"النفار"، ذاك الشخص الذي يظهر في جنبات الشوارع والأزقة مع إطلالة شهر رمضان، ويختفي عن الأنظار بمجرد الإعلان عن يوم عيد الفطر. درقاوي إنه واحد من أصحاب المهن الرمضانية، الذي اعتاد سكان المدن القديمة في المغرب على سماع تراتيله وأناشيده الدينية منذ قرون، إذ يعتبر من لوازم شهر الصيام، ولم تكن تحلو ليالي رمضان إلا بسماع صوت "النفار"، وهو يوقظ الناس لتناول وجبة السحور. وقد يعتقد البعض أن مهنة "النفار" متاحة لكل شخص، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ من اللازم على من يريد امتهان هذه الحرفة الرمضانية أن يكون عارفا بأصولها، وحافظا لعدد من التراتيل والأناشيد، وعاشقا لها، ذلك أن حب هذه المهنة يشكل الدافع الأساسي لعدد من "النفارة" لحمل مزاميرهم الكبيرة في جنح الليل، لإيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور، التي نصح الرسول عليه الصلاة والسلام بتناولها لأن فيها بركة، على اعتبار أن للسحور فوائد ومزايا كثيرة صحيا ونفسيا واجتماعيا، فرديا وجماعيا، إذ جاء في صحيح البخاري أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً ". ويكون "النفار" حريصا على إيقاظ الصائمين حتى ينعموا بهذا الخير، كما ما جاء في شهادة خديجة، سيدة بيت، التي تقول "كانت تراتيل النفار توقظنا من نومنا العميق لتناول وجبة السحور، التي كان لها طعم آخر في السنوات السابقة، إذ كان جميع أفراد العائلة يجتمعون على مائدة السحور، وكان النفار يلعب دورا كبيرا في إيقاظنا لتناول هذه الوجبة، ولم نكن نتردد لحظة في الاستيقاظ، إذ كانت تراتيل النفار تدفعنا إلى طرد النوم من أعيننا". وأضافت خديجة أن مهنة "النفار" واحدة من المهن التي لا تظهر إلا مع شهر الصيام، إذ لا يمكن مشاهدة "النفار" في الأيام الأخرى، فهو شخص رمضاني. وحول ما إذا كانت مهنة النفار ما زالت تحتفظ بالمكانة ذاتها، يستبعد عدد من المواطنين ذلك، ففي السنوات القليلة الماضية، لم يعد للنفار وجود في العديد من المدن، وباستثناء حالات قليلة، أصبح "النفار" عملة صعبة لا يمكن العثورعليها، خاصة في الأحياء الراقية بالمدن. ويزكي هذا الأمر أحد "النفارة"، الذي أكد أن عشقه لهذه المهنة هو الذي يدفعه إلى الخروج ليلا، وتابع قائلا "لم يعد الأمر كما كان في السنوات الماضية، كان للنفار دور كبير في رمضان، إذ لا تكتمل السهرات إلا مع النفار الذي يعد الوسيلة الوحيدة للسكان للاستيقاظ لتناول وجبة السحور، وأداء صلاة الصبح". ومن العوامل التي جعلت دور النفار يتقلص، ظهور التلفاز وانتشار المقاهي، إذ أصبح الصائمون يفضلون السهر إما لمتابعة ما تجود به القنوات الفضائية من مسلسلات رمضانية، أو السهر في المقاهي حتى حلول موعد السحور. ومع ذلك، هناك من يعتقد أن النفار ما زال يلعب الدور نفسه الذي كان له في الماضي القريب، إذ ورث عدد من الشباب هذه الحرفة عن آبائهم، وهم يصرون على مواصلة الدرب، معتبرين أنه نه ليس من المعقول الاستغناء عن هذه الحرفة. وليس المغرب وحده من تراجع فيه دور "النفار"، ففي العديد من الدول العربية تقلص دور هذا الشخص، ليفسح المجال أمام وسائل أخرى أصبح يعتمد عليها الصائمون للاستيقاظ لتناول وجبة السحور، ولكل بلد طريقته الخاصة في السحور، فقد جاء في كتاب "المدخل" لابن الحاج أن أهل اليمن كانوا يتسحرون بدق الأبواب بأيديهم، والاكتفاء بالتنبيه على حلول موعد السحور، بينما يتسحر أهل الشام بالضرب على الطبل، أو بضرب النقير خمس أو سبع مرات، ويتشابه أهل المغرب مع أهل الشام في هذا الشأن. ودخلت مهنة "النفار" إلى التراث الشعبي، ليس في المغرب وحده، بل في العديد من الدول الإسلامية، وتحولت إلى فلكلور شعبي، إذ لا يمكن أن يحل رمضان دون أن يتذكر الناس أنه كان في يوم من الأيام رجل يحمل مزاميره بين يديه، ويحرص على أن يوقظهم لتناول وجبة السحور، مكتفيا بالدعاء إليه، ومده ببعض الدراهم، أو بزكاة الفطر.