عرفت وزارة الاقتصاد و المالية في الأسبوع الماضي حركة تعيينات وترقيات تناولت المناصب العليا فيها، خاصة تلك التي كان بعضها شاغرا لمدة سنوات، و تأتى عبر هاته التغييرات التعرف على مدراء عامين لبعض المديريات التي لها تأثير في الاقتصاد الوطني مثل المديريات العامة للضرائب و مديرية الجمارك و الضرائب و المفتشية العامة للمالية. في نفس الوقت، وضع حد للهيمنة الذكورية على تلك المديرية، حيث عينت سيدة على رأس مديرية الخزينة و المالية الحارجية. حركة التعيينات، التي عرفتها المسؤوليات العليا في مديريات تابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، جاءت لتضع حدا للترقب الذي ساد في أوساط المراقبين الذين تناسلت لديهم التساؤلات حول الأسباب التي تحول دون تعيين مدراء جدد في مديريات أحيل بعض مدرائها العامين على التقاعد، مما شكل وضعا غير سوي، خاصة وأن تعيين مدراء مؤقتين مكانهم كان من شأنه أن يخلق الكثير من الارتباط في تدبير شؤون وزارة انخرطت في مسلسل من الإصلاحات. لكن في ذات الوقت، بعد ثلاث سنوات من تولي صلاح الدين مزوار كان يفترض أن يفي بوعد قطعه على نفسه بأن تهب ريح الشباب على مناصب المسؤولية في الوزارة. لكن ما تمت ملاحظته أن الوزير حرص في التعيينات الجديدة على إحاطة نفسه بأطر يحظون بثقته أولا، يمكن أن يتواصل معهم بسهولة، بالنظر إلى كفاءتهم المشهود لهم بها في الوزارة وقدرتهم على الانكباب على معالجة الملفات بالكثير من الحرص والكتمان، وليست موجة التعيينات الجديدة هي الأخيرة، بل يرتقب أن تعرف الوزارة موجة أخرى قبل نهاية السنة الجارية. المؤقت الدائم اعتبر الوضع الذي ساد إلى حدود التعيينات الأخيرة غير مسبوق في حوليات وزارة الاقتصاد والمالية، فقد ظلت سبع مديريات شاغرة، من بينها مديريات ظلت كذلك منذ سنوات، ويتعلق الأمر بمديرية الدومين ومديرية المؤسسات العمومية والخوصصة والمفتشية العامة للمالية والمديرية العامة للضريبة والوكالة القضائية للمملكة ومكتب الصرف والصندوق المغربي للتقاعد. وقد طال المؤقت في مديرية الدومين التي غادرها عبد الرحمان الشاوي منذ ثلاث سنوات والمفتشية العامة للمالية التي أصبحت بدون مدير عام منذ سنتين حين غادرها عبد العلي بنبريك. وخلال فترة شغور تلك المناصب، أسندت مهامها إلى مدراء مؤقتين، مما يعني سيادة نوع من الانتظارية وصعوبة اتخاذ قرارات والحسم في بعض الملفات من قبل أولئك المدراء المؤقتين. غير أن ما أثار بعض الملاحظين في تعاطي وزارة الاقتصاد والمالية مع هذا الوضع الشاذ هو عدم لجوئها إلى تعيينات في الوقت المناسب، وهو ما طرح التساؤل حول جدية الوزير صلاح الدين مزوار عندما قطع على نفسه عهدا بتشبيب وتأنيث الأطر. لكن يبدو أن الوزارة تحاول تدارك الوقت الضائع وتجاوز حالة الانتظارية التي نالت من صورتها، عبر التعيينات الجديدة التي كانت في مجملها ترقيات لأطر خبروا العمل في مديرياتها. تعيينات عرفت وزارة الاقتصاد والمالية، في الأسبوع الماضي، حركة تعيينات وترقيات جديدة في مناصب داخل الإدارات العامة التابعة لها، حيث عين عبد اللطيف زغنون، المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب المباشرة، على رأس المديرية العامة للضرائب خلفا لنور الدين بنسودة الذي أصبح في أبريل الماضي خازنا للمملكة. فيما حل زهير الشرفي، المدير العام للخزينة العامة والمالية الخارجية، محل زغنون على رأس إدارة الجمارك، وآل أمر مديرية الخزينة العامة والمالية الخارجية إلى فوزية زعبول، التي كانت تشغل منصب نائبة الشرفي المكلفة بالدين الداخلي، وتعتبر زعبول أول امرأة تتولى الإدارة العامة للخزينة في تاريخ الوزارة. وحل عمر فرج في منصب المدير العام للدومين بعدما كان يتولى منصب مدير الشؤون الإدارية والعامة، فيما عين حميد الشعبي على رأس المديرية العامة للشؤون الإدارية والعامة، هو الذي يتولى في مديرية الميزانية منصب المدير المساعد بمديرية الميزانية مكلفا بالمعاشات والمالية المحلية والنظام المعلومياتي والموارد البشرية والتكوين. وفي منصب المؤسسات العمومية والخوصصة الذي كان شاغرا بعدما غادره عبد العزيز الطالبي، عين محمد سمير التازي الذي كان المدير المساعد المكلف بالتنسيق الهيكلي القطاعي. وتم تكريس محمد كمو في منصب الوكيل القضائي للمملكة، الذي كان يشغله مؤقتا. وسيكون على عبد اللطيف بناني أن يركز على منصبه كمدير للميزانية، بعدما كان يشغل مؤقتا منصب مدير المفتشية العامة للمالية، حيث آل هذا المنصب في التعيينات الجديدة إلى بن يوسف الصابوني، الذي كان مديرا مساعدا بالخزينة العامة. وعلى رأس مكتب الصرف، عين جواد الحمري، العضو السابق في ديوان وزير الاقتصاد والمالية، وعين محمد علوي عبدلاوي على رأس الصندوق المغربي للتقاعد. زغنون خلفا لبن سودة لعل ما كان لافتا هو تأكد التوقعات التي نشطت في الفترة الأخيرة، عبر تعيين عبد اللطيف زغنون على رأس المديرية العامة للضرائب، الذي سيفترض أن يواصل العمل الذي انخرط فيه المدير العام السابق نور الدين بن سودة، لكن يرجح أحد أعضاء لجنة المالية بوزارة المالية أن زغنون قد يختلف عن سلفه في الأسلوب الذي يرجح أن يطبع بالهدوء والكتمان، من أجل بلوغ الهدف ذاته المتمثل أساسا في توسيع الوعاء الضريبي والسعي إلى تخفيف الضغط الضريبي والتعاطي بإيجابية مع انتظارات الملزمين. وقد التزم، خلال مراسيم تعيينه، بمواصلة الأوراش التي تم فتحها، والتي حددها في «تحسين المداخيل الجبائية وإصلاح الضريبة على القيمة المضافة ووضع برنامج يروم التحكم في الإعفاءات الضريبية وملاءمة التشريعات مع مناخ الأعمال». لكن سيكون على المدير العام الجديد أن يتعاطى مع الوضعية الجديدة التي تتمثل في تراجع العائدات الجبائية منذ سنتين، في الوقت الذي يرتقب فيه أن تتجه مطالب الفاعلين الاقتصاديين نحو السعي إلى إصلاح الضريبة على القيمة المضافة، التي يبدو أنها الداعم الرئيسي لميزانية الدولة في ظل الظرفية الحالية. وسينكب المدير العام الجديد في البداية على فحص مطالب الباطرونا التي شرعت في التعبير عن بعض انتظاراتها في مشروع قانون مالية السنة القادمة.
الشرفي الجمركي الجديد لكن المفاجئ في التعيينات الأخيرة هو تولي زهير الشرفي، الذي كان أحد أعضاء فريق وزير الاقتصاد والمالية الأكثر حضورا في السنوات الأخيرة، هو الذي أشرف على مديرية الخزينة والمالية الخارجية، منصب المدير العام للجمارك والضرائب غير المباشرة. فالشرفي يخلف وراءه في تلك المديرية رصيدا من السعي إلى التدبير النشيط للدّيْن وإصلاح سوق السندات، وهو الذي كان يدبر ملف إصدار سندات في السوق الدولية الذي عبر المغرب عن نيته الانخراط فيه خلال السنة الجارية، قبل أن تدفعه رياح الأزمة التي عصفت بأوربا في الفترة الأخيرة إلى تأجيل المضي في هذا المسعى، غير أن عضوا بلجنة المالية لم يتردد في التساؤل عن السر وراء التحاق الشرفي بمديرية الجمارك والضرائب غير المباشرة مادامت تلك المديرية قطعت أشواطا بعيدة في مسلسل الإصلاح الذي انخرطت فيه منذ سنوات، والذي كان من تداعيات الانفتاح الاقتصادي واتفاقيات التبادل الحر.. لكن الشرفي اعتبر، في حفل تنصيبه، أن «المطلوب القيام به أساسا يتمثل في مواصلة جعل إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في خدمة التنمية السوسيو- اقتصادية للمغرب، وترسيخ الدقة والشفافية»، مجددا التأكيد على «التزامه بتعزيز المكتسبات والمكانة المتميزة التي تحتلها على الصعيد العالمي في إطار المنظمة العالمية للجمارك». ويرجح البعض أن يحيط الشرفي بمهامه الجديدة بسهولة على اعتبار أنه كان مطلعا، في المنصب السابق، على جميع فروع الوزارة، بل إنه كان يبدو في بعض الأحيان كالرجل الثاني فيها. أخيرا.. امرأة في القمة وفي التعيينات الأخيرة، وَفَى وزير الاقتصاد والمالية بالعهد الذي قطعه على نفسه، فبعد زليخة نصري، التي كانت قبل سنوات مديرة للتأمينات بالوزارة، أسندت إلى فوزية زعبول مديرية الخزينة والمالية الخارجية، وهي المديرية التي خبرتها كثيرا ما دامت كانت تتولى فيها منصب مديرة مساعدة مكلفة بالدين الداخلي. ويشير أحد أعضاء لجنة المالية بمجلس النواب إلى أن هاته السيدة كانت موعودة بمنصبها الجديد منذ أربع سنوات، معتبرا أنها تتوفر على المؤهلات كي تؤدي مهامها الجديدة، خاصة وأنها على معرفة كافيه بمساعديها، الذين عملت معهم لسنوات، وسيكون عليها أن تسهر على تدبير ملف مديونية المغرب، خاصة في ما يتصل بالسعي إلى الاقتراض من السوق الخارجية في الظرفية الصعبة الحالية. الصابوني مفتش الوزارة وشذ التعيين في منصب المفتشية العامة للمالية عن القاعدة التي ساعدت في السنوات الماضية على فضح الكثير من الاختلالات في مؤسسات عمومية وجماعات محلية، إذ لم يعين المسؤول عنها من المفتشية نفسها، بل جيء به من مديرية الخزينة، حيث كان يشغل منصب مدير مساعد. وسيكون على المدير العام الجديد، بن يوسف الصابوني، أن يعيد إلى المفتشية العامة البريق الذي فقدته في السنوات الأخيرة، حيث سرق منها الأضواء المجلس الأعلى للحسابات الذي يقوم، على الأقل، بنشر تقاريره. وعلى مدى السنوات الماضية، ساد نوع من التذمر في أوساط مفتشي المفتشية العامة للمالية، على اعتبار أنهم ينجزون العديد من التقارير التي تفضح الخروقات التي تعرفها العديد من المؤسسات ولا تبرح الرفوف في غالب الأحيان. فهل تستعيد المفتشية شيئا من حضورها مع الصابوني؟ ذلك رهان مهم في ظل الرغبة التي تبديها السلطات العمومية في التخليق وصيانة المال العام، خاصة بعد التقارير التي تشير إلى استمرار الاختلالات في بعض المؤسسات التي سبق أن زارها مفتشو تلك المديرية وأنجزوا بشأنها تقارير قبل سنوات. عبدلاوي لإصلاح التقاعد وسيتعرف موظفو الدولة، عبر هاته التعيينات، على المدير الجديد للصندوق المغربي للتقاعد الذي ليس سوى محمد علوي عبدلاوي، الذي له خبرة كبيرة في هذا القطاع ما دام شغل في السابق منصب المدير المساعد بالصندوق المهني المغربي للتقاعد، قبل أن يتولى منصب المدير العام ل» سي.دي.جي.كابيتال». وسيكون على عبدلاوي أن ينخرط في مسلسل الإصلاح الذي يهم أنظمة التقاعد في المغرب، وهو الإصلاح الذي وضعت بشأنه دراسة تناولت السيناريوهات المحتملة، بحيث يرتقب أن تعرف نقاشا طويلا وصعبا قبل الوصول إلى رؤية واضحة للإصلاح. وفي انتظار حسم النقاش حول نظام التقاعد في المغرب، يفترض أن يقود الصندوق إصلاحا من أجل مواجهة العجز الذي يعاني منه، بحيث قد يتناول سن التقاعد ونسبة المساهمة للحفاظ على توازنه. ويبدو أن تعيين عبدلاوي تم الرهان فيه على بعض الخصال التي يتمتع بها والتي تتمثل أساسا في قدرته على الحوار البناء ومد جسور الثقة مع محاوريه. حمري من الديوان إلى مكتب الصرف بعدما عمل مستشارا خلال سنتين في ديوان وزير الاقتصاد والمالية، عين جواد حمري على رأس مكتب الصرف، هو الذي توقع البعض، في فترة من الفترات، أن يتولى أمر بورصة الدارالبيضاء. ويصف المراقبون حمري بكونه رجل ثقة صلاح الدين مزوار، ويتمتع بالكثير من الخصال التي تؤهله للإشراف على مكتب الصرف في ظل الأوراش الكثيرة التي فتحتها تلك المؤسسة في السنوات الأخيرة، والتي يعتبر رأيها حاسما في العديد من القضايا، من قبيل نظام الصرف الذي يفترض أن يعتمده المغرب، خاصة في ظل ظرفيه صعبة مطبوعة بتفاقم عجز الميزان التجاري وبروز دعوات بين الحين والآخر تلح على إعادة النظر في نظام الصرف المعتمد من قبل المغرب. لكن يبدو أن حمري، الذي عمل في السابق في قطاع النسيج، مدعو إلى التواصل أكثر حول المهام التي يقوم بها مكتب الصرف والتعبير عن رأيه في بعض القضايا ذات الصلة بمجالات تدخله. ترقيات يوصف، يوسف التازي، المدير العام الجديد الذي يتولى مديرية المؤسسات العمومية والخوصصة، بكونه يبدي تفانيا كبيرا في أداء المهام التي تسند إليه، هو الذي عمل في السابق في مديرية الميزانية، التي كان البعض يترقب أن يعين على رأسها، لكن يبدو أن تجربته في مديرية الميزانية، التي سمحت له بترسيخ معرفته بالمؤسسات العمومية، سوف تسعفه في مهمته الجديدة. واعتبر أحد أعضاء لجنة المالية بمجلس النواب تولي عمر فرج أمر مديرية الدومين ترقية مهمة للرجل، حيث تعتبر تلك المديرية حساسة. لكن الأوصاف التي رشحت حول المدير العام الجديد تشير إلى أنه يبدي حرصا شديدا على بلوغ الأهداف التي يحددها في المسؤوليات التي يتولاها، وتلك خصلة ستنفعه في تدبير ممتلكات الدومين التي افتقدت مديرا عاما منذ ثلات سنوات.