"يا بسمة الأمل"، و"كم بعثنا مع النسيم سلاما"، و"أفديه إن حفظ الهوى"، روائع من الزمن المغربي الأصيل، زمن أحمد البيضاوي، الذي طبع المشهد الفني المغربي والعربي بعبقريته الفذة، من خلال ما أسداه للموسيقى، والأغنية العربية والمغربية من خدمات جليلة.ولد أحمد البيضاوي، واسمه الحقيقي أحمد شهبون، عام 1918، بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، وكان والده مسؤولا بالمدرسة البحرية يصنع الشباك ويعلم الطلبة هناك، أصله من سوس وقدم للدارالبيضاء من مدينة أكادير، وارتبط الطفل أحمد بصداقات عديدة مع أبناء حيه، الذي لم يكن يبعد كثيرا عن جامع الشلوح، الذي كان وما يزال معروفا بمحلات بيع وكراء الآلات الموسيقية، وهناك كان يجد متعة خاصة في الاستماع إلى الأناشيد والأغاني الدينية والتراثية، التي كانت تلتقطها أذناه في حلقات الذكر والسماع، ومجامع الزوايا والمدائح النبوية التي كان يحضرها مع والده، تعلم العزف على العود حتى صار من أمهر العازفين، وأدى أول أغانيه في الأربعينيات من القرن الماضي، على العود فقط، سنة 1946، مما جعل الراحل محمد الخامس، يكلفه رفقة عباس الخياطي، والغالي الخياطي، والحاج عبد القادر صالح، رحمهم الله، بتأسيس جوق موسيقي وغنائي مغربي. أثناء حياته الحافلة بالعطاء والتجديد لحن البيضاوي وغنى عشرات الأغاني الناجحة، مثل "حبيبي تعالى"، التي كتب كلماتها الشاعر محمد الفاسي، و"لما أنت عارف"، و"يا بائع اللؤلؤ"، و"البردة"، و"منك يا هاجر دائي"، التي أهداها البيضاوي للصوت المغربي سمية قيصر. بصم الراحل البيضاوي على حضوره، من خلال رسمه لخط خاص في التلحين والغناء، خلق جدلا في الساحة الفنية الوطنية بين مؤيد ومعارض، إلا أنه يبقى برأي المهتمين من الأسماء البارزة في التاريخ الفني للمغرب، ذلك الموقع يفسره التراث الغني الذي تركه على رأس الجوق الوطني في الأربعينيات، ويعكسه تفاعل الجمهور المغربي، الذي يحفظ أغانيه الخالدة عن ظهر قلب، مثل أغنية "يا صاحب الصولة والصولجان"، وأغنية "هجران"، التي أدتها بهيجة إدريس سنة 1959، و"أضحى الثناء" للشاعر الأندلسي الكبير ابن زيدون، و"هذا حبيبي"، وقصيدتي، "شفتاك"، و"يا شادي الباب"، اللتين يناضل ابنه فوزي البيضاوي قصد تقديمهما للجمهور المغربي لأول مرة، إذ سجلهما الراحل لإذاعة لندن فقط. وتكمن قيمة الرجل كذلك في اشتغاله مع العديد من رموز الأغنية العربية والمغربية، من بينهم المطربتان الراحلتان هدى سلطان، وعليا التونسية، إلى جانب تقديمه لمجموعة من الأغاني لكل من الفنان المصري ماهر العطار، وعبد الهادي بلخياط، وعبد الوهاب الدكالي، وعزيزة جلال وغيرهم من الفنانين الكبار. كما كان وراء تشجيع الكثير من المطربين في إطار مسؤولياته داخل الإذاعة، وكان وراء ظهور العديد من العازفين والملحنين والمطربين، واتجه أسلوبه بشكل واضح نحو القصيدة العربية الفصحى، وإلى جانب أنه من كبار الملحنين المغاربة والعرب، فإنه أيضا، صوت غنائي متميز مثل غنائه قصيدة "نهج البردة"، و"حبيبي تعالى"، و"كل من صد و خان". وعن أحمد البيضاوي يقول الملحن صلاح المرسلي الشرقاوي "الراحل أحمد البيضاوي يعد أسطورة الموسيقى المغربية والعربية، واستحضار ذكراه ما هو إلا اعتراف رمزي بسيط بما أسداه في تاريخه في الغناء والتلحين لأغلب الأسماء المعروفة". طرق البيضاوي باب السينما، من خلال مشاركته في فيلم "الصب العليل" عام 1948، بأدائه ثلاث قصائد لأمير الشعراء أحمد شوقي، من بينها "قلبي بوادي الحمى"، التي سبق للموسيقار محمد عبد الوهاب أن غناها عام 1928، كما شارك في فيلم " دموع اليتيم" مع الراحل البشير لعلج، وفيه غنى قصيدة "يا حبيبي أفق" عام 1960، بالإضافة إلى أعمال أخرى ضاعت عند انتقال الإذاعة المغربية من "تواركة" إلى "دار البريهي". وكان فريد الأطرش يبعث بأغانيه الجديدة إلى البيضاوي باسمه الخاص، كما كان معجبا بعزف البيضاوي على العود، معتبرا إياه من عمالقة العزف في العالم العربي. ورغم مرور 20 سنة على رحيله، يبقى أحمد البيضاوي، صوت الأغنية المغربية الرائد، وعازف العود والملحن والصوت الرخيم، الذي أغنى الخزانة الوطنية والعربية، بروائعه، التي ستظل خالدة أبد الدهر.