لا حديث حاليا بين المغاربة سوى عن موجة ارتفاع الأسعار، وما تطرحه من تحد كبير على الحكومة التي دخلت في تعبئة قصوى للبحث عن حلول عاجلة لهذا الملف الاجتماعي الحارق، الذي ينضاف إلى ملفات أخرى لا تقل أهمية وتحتاج إلى وصفة خاصة للتعاطي معها، وذلك بعدما كان بعضها موضوع احتجاجات. ففيما يجري الانكباب على دراسة حزمة من الإجراءات التي ترمي إلى التخفيف على المواطنين ودعم قدراتهم الشرائية في مواجهة هذا «التسونامي»، الذي يجتاح العالم مع العمل على تسريع تنزيلها، تواصل الزيادات في الضغط بقوة باستمرار تسجيل ارتفاع جديد في أثمان بعض المواد في الأسواق، خاصة الغذائية منها، وسط تقديرات بأن تشهد مسلسل تصاعد آخر في الطريق، نتيجة التقلب المستمر لحال الأسواق دوليا، وهو ما يعقد جهود الحكومة في حلحلة هذا الملف. فوفق ما جمعته «الصحراء المغربية» من شهادات لمستهلكين في مناطق مختلفة، فإن بعض المواد، خاصة التي يتزايد الإقبال عليها في شهر رمضان، يواصل ثمنها أخذ منحنى تصاعديا في مجموعة من المدن الكبرى، كما هو عليه الشأن في الدارالبيضاء، حيث قفز سعر الكيلوغرام الواحد من الطماطم، في اليومين الأخيرين، من 10 إلى ما بين 13 و15 درهما، رغم تأكيدات رسمية بأنها ستسجل انخفاضا قريبا، فيما تراوح ثمن البيض ما بين 1.30 و1.40 للواحدة، وذلك في ظل معطيات تفيد استغلال «تجار الأزمات»، بشكل بشع، للظرفية الحالية وجعل أسعار مواد أخرى غير أساسية بدون سقف. وبهذا الخصوص، أكد بوعزة خراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، أن عاصفة ارتفاع الأسعار في استمرار، مبرزا أنه «عندما يتصاعد ثمن المحروقات الباقي يتبع. زد على ذلك استغلال من نعرفهم ب (تجار الأزمات) والوسطاء للظرفية بحثا عن تحقيق المزيد من الأرباح». وأضاف الخراطي، في تصريح ل «الصحراء المغربية»، «المواد كلها ارتفعت.. الحكومة تقول إن هناك استقرارا في الأسعار، لكن ما يجب معرفته هو أنه هناك استقرار في الزيادات في مستواها العالي»، مشددا على ضرورة اتخاذ تدابير مستعجلة، على الأقل بالنسبة للمواد الأساسية، حتى تشهد بعض الانخفاض. وذكر أن «السؤال الملح حاليا هو ماهي الإجراءات التي قامت بها الحكومة لتخفيف متاعب المستهلك المغربي جراء التهاب الأسعار؟»، والرد عليه، يمضي الخراطي مفسرا، «هو أن الكلام موجود، لكن أثره يجب أن يظهر في السوق»، مستعرضا، في هذا الجانب، مسألة الزيادة في ثمن الطماطم، إذ قال، في هذا الشأن، «طلبنا من الحكومة أن توقف تصدير الطماطم خلال شهر شعبان.. وكان ما صرح به وزير الفلاحة هو أنه سيجري اعتماد هذا الإجراء بالنسبة لبعض الدول، وذلك معناه أنه لن يشمل باقي الدول الأخرى، والتي كان الطلب الكبير لإحداها، هو السبب في الارتفاع المتواصل في الثمن الذي تشهده هذه المادة الغذائية». ومضى موضحا «الأسعار في ارتفاع.. ورغم أنه، الحمد لله، الوفرة موجودة لكن القدرة الشرائية للمستهلك أصبحت غير قادرة على تلبية حاجياتها. فكما يقال 200 درهم أصبحت قيمتها 20 درهما»، مثيرا، بالمناسبة، مجموعة من المقترحات التي جرى التقدم بها من أجل المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن. وذكر رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك بأن هذه المقترحات توزعت بين المطالبة بتخفيض الضريبة على القيمة المضافة ب 50 في المائة على المواد الأساسية، ومراجعة قانون المالية بحذف جميع زيادات التي شملت بعض العائدات الضريبية، إلى جانب المطالبة باستعمال المادة 04 من القانون 12104 المتعلق بالأسعار وحرية المنافسة، في تحديد سعر بعض المواد كالمحروقات، لأنها القلب النابض للاقتصاد، مشيرا إلى أنه جرى التقدم بها إلى الحكومة وننتظر أن نرى لها أثرا في السوق المحلي، والذي أكد بأن ما يعيشه من تقلبات لا يجب ربطه بانعكاسات قلة التساقطات على الموسم الفلاحي، التي توقع بأن تظهر في العام المقبل. من جهته، أكد القيادي الاتحادي، شقران إمام، أن الحكومة يجب أن تكون أكثر جدية في ما يخص مراقبة الأسعار واتخاذ القرارات اللازمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمضاربة والاحتكار، مؤكدا، في الوقت نفسه، على توفير نوع من التواصل يضع المواطن في صورة ما يحدث، على اعتبار أن مجموعة المواد ارتفع ثمنها على المستوى الدولي، وهو ما يعني أنه سيكون له انعكاس على المستوى المحلي. وفي هذا الجانب، أشار شقران، في تصريح ل «الصحراء المغربية»، إلى أنه «حتى هذه الزيادات يجب أن تكون مقننة ومدروسة من قبل الحكومة، حتى لا تكون مسألة تحرير الأسعار سببا في اغتناء البعض في هذه اللحظة التي تستدعي تعبئة وطنية ومسؤولية في التعاطي مع هذا الوضع». وزاد مفسرا «من الطبيعي أن تكون هناك زيادات في ظل الظرفية العالمية الراهنة، لكن هناك من يستغل ذلك في رفع الأثمان إلى مستويات كبيرة قد يمتد أثرها إلى المس بالاستقرار الاجتماعي، وبالتالي فإن الحكومة هي المعنية باتخاذ ما تراه مناسبا من تدابير، وإذا اقتضى الحال حتى التشريع بشكل استثنائي للتعاطي مع هذه الوضعية، حتى تكون القرارات التي تعتمدها تأتي في إطار القانون».