ابتداء من أواخر التسعينيات من القرن الماضي، تسابقت السلطات العمومية في مدن الدارالبيضاء، والرباط، وطنجة، لمنح التدبير المفوض لشركات أجنبية، قصد التخلص من "صداع الرأس"..الناجم عن القضايا المتعلقة بقطاع تطهير السائل والماء والكهرباء، خاصة أن هذه المدن كانت كلما تتساقط ملمترات قليلة من الأمطار تتحول إلى مستنقعات، تحول دون وصول الموظفين والعمال إلى مقرات أعمالهم. وكانت الدارالبيضاء سباقة إلى هذه العملية، ففي غشت 1997، قطع جزء كبير من المدينة علاقته مع "لاراد"، التي كانت تتكلف بهذه المهام، وسلمت المفاتيح إلى "ليدك"الفرنسية، سرعت الفيضانات، التي غمرت منطقة درب السلطان، وانهيار بعض المباني في حي بوجدور، في السنة ذاتها، هذه العملية. وبعد الدارالبيضاء، لم تجد الرباط، وطنجة، وتطوان، بدا من الدخول في التجربة ذاتها، لكن، هذه المرة، مع شركة "ريضال" الإسبانية، في العاصمة الرباط، و"أمانديس"، الإسبانية أيضا، في تطوان وطنجة، فهل نجحت هذه الشركات في مهمتها؟ لم يكن أكثر المتفائلين بتجربة التدبير المفوض لقطاع الماء والكهرباء وتطهير السائل يعتقدون أن مصيبة الفيضانات واختناق شبكات التطهير ستتواصل حتى مع وجود هذه الشركات، وهذا ما ظهر بشكل جلي في الأيام الأخيرة، إذ قطعت حركة السير والجولان في عدة شوارع في الدارالبيضاء، ولم يتمكن عدد من الموظفين من الوصول إلى مقرات أعمالهم في الرباط، دون نسيان ما وقع السنة الماضية في الحي الصناعي في طنجة. وإذا كانت هذه الشركات تؤكد، في مناسبات كثيرة، أنها استطاعت أن تخصص ملايين الدراهم كاستثمارات لتجديد شبكات التطهير، للحد من خطورة الفيضانات، فإن الأمطار تكشف أن هناك مجهودا كبيرا ما زال ينتظر هذه الشركات، إذ لا يعقل أن تتهاطل كميات قليلة من الأمطار لتتحول الشوارع إلى برك مائية كبيرة، لدرجة أن هناك من يقول ساخرا إنه إذا استمر هذا الوضع يجب على المواطنين أن يفكروا في شراء قوارب لقضاء أغراضهم أثناء موسم الأمطار. وتأجج التجاذب الحاصل بين شركات التدبير المفوض في قطاع الماء والكهرباء وتطهير السائل، وعدد من منتقدي هذه التجربة، بشكل كبير خلال الثلاث سنوات الماضية، إذ ارتفعت أصوات عدد من المنتخبين، سواء في الدار البيضاء، أو الرباط، أو طنجة وتطوان، للمطالبة بضرورة مراجعة العقود الموقعة مع هذه الشركات.(الدار البيضاء تمكنت من مراجعة عقدها مع "ليدك"). وبعد مخاض عسير، وحرب طويلة، تخللتها وقفات احتجاج ضد هذه الشركات من قبل بعض جمعيات المجتمع المدني، دخل الطرفان في سلم في الشهور الأخيرة، إلا أن الأمطار، التي تهاطلت في الأيام الأخيرة، قد تعيد العلاقة إلى نقطة الصفر، سيما أن هناك منتخبين ينتظرون أول سقوط لهذه الشركات، ليشهروا سيوفهم في وجوهها، محملينها مسؤولية الفيضانات، التي تغمر كل مرة الأحياء والدروب والشوارع الرئيسية.