جرى أمس الأربعاء بمدينة مراكش، تنظيم موكب استعراضي ضم 40 حكواتيا من كلا الجنسين يمثلون القارات الخمس، وسط أجواء احتفالية جاب مختلف أزقة المدينة العتيقة لمراكش، احتفاء باستئناف الأنشطة الفنية بساحة جامع الفنا وإعادة الاعتبار لفن الحكاية الذي يصنف في خانة الثقافة الشفهية والشعبية، وللحكواتيين الذين ما فتئوا يكافحون من أجل الحفاظ على هذا التراث اللامادي، وضمان استمراريته، والتأكيد على أن الحكايات جزءا لايتجزء من مكون ساحة جامع الفنا. وانطلق هذا الموكب الاستعراضي، الذي نظم على هامش فعاليات النسخة الأولى من مهرجان مراكش الدولي لفن الحكي، من مقر مؤسسة دار بلارج في اتجاه ساحة جامع الفنا التاريخية، بمشاركة على الخصوص، سايمون مارتن سفير بريطانيا بالمغرب الذي تفاعل مع أهازيج وإيقاعات رقصات كناوة الساحرة والأغاني الشعبية المستوحاة من التراث المراكشي الأصيل. ولدى وصولهم إلى ساحة جامع الفنا، انتظم "شيوخ الكلام" المغاربة والأجانب من كلا الجنسين المشاركين في المهرجان لسرد الحكايات والقصص بمختلف اللغات من قبيل الإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى الدارجة والأمازيغية، لإبراز تقارب الشعوب في ما بينها بخصوص الموروث الثقافي الشفوي للبلدان المشاركة، تفاعل معها زوار ساحة جامع الفنا الذين اعتادوا على ارتياد هذا الفضاء. وكانت أقوى لحظات هذا الاحتفال، عندما تحول سايمون مارتن سفير بريطانيا بالمغرب، الذي كان مرتديا بذلة الساحر، اإى حكواتي، وقام بتنشيط إحدى "الحلقات"، وشرع في سرد قصة العشق، التي جمعت وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني السابق بمدينة مراكش. وتفاعل الجمهور، سواء من الزوار أو أولئك الذين اعتادوا على ارتياد الساحة التاريخية، بشكل قوي مع السفير البريطاني، الذي أبان عن علو كعبه في الحكي من خلال سرد قصة الحب بين تشرشل والمدينة الحمراء، التي عبر عنها في عدد من لوحاته التشكيلية، حيث تعد لوحة "برج مسجد الكتبية"، من أبرز أعماله الفنية، والتي طرحتها إحدى دور العرض في العاصمة الإنجليزية لندن للمزاد العلني، حيث يتراوح ثمنها ما بين 1.7 و2.8 مليون يورو. وتشكل هذه التظاهرة الثقافية المتعددة اللغات، المنظمة بدعم من عدة شركاء، من بينهم سفارة المملكة المتحدة، وجمعية اتحاد الحكواتيين للإبداع الثقافي وفن الحكاية بمراكش، وجمعية منية مراكش لاحياء تراث المغرب، فرصة للتبادل الثقافي وتقاسم الخبرات بين الحكاة، وتعريف المشاركين بالثقافة المغربية، إضافة إلى الترويج للمدينة الحمراء كوجهة سياحية لهذا الفن، وفتح المجال للمرأة في فن الحكاية، والقضاء على الصور النمطية بين الثقافات ونشر قيم التسامح والسلام، وتعزيز السياحة الثقافية في مراكش. وأكد الحكواتي عبد الرحيم الأزلية المشرف على مادة تلقين فنون الحكاية بمدرسة الحكي الذي تم إحداثها بمراكش، في تصريح ل"الصحراء المغربية"، أن هذا المهرجان يقام في مدينة ذات تقليد قديم في الحكايات عمرها ألف سنة، لأنها مدينة تشتهر بالنكتة وفن الحكايات والفنون الشعبية ، مشيرا إلى أن هذا النوع الفني يجتذب الآن جيلا جديدا من الشباب رواة القصص الذين فازوا بجوائز من مؤسسات التعليم العالي، بعد إخضاعهم للتكوين وتلقينهم لقواعد هذا الفن من شيوخ الحكاية رواة القصص في ساحة جامع فنا. وأوضح عبد الرحيم الأزلية أن هذا الجيل الجديد من رواة القصص قادر على بث حياة جديدة في هذا النوع الفني وبالتالي ضمان استدامته، مؤكدا أن الحكايات تعاد صياغتها كلما انتقلت من لغة لأخرى ومن مجال ثقافي لآخر ومن شعب لآخر، وفي كل مرة يتم تطعيمها بعناصر دلالية ورمزية مستوحاة من الأرضية الثقافية للحكواتيين والمتلقين.