بعد أن تأكدت هيئة المحكمة من هوية المتهمَيْن بحيازة وترويج المخدرات واعترافهما بالمنسوب إليهما، أعطى الرئيس الكلمة للمحامية قصد المرافعة للدفاع عن موكليها... انطلقت الأستاذة بكل ثقة وعزم بعد أن تفحصت بعض الوثائق من ملفّ وأمسكت بإحداها وبدأت تلوح بها، وهي تلقي خطابا غير مفهوم ولا منسجم ولا يتضمن خيطا ناظماً: «ينقسم هذا العالم إلى عالمين: عالَم محسوس وملموس وعالَم افتراضي، ولا شك أن العالم الافتراضي لا علاقة له بالعالم المحسوس والملموس... وإذا كان العالم المتقدم كلّه في دول أوربا ودول أمريكا يعيش في عالم من هذين العالمين وينتقل من واحد إلى آخر...». قاطع الرئيس، مبتسماً، المحامية التي أُعجِبت بمرافعتها في الوقت الذي أصابت الدهشة بعضا من زملائها الذين كانوا يحاولون إدراك معاني وألغاز المرافعة الفلسفية لزميلتهم، رغم معرفتهم بحالة زميلتهم... طلب منها الرئيس أن تعود إلى موضوع القضية والتحدث عن المتهمين موكليها والدفاع عنهما... «هذا هو الموضوع، إنني في صميم الموضوع، ولا بدّ أن أتحدث عن هذا العالم، لأن كلّ شبان العالم يعيشون في هذا العالم الافتراضي أو الملموس، وأنا أريد أن أجد مكانا لهؤلاء المتهمين في هذين العالمين وكلُّ محسوس ملموس، وكلّ افتراضي خيال...». انفجرت هيئة المحكمة وبعض المحامين الحاضرين ضحكاً، وهم يُخفون وجوههم بالملفات... وطلب الرئيس إنهاء المرافعة، مكتفيا بما قيل مرجئا النطق بالحكم إلى مساء نفس اليوم. رافع عن المتَّهم بدل موكّله! وضع المحامي حقيبته فوق الطاولة وأخرج ملفا خاليا من الوثائق المفروض الاعتماد عليها خلال المرافعة وخاليا من أي حكم أو مرجع يمكن له أن يُحاجَّ به، وباشر الدفاع عن موكّله-الضحية بعد أن أذن له رئيس هئية محكمة الاستئناف بذلك... استمر في المرافعة بضع دقائق وهو يدافع عن موكّله -الضحية وكأنه متَّهم، محاولا خلال مرافعته تبرئته، والتمس من هيئة المحكمة البراءة، احتياطيا، لظروف التخفيف. ولما أتم مرافعته، ذكَّره الرئيس بأنه ينوب عن الضحية وليس عن المتهم... صمت المحامي فترة، ثم نطق قائلا: «سيدي الرئيس، إذن خذ بعكس كلّ ما قلته!»... التباس بين «السّمة» و(السّيمة) الإسمنت.. سأل رئيس الغرفة الجنحية، وهو أمازيغي الأصل، أحدَ المعتقَلين من قبيلة بني وكيل في الجهة الشرقية، والمتَّهم بسرقة وتهريب بعض رؤوس الأغنام، الذي أنكر المنسوب إليه: «كيف تتعرف على ماشيتك»؟.. ردّ عليه المتهم: «أنا ربّيتُها ورعيتها وكبّرتها وأعرفها بالسِّيمة (أي سِمة ويقصد بها علامة من العلامات التي قد يألفها مربي الماشية)... فبادره الرئيس بسؤال آخر: «واشْ كدِّيرو لها السيمة في الراس بحال الحنّة؟» (ظانا أنه يتحدث عن السّيمة أي الإسمنت)... تنازلتُ عن القضية ولن تحكم بيننا امرأة نادت هيئة المحكمة في إحدى مدن الجهة الشرقية المحافظة المدَّعِي، وهو رجل متقدم في السّنّ، والمدَّعى عليه، ليَمْثُلا بين يدي القاضية التي كانت وقتها رئيسة الجلسة... وقبل أن تبدأ القاضية مساءلةَ الخصمين المتنازعين، اندهش الشيخ المُدَّعِي لوجود امرأة في هيئة المحكمة وسط الرجال، بل إنها هي رئيسةُ الجلسة... رفع الشيخ المدعي أصبعه وسأل القاضية ما إن كانت هي التي ستحكم بينهما؟... فلما ردّت عليه بالإيجاب، التفت إلى خصمه وقال له: «تنازلت لك عن القضية.. لن تحكم بيننا امرأة!»... مرافعة بالدارجة «المعرَّبة» انتصب المتهم أمام هيئة المحكمة وطلب الرئيس من الدفاع مباشرة مرافعته عن موكله المتهم من أجل سرقة بعض رؤوس الماشية من منطقة الظهرة في الجهة الشرقية.. انطلق المحامي في مرافعته، معتمدا على القانون الطبيعي الذي يتميز بمنطق واقعي وسهل: «سيدي الرئيس، كيف يُعقل لموكلي هذا (وهو يشير إلى نحافته) النحيل والهزيل أن يحمل الكبش على ظهره ويمُرّ أمام أهل الدوار «ويْشوفوه والكبشْ يْبعبع»... لا يُعقَل، سيدي الرئيس، أن يقترف المؤازَر هذه الأفعال، إذ هي ملفقة ليس إلا، مما يجب معه البراءة والبراءة المطلقة...». الغرامة مقبولة والحبس مرفوض! حضر أحد الأشخاص المتحدرين من البادية من منطقة «الظهرة». وعند سماعه النطق بالحكم عليه: «حكمت المحكمة بشهر حبسا نافذا و1000 درهم غرامة مالية...». فما كان منه إلا أن قال للقاضي: «سيدي القاضي 1000 درهم نْخلّْصها، وشهر نتاعْ الحبس ما عنديشْ ليه الوقت، راني مشغولْ بزّاف وعندي الغنم نقابلها!»...