طيلة مرحلة حكمه، لم يسبق للملك الراحل الحسن الثاني أن انتقل إلى بيت أحد من رعاياه لتقديم التعازي لعائلته في وفاته، لأنه كان يعتبر نفسه أبا للجميع، ولذا كان أبناء المتوفي هم الذين ينتقلون إلى القصر لتعزية الملك، الاستثناء الوحيد حصل مع الزعيم علال الفاسي يوم 15 ماي 1974، عندما انتقل الملك الراحل إلى بيته بطريق زعير بالرباط، حيث مقر أكاديمية المملكة المغربية حاليا، حاملا معه إزارا يشبه غطاء الكعبة، حيث انحنى على الثابوت وقبله وصلى على جنازة علال. في اليوم التالي نشرت جريدة «لوماتان» التي كان يديرها أحمد العلوي، وزير الدولة في جميع الحكومات اللاحقة، صورة الملك جالسا قبالة ثابوت علال (انظر الصورة أعلاه)، وصورة أخرى للملك في الصف الأمامي للمصلين وإلى جانبه ولي العهد سيدي محمد والأمير عبد الله وعدد من الشخصيات الأجنبية والسفراء، وخبر حضور الملك للجنازة بعنوان كبير «في لحظة من التأثر العميق، صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني يحضر جنازة المقاوم الأكبر علال الفاسي». وفي كلمة تأبينية قال الحسن الثاني «إذا كان هناك من ضاع في علال فأنا أول من ضاع فيه كمجاهد ومناضل عالم، كان علال زاهدا في كل شيء، لكنه لم يزهد في العلم»، والتفت إلى ولدي علال وقبلهما وقال لهما»لقد ضاع والدكما، ولكن أنا والدكما بعد الآن، اعتمدا علي، ولكني أعرف أن الشخص الذي ضاع هو شخص فريد في التاريخ». كان الحسن الثاني يعرف جيدا الشعبية التي يتمتع بها علال الفاسي، إذ كتب جون لاكوتور «ما عدا الملك، لا أحد كان يستطيع أن يصل إلى المستوى الذي وصلته شعبية علال الفاسي». لكن الملك الراحل كان يثق جيدا في وفاء علال للمؤسسة الملكية، برغم تصريحه الشهير الذي أدلى به في أحد التجمعات الحزبية بالرباط في بداية السبعينات، عندما قال علال»يمكن لشعب أن يعيش بدون ملك، ولكن لا يمكن لملك أن يعيش بدون شعب»، تصريح أغضب الحسن الثاني كثيرا. ويقول شهود لتلك المرحلة بأن الحسن الثاني كان يرى أن وجود علال ضروري، برغم جميع الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها. وعندما فرض الحسن الثاني حالة الاستثناء عام 1965، أيد حزب الاستقلال، بزعامة علال، تلك الخطوة، في الوقت الذي عارضها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي كان حديث العهد باختطاف زعيمه المهدي بن بركة. لكن علالا بعد سنة واحدة عاد لانتقاد المؤسسة الملكية مطالبا بانتخابات نزيهة لفرز حكومة منسجمة، لكن هذا لم يمنع الحسن الثاني من أن يدعو الزعيم إلى مرافقته في دائرته الخاصة إلى الولاياتالمتحدة في فبراير 1967. ويروي امحمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أنه عندما نشبت حرب الرمال بين المغرب والجزائر عام 1963 كان الملك الراحل موجودا في مراكش في «مجلس حرب» مع القيادة العليا للجيش، فطلب علال مقابلته ليطلعه على موقف من قضية وحدة التراب الوطني، فاستقبله الحسن الثاني في تلك اللحظة نفسها، ويعلق الخليفة قائلا إن تلك الحادثة أظهرت المكانة التي كانت لعلال لدى الملك الراحل. بعد وفاة علال علم الحسن الثاني أن الزعيم الاستقلالي بنى مسكنا في طريق زعير بعد حصوله على التعويضات التي تلقاها من شركة التأمين إثر حادثة السير التي وقعت له عام 1967 وأخذ قرضا لإكمال البيت والانتقال إليه مع أسرته، بعدما كان يقيم في مسكن آخر في طريق الرماني، حيث مقر أكاديمية المملكة المغربية حاليا، فتدخل الملك واشترى البيت وأدى الأقساط المتبقية، وأعاد تسليمه لأسرة علال، ثم حول فيما بعد إلى «مؤسسة علال الفاسي». عندما قال علال: «لن نترك لمحمد الخامس شيئا» كان علال الفاسي معجبا بالرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، الذي وصفه أحد كتاب سيرته بأنه كان «أكثر من رئيس وأكبر من عاهل بكثير، جمع بين يديه دفعة واحدة سلطات الباي والمقيم العام الفرنسي»، وذلك بعد إلغائه للنظام الملكي عام 1957 بخلع الملك محمد الأمين الباي وإعلان الجمهورية. وخلال زيارته لتونس في عام 1958، بعد عام من إلغاء الملكية بها، عاد إلى المغرب معجبا بسياسة بورقيبة، قبل أن تنحرف سياسته فيما بعد، وصرح لبعض المسؤولين في حزب الاستقلال قائلا: «أعاهدكم على أننا لن نترك له (محمد الخامس) سوى مهمة تدشين المساجد وبأننا لن نترك له حتى الأئمة والفقهاء الذين سننشئ منهم حزبا سياسيا». وصلت تلك التصريحات إلى محمد الخامس فغضب غضبا شديدا، وطلب محمد الغزاوي، مدير الأمن الوطني آنذاك وصديق الملك منذ الطفولة، الفقيه محمد البصري، حسب ما يروي هذا الأخير في مذكراته، لأن الملك يريد مقابلته، وخلال المقابلة قال الملك للبصري: «لقد ضحيت بحياتك من أجل البلاد والعرش، فكيف تسمع كل هذا الكلام ولا تقول شيئا؟»، بعد ذلك قابل البصري ولي العهد مولاي الحسن الذي جاء بامحمد الدويري شاهدا على اللقاء، وينقل إنياس دال في كتابه «الملوك الثلاثة» كلام الدويري الذي جاء فيه: «هذا الأحمق علال يحيط به المهدي بن بركة والمحجوب بن الصديق اللذين يؤثران عليه. لقد شكل حكومته سلفا، وعينني وزيرا للصحة وبلافريج في الشؤون الخارجية، وقد طلبنا لقاءك لكي نقول لك إن علال الفاسي لا دخل له في هذه الأمور وبأن هناك أمينا عاما هو بلافريج لكي يقوم بهذه المهام». عبد الواحد الفاسي، نجل الزعيم الاستقلالي، قال إن ما نسب إلى والده عن محمد الخامس هو جزء من كلام كثير قيل عن علال بعد وفاته، لكنه أكد الواقعة، وقال إن الرواية الموجودة لها هي تحريف للحقيقة، فما قاله الزعيم كان ما يلي: «هل تريدون تجريد الملك من كل شيء، حتى الأئمة والفقهاء تريدون إنشاء حزب سياسي منهم؟». ويتساءل البعض كيف يمكن أن يكون مثل هذا صحيحا، علما بأن علال الفاسي كان من أشد المدافعين عن الملكية، وهو صاحب النشيد الشهير: يا مليك المغرب *** يابن عدنان الأبي نحن جند للفدا *** نحمي هذا الملك