عبد حقي كاتب وإعلامي من مواليد مدينة مكناس، تلقى تعليمه بالمدينة نفسها، وكان من المفروض أن يكون عازفا ماهرا على آلة القيثارة، أو مغنيا مفتونا بهالة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي مطلع ستينيات القرن الماضي وهو يشدو "حبيب الجماهير"، أو"الدار اللي هناك"غير أن سنوات السبعينيات وتعرفه على أحد الشعراء الريفيين اليافعين، قلب كل مخططاته وانخرط من حيث لا يدري في كتابة الشعر، وكان كلما كتب خربشة قدمها لأستاذه الشاعر الفقيد بنسالم الدمناتي، الذي كان يدرسه مادة اللغة العربية بإعدادية ابن عثمان المكناسي بجوار المدرسة العبرية بالملاح الجديد. أذيعت له ذات أربعاء من سنة 1976 من القرن الماضي أول قصيدة تحت عنوان "همسات اللقاء" ببرنامج "ناشئة الأدب"، الذي كان يشرف عليه الفقيدان إدريس الجاي ومن بعده وجيه فهمي صلاح، ويمكن القول إن تلك القصيدة هي ذلك المركب الذي قذف به في بحر الإبداع الأدبي، حيث اللاعودة وحيث للندم طعم لذيذ. خلال سنوات الثمانينيات عرج على برنامج "حدائق الشعر"، الذي كان يعده ويقدمه الفقيد الشاعر محمد بنعمارة، وبعد فترة صمت دامت بضع سنوات عرج على الكتابة القصصية بعد أن نحت في نظره القصيدة العربية الثمانينية في متاهات التجريد المجاني والسريالية الفجة، وكان أول نص قصصي نشره بصفحة "حوار" بجريدة العلم سنة 1989 تحت عنوان "التبوريدا"، ثم تقاطرت نصوص قصصية أخرى بعده إضافة إلى تعاونه الصحفي مع جريدة "أنوال"، التي صارت بعد الحظر والمنع جريدة "الأنوار"، ثم أخيرا "المنظمة". هذا الشغف والهوس بالمجال الثقافي والأدبي والإعلامي لم يمنعه من العودة بين الحين والآخر إلى فراديس الموسيقى وجنونها. صدرت لعبده حقي مجموعة قصصية موسومة بعنوان "حروف الفقدان"، وله بعض الأعمال في طريقها للنشر منها مجموعة قصصية ثانية سوف تحمل عنوان "لوثة الحكاية"، ورواية جاهزة للنشر موسومة ب "وصلنا للواحة". وعلى المستوى الرقمي والإلكتروني، فلعبد حقي مجموعة من المقالات والدراسات حول الثقافة والأدب الإلكترونيين، وهو مؤسس مجلة "اتحاد كتاب الإنترنيت المغاربة" التي أكملت عامها الأول وأصبح اسمها "مجلة كتاب الإنترنيت المغاربة" ويمكن للقراء زيارتها على الموقع التالي:(http://kouttab-al-internet-almaghariba.page.tl )K. وكان لنا معه الحوار التالي: متى تستيقظ في أيام رمضان؟ يختلف وقت الاستيقاظ باختلاف الشهور، وبما أننا في عز الصيف وفسحة الإجازة، فأنا أستيقظ في حدود الثانية عشرة صباحا، حيث أبدأ بمشاهدة آخر الأخبار على الفضائيات الفرنسية والعربية، ثم بعد ذلك أخرج لحصة المشي اليومية، التي قد تصل إلى ساعة عبر أجمل الشوارع هنا في فاس أنعم بهدوئها وقلة تلوثها. هل يطرأ تغيير على برنامجك خلال هذا الشهر؟ أجل، قد تطرأ بعض الفوضى الجميلة حيث يصير الليل نهارا والنهار ليلا ، فقد يمتد سمري الليلي إلى حدود طلوع الفجر، يختلف فيه سهري بين تلاوة القرآن، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، وإنجاز بعض المشاريع التي تتعلق بالصحافة الورقية، والأدب الرقمي، وتحيين الصفحة الرئيسية لمجلة "كتاب الإنترنيت المغاربة" الإلكترونية، والرد على رسائل الأصدقاء والصديقات في البريد الإلكتروني، وقراءة ما تراكم على المكتب من جرائد ومطبوعات. هل تتكلف بمستلزمات الإفطار والتسوق أم لا؟ ليس لدي انضباط يومي، فأنا مزاجي، وسماء ذهني ليست لها فصول قارة، فقد أخرج للتبضع ثم أعود خالي الوفاض وأكتفي بطعام المتصوفة، وقد أخرج للتجوال فأجدني قد أسرتني عناقيد العنب أو عراجين التمر..إلخ ماذا يميز مائدة إفطارك؟ مائدتنا لا تختلف عن الموائد المغربية في تأثيث طعامها، لكنني أختلف مع زوجتي في تقاليد الإفطار، فنحن المكناسيين عادة ما نبدأ فطورنا الرمضاني بمأكولات مخففة وسائلة مثل القهوة والحليب، والتمر، والبيض المسلوق، والزميتة، والفطائر، فيما يختلف عنا جيراننا الفاسيون بتناول الأطعمة الرئيسية، التي غالبا ما تكون طاجين السمك ثم بعد ذلك تأتي المخففات. هل تتابع البرامج التلفزيونية خلال رمضان؟ وما هي؟ أجل، باعتباري مهتما بالمجال الصحفي والإعلامي فأنا أحرص على الاطلاع على خارطة البرمجة في كل القنوات المغربية ومقارنتها بالقنوات العربية، وأعتقد أن الخط التلفزي الرمضاني قد عرج هذه السنة على الاتجاه المعاكس للسنوات الأخرى، التي هدرت فيها المال العام من أجل الضحك على ذقون المغاربة وليس انتزاع الضحكات منهم. ما هو برنامجك بعد الإفطار؟ لست من المدمنين على شيء ما، وأشد ما أكره الروتين اليومي، وأعتقد أن وسائط الاتصال على اختلاف سنداتها منحتنا اليوم إمكانية السفر الممتع فوق كرسي المكتب، وليس على مقعد الطائرة، ففي هذا المكان بالضبط بمكتبي يمكن أن أحقق وأنفذ كل برامجي الإعلامية والثقافية عبر العالم بعد الإفطار. هل لديك طقوس معينة خلال هذا الشهر الفضيل؟ أجل، لو لم تكن لرمضان طقوس خاصة لكان مثله مثل الشهور الأخرى. هل تستقبل الضيوف خلال هذا الشهر؟ نادرا ما يقع هذا، غير أنني أعشق السفر إلى مسقط رأسي مكناس فهناك لرمضان أجواء خاصة جدا مع الوالدة. وما هي أحب الأوقات إليك في هذا الشهر؟ الليالي .. الليالي بما تيسر من تلاواتها القرآنية وروحانياتها، وسمائها التي لا تراوحها أطياف الملائكة، وأجمل اللحظات تلك الدقائق الأخيرة قبل السحور، والدقائق الأخيرة قبل الفطور. ما هي المواقف السارة والسيئة التي تحتفظ بها ذاكرتك خلال هذا الشهر؟ من المواقف السيئة التي لن تنساها ذاكرتي أنني حين كنت صغيرا بأحد الأحياء العتيقة بمدينة مكناس كنت واقفا بباب الدار في انتظار آذان المغرب، وكان الدرب خاليا من المارة كما هي العادة قبل الإفطار، وبين الحين والآخر كنت أرى رجلا في "رأس الدرب" يأتي ثم يمضي وهو يمسح دموعه بمنديل أبيض، كان الرجل غارقا في بكاء عميق وصادق وتهدج عالي، وحين دخلت إلى الدار لأخبر العائلة بأمره، أجابتني الوالدة أن السلطان محمد الخامس رحمه الله توفي في ذلك اليوم. وهل تتذكر أول يوم صمت فيه؟ لا أذكر ذلك، ربما لأنني ضعت في زحمة العائلة الكبيرة التي يسيطر فيها الكبار.