انطلقت، امس السبت، فعاليات النسخة الأولى لمهرجان مراكش الدولي لفن الحكي، بتقديم عرض جماعي، جمع كافة الحكواتيين المشاركين في هذه التظاهرة الثقافية والفنية. وشكل هذا العرض، وهو الأول ضمن فقرات المهرجان، دعوة للسفر من أجل اكتشاف حكايات وأساطير رواها فنانون بارعون في استقطاب اهتمام السامعين ويمتلكون ناصية اللغة، مع ربط الصلة بالجمهور، بكل براعة وسهولة. وهكذا، كان جمهور مدينة مراكش وضيوفها على موعد، خلال هذه الأمسية الأولى، مع حكواتيين قدموا من مختلف أنحاء العالم، والذين نذروا حياتهم لهذا الجنس الفني الذي يصنف في خانة الثقافة الشفهية والشعبية، والذين ما فتئوا يكافحون من أجل الحفاظ على هذا التراث اللامادي، وضمان استمراريته. كما كان هذا العرض مناسبة للجمهور للاستمتاع ومتابعة حكايات متنوعة، وكذا للالتقاء بحكواتيين يتميزون بأساليب مختلفة، واكتشاف عدد من طرق الحكي، التي تمثل مختلف البلدان والحضارات، حيث ركزوا في هذه الحكايات على أساطير خاصة بكل واحدة منها، وعلى شخصيات أسطورية، وإنجازات شخصيات تاريخية، أو حكايات تقص المعيش اليومي للناس وتعكس انشغالاتهم. كما حرص المنظمون، من خلال هذا المهرجان، على إعطاء الكلمة للجيل الجديد من الحكواتيين، "الطموح" و"الذكي"، والذي يعي بأن هناك ضرورة لتجديد هذا الفن العريق، المهدد بالانقراض، عبر اللجوء إلى التكنولوجيات الجديدة للإعلام من أجل نشره، خاصة في هذه الفترة المطبوعة بأزمة صحية عالمية. وتم تقديم العرض الأول المبرمج في إطار المهرجان داخل مقهى مخصص للحكاية، والذي أسسته الأخصائية في العلاج النفسي البريطانية لوسي أندرسنوود، التي تؤمن بالمزايا العلاجية للحكي والحكاية. ويشكل هذا المشروع امتدادا لمشروع الكتروني ناجح، بث أزيد من 1000 ساعة من الحكي في فترة الجائحة. وأشاد الحكواتي البريطاني الشهير، جون راو، في تصريح لقناة (إم 24) التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، بمبادرة إحداث مقهى موجه للحكاية، والذي سيكون نقطة جذب كبيرة للسياح إلى المدينة الحمراء ، مبرزا أن المقهى ستكون له ميزة نقل العروض مباشرة عبر الانترنت، إلى مختلف أرجاء المعمور، كما سيقوم ببث مباشر للعروض التي ستقدم خلال أيام أخرى. كما اعتبر راو أن مكانة فن الحكي في عالم اليوم ما تزال موجودة، على الرغم من التوسع الرقمي، مبرزا أن الحكاية تحظى بشعبية كبيرة، وما يزال الناس يهتمون بهذا النوع الفني العريق. من جهته، قال الحكواتي الشاب، ومدير المهرجان، زهير الخزناوي، إن هذه التظاهرة الفنية تهدف إلى النهوض بالسياحة الثقافية بمراكش، التي تتوفر على كافة المؤهلات الكفيلة بأن تجعل من هذه المدينة وجهة ثقافية بامتياز، كاشفا أن مراكش وساحة جامع الفنا تصبوان إلى استقطاب، طيلة السنة، حكواتيين من مختلف البلدان، وهو ما من شأنه أن يساهم في جعل هذه الساحة فضاء عالميا، وملتقى لتلاقح الثقافات. وأفاد بأنه إضافة إلى العروض، ستكون هناك لحظة قوية خلال هذا المهرجان، حيث سيتم تنظيم موكب للحكواتيين، انطلاقا من المدينة العتيقة لمراكش باتجاه ساحة جامع الفنا الشهيرة، وذلك بغية توجيه رسالة قوية مفادها أن الحكواتيين ما يزالون حاضرين بقوة بالمدينة الحمراء وعلى الساحة الثقافية والفنية المحلية، معتبرا أن جائحة (كوفيد-19)، التي أدت إلى توقف العروض بالساحة، لن تكون سوى فاصل زمني قصير في تاريخ هذا الفضاء الرمزي. من جانبه، أكد الحكواتي مكوري عبد الرحيم، الملقب ب"الأزلية"، في تصريح مماثل، أن هذا المهرجان ينظم بمدينة ذات تقاليد عريقة في فن الحكي، والمعروفة أيضا بأنها مدينة الطرفة والفنون الشعبية بامتياز، مبرزا أن هذا النوع الفني يستقطب اليوم جيلا جديدا من الحكواتيين خريجي مؤسسات للتعليم العالي، والذين تلقوا قواعد هذا الفن من حكواتيين مرموقين بساحة جامع الفنا. واعتبر أن هذا الجيل الجديد من الحكواتيين قادر على إعطاء دينامية جديدة لهذا النوع الفني وضمان ديمومته. وتعرف النسخة الأولى لمهرجان مراكش الدولي لفن الحكي، المنظمة إلى غاية 20 فبراير الجاري، بدعم من عدة شركاء، من بينهم سفارة المملكة المتحدة، واتحاد الحكواتيين بمراكش، وجمعية المنية، و24 رياضا بالمدينة، مشاركة 40 حكواتيا من القارات الخمس. وسيكون المهرجان متعدد اللغات، حيث سيتم خلاله إلقاء حكايات باللغة الإنجليزية وبلغات أخرى، منها الفرنسية، والدارجة والأمازيغية، وذلك في فضاءات شهيرة بالمدينة، من بينها، على الخصوص، ساحة جامع الفنا ومركز المنية ومقهى كلوك ودار بلارج وجامعة القاضي عياض والمركب الإداري والثقافي محمد السادس.