كثيرون شاهدوا تلك الصور بالأبيض والأسود التي يظهر فيها الملك محمد الخامس بهيئته التقليدية المغربية، وإلى جانبه ولي عهده آنذاك، الحسن الثاني، وقربهما شاب اسمه المهدي بن بركة بعيون تشتعل حماسا وتتقد ذكاء. لكن بعد بضع سنوات بعد حماس الاستقلال، وبعد تلك الصور الرومانسية التي يظهر فيها الملك وولي عهده وبن بركة وكأن الجميع سمن على عسل، ستتغير الأوضاع بشكل دراماتيكي، وسيموت محمد الخامس بشكل فاجأ المغاربة وصدم المقربين منه، وسيصبح مولاي الحسن ملكا، ثم ستبدأ رحلة اللاعودة ومسيرة العداوة بين الملك وأستاذه السابق في الرياضيات. القطيعة بين الملك الحسن الثاني وبن بركة كانت تراكما طويلا من الأحداث والحزازات، بحيث لم يكن الحسن الثاني ينظر بارتياح إلى هذا الرجل الذي اكتسب قوة كبيرة في العلاقات ونفوذا قويا في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وأصبح رصيده يتجاوز المغرب إلى بعد دولي، حيث كان يعد لعقد مؤتمر القارات الثلاث في العاصمة الكوبية هافانا سنة 1966. اكتسب بن بركة خبرة التسيير والمشاركة السياسية القوية من خلال عمله النضالي الطويل أيام الاستعمار، وأيضا بعد الاستقلال حين ترأس المجلس الاستشاري المغربي من 1956 إلى 1959. عندما نشبت حرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963 أدان بن بركة هذا النزاع، وحكم عليه بالإعدام بتهمة التآمر، لكنه كان خارج البلاد، ومنذ ذلك الوقت بدأت قصة المطاردة التي انتهت باغتياله بطريقة لا تخلو من وحشية. ظل بن بركة يعيش بين مدينة جنيف السويسرية وبين العاصمة المصرية القاهرة، التي كان يتوفر فيها على صداقات وعلاقات قوية، على رأسها علاقته بالزعيم المصري جمال عبد الناصر، الذي كان بدوره ينظر إلى الملكية في المغرب على أنها جزء من الماضي يجب أن تنتهي. في التاسع والعشرين من أكتوبر 1965، وبينما كان المغرب يغلي سياسيا واجتماعيا، تم اختطاف بن بركة في العاصمة الفرنسية باريس واغتيل ولم تظهر جثته إلى حد الآن. كل أصابع الاتهام كانت وظلت تشير إلى النظام المغربي بتواطؤ مع المخابرات الإسرائيلية والفرنسية والأمريكية، واتهم الجنرال الراحل محمد أوفقير بالتورط مباشرة في اغتياله، ومعه عدد من العسكريين والسياسيين المغاربة. رحل المهدي بن بركة قبل 43 عاما.. وبقيت الجريمة مسجلة ضد مجهول.