغل والطريق وفك العزلة وإطلاق أوراش للتنمية. رد فعل السلطة كان واحدا إزاء الانتفاضتين: التدخل الأمني العنيف والاعتقال والمحاكمة وانتظار انفجار آخر في مدينة أخرى... في صفرو كما في سيدي إفني، في خنيفرة كما أمام البرلمان، في الصحراء كما في البيضاء، التظاهرات والاحتجاجات والمواجهات كلها بدون تأطير سياسي ولا نقابي. تنسيقيات وجمعيات صغيرة مستقلة تعددية ذات مطالب قطاعية (الشغل، الطريق، الماء، أسعار المواد الأساسية...). لقد انتهى زمن المعارك النقابية الكبرى التي كانت مؤطرة سياسيا واجتماعيا من قبل المركزيات النقابية والأحزاب القريبة منها أو المتحالفة معها. الدينامية التي عرفها المجتمع المدني في العشرين سنة الماضية، وانهيار العمل النقابي، وتخلي الأحزاب السياسية اليسارية عن حمل وظيفة الدفاع عن المطالب الاجتماعية... كل هذه العوامل جعلت الفعل الاجتماعي يتحرك في استقلال عن كل تأطير سياسي، وجعلت المجموعات، الصغيرة والمؤثرة في آن، تتصدر واجهة النضال ضد السلطة التي تعتبرها مقصرة في النهوض بالحد الأدنى للتنمية. ثاني ملاحظة يمكن رصدها من موجة التظاهرات التي يعرفها المغرب اليوم، هي أن «الهوامش»، لا «المركز»، هي من يتصدر حركة الاحتجاج. في صفرو وسيدي إفني وخنيفرة وأزيلال والعيون... وهذا يؤشر، من جهة، على أن «المغرب غير النافع» بدأ يتحرر نسبيا من قبضة السلطة التي كانت دائما تتشدد مع «الاحتجاج والنضال» في الهوامش أكثر من المدن الواقعة في «المركز»، ومن جهة أخرى، تدل هذه الاحتجاجات الاجتماعية على التفاوت الكبير الموجود في تنمية المغرب، وعلى انحصار بعض الأوراش الاجتماعية على كبريات المدن دون القرى والمناطق شبه القروية المعزولة عن شبكة الطرق والمواصلات وعن دينامية الاقتصاد، ثم إن الأطر المعطلة التي رجعت من المدن الجامعية، حيث لم تجد فرصا للشغل، إلى مسقط رأسها في البوادي والمناطق المهمشة، أصبحت تشكل مولدات للاحتجاج ولتأطير المواطنين الذين كانوا يخافون دائما من المخزن، ولم تكن أمامهم قيادات لتأطير مطالبهم في حركات احتجاجية. ثالثا، إن معالجة الدولة لظاهرة الاحتجاجات وتطورها إلى انتفاضات، لم يخرج عن الإطار الأمني، وعن سرعة تطويق الحريق الاجتماعي مخافة انتقاله إلى مدن ومناطق أخرى. إن الهدف الكامن وراء قوة التدخل الأمني والمبالغة في استعراض قوة الدولة، هو محاولة زرع الهيبة والخوف في نفوس الناس، أكثر من حفظ الأمن والحث على احترام القانون وممتلكات الغير التي لا يجب أن تمس من قبل المتظاهرين. إن تجاهل مطالب الناس والتعامل باستخفاف مع حركات الاحتجاج السلمي، يؤديان إلى انفلاتات كما حدث في سيدي إفني أول أمس... البلاد بحاجة إلى مخطط كبير للنهوض الاجتماعي، وإلى إعلان وفاة المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية...