"إن كنت في المغرب ورأيت أن فوق رأسك طيوراً تحلق، فلا تعتقد أنها غربان.. اطمأن، إنها فقط أكياس بلاستيك سوداء"..هكذا يُحذر السياح الفرنسيون أصدقاءهم الذين يرغبون في زيارة المغرب لأول مرة، والحقيقة أن التحذير، رغم طرافته، يلفت النظر إلى ظاهرة تكاد تكون مغربية مائة في المائة. إنها ظاهرة انتشار أكياس البلاستيك السوداء، التي تملأ جل الفضاءات العمومية بالبلاد. فأينما وليت وجهك فثمة أكياس مرمية على جنبات الشوارع، وفي الحدائق، والشواطئ والأسواق، وفي كل مكان، إلى درجة أن الشاعر والباحث المكسيكي ألبرتو روي سانشيز، العاشق لموكادور، عندما شاهد أول مرة، عن بعد، قطيعا من الماعز يتسلق شجرة الأركان، في ضواحي الصويرة، لم يصدق عينيه، واعتقد جازما أن الأمر يتعلق بأكياس بلاستيكية سوداء. الأرقام بدورها مأساوية بخصوص "الميكّا الكحلة"، فحسب إحصاءات أعدتها وزارة إعداد التراب الوطني والماء والبيئة، فإن المواطن المغربي يستهلك سنوياً تسعة كيلوغرامات من هذه المادة، بينما تنتج الشركات كل سنة ما يفوق ملياري كيلوغرام من هذه الأكياس، ويجني أصحاب هذه الصناعة غير المهيكلة قرابة ملياري درهم سنويا، وعند رميها في الطبيعة تظل مئات السنين قبل أن تتحلل نهائيا، وغالبا ما تنتهي هذه المادة في أمعاء البهائم التي ترعى في الأماكن العشوائية. ويستعمل المغاربة "الميكّا لكحلة" بشكل كبير رغم أضرارها على البيئة والإنسان، لأسباب ترتبط بقيمتها المادية البخسة وبثقافتنا المبنية على "السترة"، فهي، من جهة، لا تساوي سوى 50 سنتيما للكيس الواحد، ومن جهة أخرى، يعتقد الناس أن باستعمالها يخفون الحاجيات اليومية التي يقتنوها من الأسواق. هذه "الميكّا"، التي كبرنا ونحن نراها يوميا في أركان بيوتنا وفي أزقتنا وحدائقنا، سنفقدها قريبا بعد أن "ربينا عليها الكبدة كثيرا".. فقد صدر أخيرا مرسوم مشترك بين وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، ووزارة الطاقة والمعادن والمياه والبيئة، يطالب بضرورة تفادي استعمال المادة الملونة السوداء عند إنتاج الأكياس البلاستيكية، كما يقضي المرسوم بتوضيح حجم سمك البلاستيك المستخدم في تصنيع هذه الأكياس، إلى جانب الطرف المصنع، على ظهر أي كيس من هذا النوع.