تاه ثلة من اليساريين، اجتمعوا، مساء الثلاثاء الماضي، لمناقشة وحدة أحزابهم، في نقاش المفاهيم، وقضايا متنوعة، بدل نقاش سبل وطرق توحيد صفوف اليسار، الهدف الذي اجتمعوا من أجله. شابة يسارية، في العقد الثاني من عمرها، كشفت خلال مداخلتها، في الاجتماع "الوحدوي"، أن الوثيقة أو النداء، الذي وقعه عدد من اليساريين من أجل الوحدة "لا يتسم بالشجاعة والجرأة"، خاصة في نقاش وتحديد المواقف من قضايا اعتبرتها أساسية، قبل الخوض في مضامين الوحدة وسبلها. وحددت هذه القضايا في العلمانية، والحريات الفردية، والحرية الجنسية، مشيرة إلى أن نداء اليساريين غيب هذه المواضيع، ولم يتطرق إليها. وطالبت المتدخلة اليساريين، في اجتماع احتضنه مقر الحزب الاشتراكي الموحد، بالدارالبيضاء، بطرح هذه القضايا للنقاش، وتعميمها على الجماهير الشعبية، والتعبير عن موقف اليسار بوضوح منها، بالجرأة نفسها، التي تناقش بها أطراف أخرى معادية لليسار هذه القضايا. واستعرض المتدخلون "عضلاتهم" الفكرية، وتاهوا في تحديد "المفاهيم"، وانتقلوا من مناقشة السياسة إلى المناهج واللسانيات، "المرسل والمرسل إليه"، و"تعدد المخاطب"، في اجتماع حضره حوالي 100 فاعل، يتقدمهم شباب طموح، ما زال يتلمس بدايات طريق النضال، إلى جانب من "سقطت أسنانهم في السياسة"، من قواعد أحزاب اشتراكية ويسارية، تتوخى التحام اليسار، وقياديين من الحزب الاشتراكي الموحد، لا حول لهم ولا قوة غير استجداء الوحدة مع الاتحاد الاشتراكي، الذي فضل الارتماء في أحضان العدالة والتنمية. حضر اللقاء يساريون من مدن البيضاء، والرباط، وفاس، والقنيطرة، والرشدية، وخريبكة، وآسفي، إضافة إلى ليون وباريس، بفرنسا، حسب ورقة الحضور. واستأثرت جملة "شعب اليسار" بنقاش مفصل، إضافة إلى يساريي الحكومة ومعارضيها، المشاركين في الانتخابات ومقاطعيها، بهدف رد الاعتبار ليسار "يعيش أزمة، وانفصاما عن المجتمع"، و"يسار تسوده أمراض وأعطاب، منها الذاتية والأنانية". ودعا مشارك "مواطني اليسار إلى تحمل مسؤوليتهم التاريخية لبلوغ الهدف المنشود، لإعادة بناء اليسار، وصياغة أرضية سياسية وإيديولوجية، من الحد الأدنى المتفق حوله، على أساس الوضوح والشجاعة. وأجمع الحضور على "ضرورة تأسيس حركة، تتأسس على قراءة نقدية لتجربة اليسار وبأسس جديدة، تجمع المنادين إلى وحدة اليسار، كإطار للنقاش وتفعيل التوصيات، والمقترحات"، حركة اعتبروها ضرورية "لفتح الطريق لإعادة بناء اليسار، في إطار الشرعية الديمقراطية، بعيدا عن أي نزعة انشقاقية أو انقلابية للانتقام، أو قطع بعض الرؤوس المغضوب عليها، أو تأسيس حزب جديد لينضاف إلى "البوتيكات" الموجودة". وأبدى المشاركون تخوفاتهم من اقتصار هذه "الحركة" على النقاش وتكرار النقاش، ودعوا إلى تنظيم الحوار وتأطيره. وبرز صوت يدعو إلى حصر النقاش والوحدة على الأحزاب اليسارية المشاركة في الانتخابات، معتبرا أن دعاة المقاطعة لا تعنيهم هذه "|المبادرة الوحدوية"، لأن جوهرها انطلق من تقييم التجربة الانتخابية، والهدف من النقاش هو تحقيق التراكم، لا التكرار والاجترار، في إشارة ضمنية إلى "النهج الديموقراطي"، الفصيل اليساري المعارض للانتخابات. وعاب مناضلون يساريون "انتشار الأمية الإعلامية في أوساط الرفاق، الذين لا يتفاعلون مع التقنيات الحديثة، وهم الحداثيون، المفروض فيهم مواكبة المستجدات العلمية والتقنية"، ما دفع إلى الدعوة إلى تعميم نداء وحدة اليسار ورقيا وبوسائل بسيطة، على جميع الفاعلين اليساريين، بدل الاقتصار على الشبكة العنكبوتية (الإنترنيت). وخلص المشاركون إلى أن "اليسار، الذي عرف تاريخيا بالانشقاقات والتشرذم، مطالب، اليوم، بالوحدة، لتجاوز الأزمة المركبة التي يعانيها، لتفادي إعلان موته النهائي، خاصة أنه الآن في حالة موت سريري". يذكر أن أحزاب اليسار تعيش على إيقاع نقاش داخلي حاد، بعد انتخابات يونيو 2009، استمرارا لنقاش انطلق بعد الاستحقاقات التشريعية 2007، إذ يشهد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد هذه الاستحقاقات الانتخابية "ثورة هادئة" لرجالات الصف الثاني بالحزب، تسير على خطى "الاشتراكيين الجدد"، بعد أن بادر عدد من اليساريين المتحزبين واللامنتمين، يتقدمهم أعضاء قياديون بالاتحاد الاشتراكي، إلى إطلاق مبادرة لإعادة إحياء فكرة اليسار. ويفكر أصحاب المبادرة، التي لقيت تجاوبا في أوساط اليساريين في خلق حركة أو إطار "ينخرط فيه كل من ما زال يؤمن بمشروع اليسار". وإذا كان الموقعون على النداء من رجالات الصف الثاني وقواعد الاتحاد الاشتراكي، والأمر نفسه بالنسبة لباقي التيارات اليسارية، فإن الحزب الاشتراكي الموحد فضل النزول بثقل قيادته في هذا الاجتماع، خاصة الوجوه الوافدة من منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، مثل إبراهيم ياسين، وأعضاء المكتب السياسي (مصطفى مفتاح، ومحمد دعيدعة، ومحمد العوني، وعبد اللطيف اليوسفي)، ومحمد بن الدين، من المجلس الوطني.